لا نزال نحدثك عن الزيارة الجامعة للائمة عليهم السلام، اي: الجامعة الكبيرة، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، ونحن الان على وشك ان ننتهي من دراستها، حيث وردت في مقاطعها الاخيرة ما يأتي وهو خطاب للائمة عليهم السلام: (شأنكم الحق والصدق والرفق، وقولكم حكم وحتم، ورأيكم علم وحلم وحزم ...).
ان هذه الفقرات ليست مجرد صياغة فنية تخضع لاساليب ايقاعية وثورية ودلالية خاصة فحسب، بل هي معطيات (معرفية) يتعين على قارئ الزيارة ان يعيها ويفيد منها في اثراء تجربته العبادية.
الاولى من هذه الفقرات هي: (شأنكم الحق والصدق والرفق)... الملاحظ هنا هو هذا التجانس الفذ بين المفردات الثلاث المقفاة بجرس واحد هو توازن المفردات من جانب، وتوحد الفاصلة او القافية من جانب آخر، لكن لِندع الايقاع او الجرس، ولنتجه الى الدلالة، فماذا نستخلص؟
هناك ثلاثة من الموضوعات هي: الحق، والصدق، والرفق. ما المقصود من هذه المفردات الثلاث؟
الاولى من الظواهر او السمات هي (الحق) وهذه االكلمة هي تجسيد لما هو عام وشامل ومستوعب لما نتطلع اليه من السلوك او المبادئ ... وهل غير (الحق) او (الحقيقة) نتطلع اليها؟
اذن الحق هو المطلوب من المبادئ، وهذا من شأن (الائمة) عليهم السلام في الاضطلاع بتحمله وتبيينه للناس ولكن هذه الكلمة العامة، سوف تقترن بكلمات اخرى هي متفرعة منها، وفي مقدمتها مفردة (الصدق) فماذا تعني؟
ان (الصدق) يقابل (الكذب) ... واذا قُدِر لك ان تدقق في هذه السمة، تجد ان النصوص الاسلامية لا تتحدث بأسهاب كما تتحدث عن هذه السمة، حيث ورد ان الصدق هو الايمان او الرأس للفضائل، وورد ان الكذب هو الفسق وهو الرأس للرذائل، والطريف ان احد الاحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام: يوضح بان المؤمن قد تصدر عنه المعاصي جميعاً ولكن لا (يكذب) وورد ان الكذب هو مفتاح الشر فما هو السر الكامن وراء ذلك؟
ان السر هو: ان الصدق والكذب يعبران عن الواقع الداخلي للشخصية، اي: ان الصادق في قوله صادق - في الواقع - مع المبادئ، وبكلمة اكثر وضوحاً: ناك اذا كنت صادقاً في قولك: فستكون صادقاً في عقيدتك وفكرك ومبادئك، والعكس صحيح، بمعنى انك اذا كنت صادقاً في قولك فستكون صادقاً مع الله تعالى في التزامك بالمبادئ العبادية.
