نحن الآن مع احد المقاطع من الزيارة الجامعة: للائمة عليهم السلام وهي ما يطلق عليها اسم (الجامعة الكبيرة)، تميزاً لها عن سائر الزيارات الاخرى... ان المقطع الجديد الذي ننعتزم لفت النظر اليه، هو المقطع المخاطب للائمة عليهم السلام بهذا النحو: (ذكركم في الذاكرين، اسمائكم في الاسماء، واجسادكم في الاجساد، وانفسكم في النفوس، وآاثاركم في الاثار، وقبوركم في القبور...).
ان هذا المقطع من الدعاء يقترن بتأويلات متنوعة. ذهب كل من توفر على النص بما يتوافق مع خلفيته الثقافيه، واذا كان النص البلاغي الخالد يتميز بكونه (في غالب نماذجه) بتعدد تأويلاته، فان النص الذي نتحدث عنه "تنسحب عليه السمة المتقدمة بخاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان (الجامعة الكبيرة) تتميز بكونها قد صيغت في سياق خاص هو: طلب او التماس احد اصحاب الامام علي الهادي(ع) بان ينشيء له كلاماً (بليغاً)، وهو ما حصل فعلاً، حيث ان احد مصاديقه البلاغية هو: تعدد تأويلاته: كما ذ كرنا.
قلنا ان الشرح لزيارة الجامعة، قد يتناول استخلاصات متنوعة يرى البعض منها اقرب الى غيره، وهكذا لكنا أسوف نكتفي بالاشارة الى دلالة خاصة وهي: الذكر، والاسم، والجسد، والنفس، والاثر، والقبر) انما ترد في سياق المقارنة مع الغير، وتفرد الائمة عليهم السلام عن الغير في ان واحد، ويمكننا توضيح الموضوع على النحو الاتي:
اولاً: نستخلص من عبارة (ذكركم في الذاكرين)، انه اذا قدر لاحد ان (يذكر) بصفة المدح، فان الائمة عليهم السلام هم الذين يتصدرون ذ لك، بحيث لا يتخلف ذكركم النبه: اذا ُقدر لغيركم أن يمحى او يُنحل ذكره.
طبيعياً علينا ايضاً ان نقول: ان قارئ النص قد يتداعى الى ذهنه، ان (الذاكر) لله تعالى، ينسحب على هذه العبارة، اي: ان (الذاكرين) الله تعالى من اولياء وملائكة وسواهم، يجيء الائمة عليهم السلام في مقدمتهم.
اي: اذا طرح مفهوم (الذكر) فان (الذاكر) هو انتم ايها الائمة عليهم السلام.
ونتجه الى عبارة (واسمائكم في الاسماء)... هنا يمكنا ان نتصور أيضاً ان (الاسماء) المقدسة اذا أًستحضرت في الاذهان، فان الاسماء للائمة عليهم السلام هي السباقة الى الذهن، انها في مقدمة الاسماء المقدسة المرتبطة بتعاملها الخالص مع الله تعالى.
*******
وهنا من الجميل ان نستمع لتوضيحات خبير البرنامج الشيخ باقر الصادقي لظاهرة جمال اسماء اهل البيت عليهم السلام وذلك في الاتصال الهاتفي التالي الذي اجراه زميلنا، لنستمع معاً:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته تحية طيبة اهلاً بكم في هذه الفقرة من برنامج امناء الرحمان معنا مشكوراً على خط الهاتف سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ كيف تفسرون ظاهرة جمال اسماء الائمة عليهم السلام اسماء جميلة لعله لا توجد في التاريخ كوكبة او ذرية بعضها من بعض تمتاز بهذه الميزة ميزة جمال اسمائهم؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، بلا شك ولا ريب ان الله عز وجل خلق اهل البيت وانوار النبي واهل بيته من نوره وشقق لهم اسماء من اسمائه فبلا شك انها احلى الاسماء كما احلى اسمائكم ومن كثرة حلاوة اسمائهم لانها في عالم الوجود مظاهر جماله وزينة للخلق ومتزينة بزينة ليست فوقها زينة في الوجود يدركها المؤمن بايمانه بهم وبمعرفته اياهم في الدنيا واما يوم القيامة فتظهر تلك الزينة علانية لكل احد كما ورد في الحديث الشريف ان الحسن والحسين عليهما السلام يجعلهم الله تعالى يوم القيامة زينة لعرشه، وبهذه الزينة هما سيدا شباب اهل الجنة كما لا يخفى، وكذلك حلاوة اسمائهم ظاهرة للعيان التي تشير الى حقائقهم بلا شك ولا ريب تشير بعض النصوص ان شيعة الائمة يوم القيامة وبالخصوص الرواية مرتبطة بالامام الحسين عليه السلام يوم القيامة يجلسون عند الحسين فيلتذون من حديثه بحيث يقدمونه على لذائذ الجنة ويتمنون ان لا يكون لهم الا النظر والاستماع لحديث الحسين، فاسمائهم بلا شك اسماء جميلة حقائقهم حقائق عالية ويشير الامام العسكري لتوثيق هذا المعنى بالنصوص ارتباط المحب المؤمن بالامام ارتباط وثيق.
