نحن الآن مع مقطع من مقاطع الزيارة للائمة عليهم السلام ونعني بذلك مايطلق عليه اسم (الجامعة الكبيرة)، وقد حدثناك عن غالبية هذه الزيارة، وبقي منها ما نعتزم توضيحه من ذلك مانلاحظه في المقطع البادئ بعبارة (كلامكم نور) اي كلام الائمة عليهم السلام، الى ان يقول (وقولكم حكم وحتم، ورأيكم علم وحلم وحزم).
هنا يجدر بك ان تمعن النظر في هاتين العبارتين اللتين تجمعان بين القول والرأي لدى الائمة عليهم السلام، وملاحظة النكات المتنوعة في هذا الميدان.
العبارة تقول عن الائمة عليهم السلام (قولكم حكم وحتم)، ترى مالمقصود من هاتين الكلمتين: الحكم والحتم؟ اما (الحكم)فيعني: اطلاق الفتوى في هذه المسألة او تلك، وهذا يعني انهم عليهم السلام: يصدرون عن احكام الله تعالى، حيث ان النصوص الشرعية طالما اشارت الى ان النبي(ص) اوصل الى الامام علي(ع) الاحكام الشرعية وسواها، وان علياً(ع)
وسائر الائمة عليهم السلام اوصلوا هذه الاحكام الى بعضهم الآخر وهذا فيما يتصل بالقول الصادر عن الائمة عليهم السلام، ولكن ماذا بالنسبة الى العبارة الاخرى وهي: ان قولهم (حتم)؟
واضح ان (الحتم) هنا يعني: حتمية الحكم المذكور، اي اُقدّر لاحدٍ ان يشك في ذلك، فان التشكيك المذكور لا قيمة له البّتة، لان النصوص الشرغية التي اشارت الى ان الاحكام الصادرة عنهم علهم السلام هي: متسلسلة الى النبي(ص).
نتجه بعد ذلك الى العبارة الاخرى المتضمنة (ليس القول) بل (الرأي)، اي: ان مقطع الدعاء حدثنا اولاً عن (قول) الائمة عليهم السلام وكونه (حتماً)،...اما الآن فيحدثنا عن (رأي) الائمة عليهم السلام، فما هو الفرق بين (القول) و (الرأي)؟
من البّين ان (الرأي) هو: ما يحدث لدى الائمة عليهم السلام من المواقف اوالاحداث الجديدة التي تتطلب (رأياً) حيالها... وبما ان(الرأي) اساساً يقترن بالعملية التوصيلية التي اشارت النصوص الشرعية اليها، فأن (الالهام) بها عن طريق قنوات (الغيب) يظل هو ما اشار النبي(ص) اليه عندما اكد ظاهرة (الوصاية) للائمة عليهم السلام، وهم بدورهم طالما اشاروا الى ان (الرأي) يغد الى شخوصهم انما هو: اما (نقر) في السمع، او حديث الى القلب، وفي الحالات جميعا فان (الرأي) الصادر عنهم حينئذ لا بد وان يتسّم بطوابع معينة حتى يطرد الشكوك التي يثيرها المنعزلون عن خط الله تعالى ونبيه(ص) والائمة عليهم السلام، والسؤال الآتي: ما هي الطوابع المشار اليها؟
الطوابع هي ان رأي الائمة عليهم السلام هو (علم، حلم، حزم)، وهذا ما يتطلب القاء الاشارة عليه الآن، فنقول: اما (العلم) فهو: الالهام الصادر اليهم، واما (الحلم) فهو سعة نفسية، لكنها تقترن بالعلم دون ادنى شك فالشخصية العالمة بالموضوع: تتعامل واياه من خلال الانات والصبر والتودد حتى يكتسب علمها موضوعيته التامة، ان العلم اذا انفصم عنه الحلم يظل قاصراً عن تنقية مهمته، فمثلاً عندما يتعامل الائمة عليهم السلام بالحلم الكبير (كما لو احسنوا الى عدوهم) فان العدو حينئذ سيعرف تماماً بان اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ.
واما السمة الثالثة فهي (الحزم) وهذا يعني: ان الحلم الذي يصدرون عنه لا يكشف عن الضعف بل القوة لان المعاملة بالحسنى هي من القدرة على العفو: والعفو هو عند المقدرة وليس عند العجز دون ادنى شك من هنا اشارت الزيارة الى ان الائمة عليهم السلام يصدرون عن (الحزم) في سلوكهم الحالم، اي: ان الحلم الذي يعني: التودد في التعامل انما هو مقترن بالحزم الذي يعني: عدم التردد البّتة في ابداء الرأي المطلوب تقديمه.
*******
وهنا ينفتح التمايز الكبير بين رأي الائمة(ع) ورأي غيرهم، ومزيد من التوضيح نستمع له من الاتصال الهاتفي الذي اجراه زميلنا مع الشيخ الصادقي:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا ها نحن معكم ومع ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي في هذه الفقرة من فقرات برنامج امناء الرحمان، سماحة الشيخ للأئمة عليهم السلام آراء سجلها التاريخ الاسلامي فيما يرتبط في مختلف مواقف الانسان الفرد او المجتمع في مختلف مراحله، سؤالنا في هذه الحلقة ما يميز رأي الائمة عليهم السلام العترة النبوية عن غيرهم؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، بلا شك ولا ريب ان رأي الائمة عليهم السلام باعتبار الله عز وجل طهرهم واجتباهم وجعلهم معصومين من الخطأ والزلل فبلا شك ان رأيهم سديد وقولهم الحق ورأيهم حلم وعلم، فالرأي بمعنى العلم الالهي الذي تميز به المعصوم يختلف بلا شك عن آراء غير المعصومين فاذا رأى رأياً فهو الحق وليس عند المعصوم غير الحق يعني هو ميزان الحق وعين الحق فالحق ما رضيتموه والباطل ما اسخطتموه، ولذا ورد مثلاً علي مع الحق والحق مع علي، وهكذا كل الائمة صلوات الله وسلامه عليهم قد يقال ان الرأي هو التفكر في مبادئ الامور والنظر في عواقبها وعلم ما يؤول اليه من الخطأ والصواب، وهذا ان كان مدركه النور الالهي ومنطق الوحي كما هو كذلك بالنسبة الى النبي والائمة فلا محالة هو الرأي المصاب الذي يجب اتباعه، ثم يدل على ذلك ما ورد في رواية عبد الله بن سنان قال، قال ابو عبد الله لا والله ما فوض الى احد من خلقه الا الى رسول الله صلى الله عليه وآله والى الائمة، قال عزوجل: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ، قال الامام وهي جارية في الاوصياء بما اراك الله يشير الى ان حكمه وكذلك حكم الائمة انما هو بما اراهم الله تعالى، ومن هنا نعرف ان رأي الائمة ورأي الرسول هو الصواب ولا يمكن ان نتصور او ان نحتمل الخطأ ولو بدرجة واحد بالمئة بالنسبة الى المعصوم.
المحاور: جزاكم الله خيراً سماحة الشيخ باقر الصادقي، شكراً لكم احباءنا وتابعوا ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان.
اذن امكننا ان نتبين جانب من النكات الكامنة في المقطع من الزيارة سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى موالاتهم عليهم السلام، انه ولي التوفيق.
*******