*******
وهنا ينبثق في الذهن الامر القراني بان نكون مع الصادقين، فكيف نستفاد منها امراً بموالاة ائمة اهل البيت عليهم السلام؟ نتلمس الاجابة في كلام ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي في الاتصال الهاتفي التالي:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام من الله عليكم احباءنا تحية طيبة افتتح بها هذه الفقرة من برنامج امناء الرحمان وانتم تتابعون البرنامج من خلال اجوبة خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي عن اسئلتنا، سماحة الشيخ فيما يرتبط بآية كُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ الآية الكريمة يستدل بها العلماء على وجوب موالاة ائمة اهل البيت عليهم السلام ما هو وجه هذا الاستدلال؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، طبعاً على خصوص السؤال هذا والا هناك نصوص كثيرة على وجوب موالاة ائمة اهل البيت يعني هذا احد الادلة على وجوب موالاتهم، وانما الآية تأمرنا ان نكون مع الصادقين هذا فرع عن كونهم اولاً قد عصمهم الله عز وجل يعني انهم معصومون فحين العصمة التي تميزو بها سمعناها ان الامام المعصوم لا يخطأ لا ينسى لا يغفل فعليه الكون معه والملازمة له ووجوب الاخذ عنه وموالاته هذا شيء متحقق، وقد امرنا بطاعته من خلال الآية الشريفة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ، وقد فسرها الفخر الرازي وهو من علماء العامة قال: من امر بطاعته والامة امرت بطاعته لابد ان يكون معصوماً فهو يقرر لابد ان يكون معصوم وهذا المعصوم حينما نجده من خلال الشواهد العملية نرى ان المصداق الواضح والبارز للعصمة في هذه الامة هم اهل بيت النبي والذي اشار لهم الحديث المتواتر اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا، فهذا الحديث فيه دلالة على عصمة اهل البيت واشارة الى عصمتهم لانهم عدل الكتاب والكتاب معصوم فلابد ان يكون عندنا الكتاب كذلك قد عصموا من الخطأ، والا كيف يأمرنا النبي صلى الله عليه وآله بالتمسك بالعترة والحال انها لم تكن معصومة، فاذا قررنا ان نكون تكونوا مع الصادقين انهم الائمة صلوات الله وسلامه عليهم فلابد ان نواليهم ولابد ان نحبهم، قد اشار الامام الشافعي وهو احد ائمة المذاهب الاربعة الى ضرورة محبة اهل البيت وموالاتهم حتى نسب اليه هذا الشعر يا آل بيت رسول الله حبكموا فرض من الله في القرآن انزله كفاكم من عظيم الشأن انكم من لم يصلي عليكم لا صلاة له "اللهم صل على محمد وآل محمد"، كذلك اشار الى ذلك ابن العربي وهو من علماء العامة يقول رأيت ولاء آل طه فريضة على رغم اهل البعد يورثن القربى فما طلب المبعوث اجراً على الهدى لتبليغه إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، اشارة الى الآية الشريفة في سورة الشورى «قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»، فالكون مع الصادقين ينبغي ونستشف منه انه موالاة الائمة ووجوب طاعتهم، والحمد لله رب العالمين.
المحاور: الحمد لله رب العالمين رزقنا الله واياكم وجميع الاخوة والاخوات المستمعين عميق وصادق وخالص الموالاة لمحمد وآل محمد ومعادات اعدائهم، وشكراً لاحباءنا وهم يتابعون ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان وشرح الزيارة الجامعة.
*******
نستخلص مما تقدم ان (الصدق) في الكلام هو: التعبير الحقيقي عن كوامن الشخصية، وهذا ما يهب هذه السمة قيمتها الكبيرة.
ولكن اذا كان الصدق هو الميزان لمعرفة الايمان لدى الشخصية، فماذا عن سمة (الرفق)، حيث وردت ثالثة من الفقرة التي لاحظناها؟
الجواب هو: ان (الرفق) هو ضد الخشونة او الغلظة او القساوة ...، اي اذا كان (الصدق) تعبيراً عن واقع المبادئ، فان (الرفق) تعبير عن النبض الانساني لدى الشخصية لان الرفق هو ضد ما هو غير انساني، ان تعاملك مع الآخر عندما يقترن بالخشونة: كما لو نعاملت مع الفقير مثلاً باهانته، او مع عدول بقساوة او مع اي شخص آخر تجده منحرفاً مثلاً: لو تعاملت معه بقساوة: حينئذ فان البعد الانساني يغيم من اعماقك،... لذا ورد عن الامام علي(ع) ان الرفق ينبغي ان ينسحب منك حتى على من يخالفك في الرأي، حيث اشار في احدى توصياته هم اما اخوة لك في الدين او اخوة لك في الانسانية ولذلك طلب(ع) من واليه ان يرفق بالرعية بنحو مطلق.
اذن الرفق والصدق والحق مفردات ثلاث، لاحظنا مختلف دلالاتها، وانعكاساتها على الشخصية من حيث المبادئ والتعامل مع المبادئ، اي: التعامل مع النفس والتعامل مع الآخر: بالنحو الذي اوضحناه.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى الالتزام بما لاحظناه عند الائمة عليهم السلام من حيث تبنيهم للحق، والصدق، والرفق، نسأله تعالى ان يوفقنا الى الافادة من سلوك الائمة عليهم السلام، انه ولي التوفيق .
*******