يقول الامام العسكري لولده الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف اعلم يا بني ان ارواح المؤمنين لنزع اليك اي "مشتاقة اليك" فهناك علاقة وطيدة وحفيفة وقوية بين المؤمن الذي يعرف اهل البيت بحقائقهم وباسمائهم وهناك معنى اخر غير المعاني اللفظية كما ورد في الرواية عن السيدة خديجة حينما تتحدث عن ابنتها فاطمة الزهراء تقول انها لما وضعت فاطمة فاح الطيب حتى ملأ جميع الارض والآفاق كلها، بلا شك انها الحوراء الانسية والتي قال النبي صلى الله عليه وآله في حقها اني كلما اشتقت الى رائحة تفاح الجنة شممت ابنتي فاطمة سلام الله عليها، فاذن ما احلى اسمائكم بلا شك انها احلى الاسماء، وقع الاسماء على الاذن له خصوصية خاصة ارتباط المحب بحقائق الائمة ولمعرفته بالائمة وباخلاق اهل البيت وبما يتمتع به اهل البيت من صفات ومميزات تربط هذا الانسان بالله عز وجل وتعرفه الله من خلال الائمة صلوات الله وسلامه عليهم، فلذا كانت اسمائهم احلى الاسماء ونفوسهم اكرم النفوس صلوات الله وسلامه عليهم، زادنا الله، وكلما ازداد الانسان معرفة بحقائق اهل البيت يزداد تعلق بهم ويزداد محبة لهم زادنا الله واياكم وجميع المؤمنين بمعرفة محمد وآل محمد لنرتبط بهذه الاسماء اللهية والتي اشتقت من اسم الله عز وجل كما في الحديث الذي ينقله صاحب كتاب فرائض السمطين قال: لما نظر آدم على نبينا وآله وعليه السلام نظر الى خمسة اشباح على صورته قال: الهي هل خلقت اناساً آدميين على صورة قبلي.
قال: هؤلاء لولاهم لما خلقتك هؤلاء الخمسة خلقتهم من نوري وشققت لهم اسماء من اسمائي فانا المحمود وهذا محمد وانا العالي وهذا علي وانا الفاطر وهذه فاطمة وانا المحسن وهذا الحسن وانا قديم الاحسان وهذا الحسين وعزتي وجلالي وارتفاع شأني آلتي على نفسي الا يأتيني مخلوق مثقال ذرة من بغضهم الا اسكنته ناري ولا ابالي، ثم قال النبي فمن كانت له حاجة الى الله فليسأل بنا اهل البيت، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
المحاور: صلوات الله عليهم اجمعين سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، وشكراً لكم احبائنا وتفضلوا مشكورين لمتابعة ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان.
*******
ثم نتجه الى (الاجساد)، ونقف عند عبارة (اجسادكم في الاجساد).
وهذا ما يقتادنا الى تساؤل جديد، هو: اذا كانت الاسماء او الذاكرين الله تعالى تحمل مسوغاتها ودلالاتها التي او ضحناها،... حينئذٍ: ماذا نستخلص من العبارة القائلة بان اجساد الائمة عليهم السلام في الاجساد؟
في تصورنا، ان النصوص المتنوعة التي طالما تشير الى ان النبي واهل بيته عليهم السلام خلقوا من طينة علوية،... بالاضافة الى ما نقرأ من الافكار المتنوعة التي تقرر الصلوات على محمد وآله الاطهار، على ارواحهم واجسادهم، انما تشيد الى خصوصية الطهارة والتزكية للاجساد المشار اليها.
بعد ذلك نواجه عبارة (ارواحكم في الارواح) وكذلك عبارة (وانفسكم في الانفس).
هنا في نطاق التفرقة بين(الروح) و(النفس) نجد ان النصوص الشرعية تستخدم المصطلحين المتقدمين في سياقات مختلفة... فمثلاً: يتحدث النص القراني الكريم عن (الروح) فيقول: انها من الله تعالى... كما ان لغة (الروح) في الآدميين يرمز الى دلالة خاصة.
بالمقابل نجد ان (النفس) تستخدم عبارته في سياق آخر مثل قوله تعالى «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا» ومثل «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ».
لذلك، فان الضرورة تفرض علينا ان نتجه الى ملاحظة الفوارق أو التلاقي بين هذين المصطلحين، وهو ما نحدثك عنه لا حقا ان شاء الله.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى معرفة النبي(ص) والمعصومين عليهم السلام، حتى نتعامل بنحو اكثر وعيا بطهارة هؤلاء المعصومين جميعاً، انه ولي التوفيق.
*******