نحن الان مع مقطع جديد من الزيارة الجامعة للائمة عليهم السلام، وهي ما يطلق عليها اسم (الجامعة الكبيرة)، تمييزاً لها عن الزيارات الاخرى، حيث تتسم هذه الزيارة بطولها وبلاغتها،... وقد وردني المقطع الجديد: هذه الفقرات المخاطبة للائمة عليهم السلام: (طأ طأ كل شريف لشرفكم، وبخع كل متكبر لطاعتكم، وخضع كل جبار لفضلكم، وذل كل شيء لكم...).
هذه الفقرات من الزيارة تتحدث عن مضمونات متجانسة في خطوطها، وهي: الاشارة الى ان الآخرين، وفيهم: الشخوص الايجابية والسلبية تقف خاضعة للائمة عليهم السلام، اي تقف دونهم في التسليم بفضل الائمة عليهم السلام، فالشريف والمتكبر والجبار وكل شيء يقف خاضعاً وذليلاً امامهم عليهم السلام.
والسؤال هو: ما هي النقاط التي نستلهمها من الفقرات المتقدمة؟ هذا ما نسعى للاجابة عنه في هذه الحلقة بعد الاستماع لتوضيحات الشيخ باقر الصادقي عن احد الظواهر المشهودة في تاريخ اهل البيت النبوي عليهم السلام لها مسيس الارتباط بموضوع هذه الحلقة: نستمع معاً للاتصال الهاتفي التالي:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا شكراً لكم على طيب متابعتكم لهذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان وشرح الزيارة الجامعة، في هذه الحلقة نعرض على ضيفنا الكريم سماحة الشيخ باقر الصادقي السؤال التالي سماحة الشيخ، هنالك ظاهرة مشهودة في تاريخ ائمة اهل البيت عليهم السلام ومواقف الناس منهم وهي انه هنالك اجماع من قبل الاصدقاء والموالين وكذلك الاعداء والمنحرفين عن منهجهم عليهم السلام اجماع على سمو مراتبهم فما هي دلالات هذه الظاهرة؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، من اقوى دلالات هذه الظاهرة اولاً الاشارة الى العصمة التي منَّ الله عليهم بها بلا شك ان اهل البيت عليهم السلام الله اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً باعتبار كونهم قدوة واسوة للناس والقدوة ينبغي ان يكون بالمكان الذي يقتدى به في سلوكه وافعاله اذا كان "نعوذ بالله" ممن يخطأ او ممن تصدر منه انحرافات لا سامح الله خلوقية او ما شابه ذلك او مالية او أي شيء يشين بسمعته بلا شك سوف تسقط مكانته من النفوس وبالتالي لا يصلح ان يكون حجة لله عز وجل، فاذن من خلال ما نقرأ في التاريخ حتى هذا التاريخ الذي دون من قبل بعض من لا يميل الى اهل البيت ولا الى مدرسة اهل البيت نجدهم لم يدونوا خصلة تعاب على اهل بيت العصمة والطهارة وهذا التاريخ امامنا ولم نشاهد ذلك، وليس ذلك الا لكمال اخلاقهم العالية والرفيعة التي تعكس اخلاق جدهم النبي صلى الله عليه وآله والذي خاطبه الله عز وجل بالقرآن وانك لعلى خلق عظيم، فهذا الامر بلا شك شهد به المخالف والمؤالف يعني كانوا يشهدون بسمو اخلاقهم بالتعليم الرفيع بل كان البعض منهم مع ما فعل مع الامام المعصوم مثلاً كهشام بن اسماعيل الذي كان يؤذي الامام زين العابدين عليه السلام عندما كان والياً على المدينة فلما تعرض الى عقوبة من قبل النظام الحاكم واخفي عن مقامه وعن منزلته فلما مر به الامام سلام الله عليه ورآه في تلك الحالة همس في اذنه بعدما هو اطرق برأسه الى الارض قال: يا هذا ان كنت محتاجاً قضينا حاجتك ان كنت عارياً كسوناك ان كنت جائعاً اشبعناك هذا ما صار الا ان يرفع رأسه في وجه الامام واعترف وقال اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، فاذن هذا كان في الحقيقة مبغض للامام ويؤذي الامام اعترف بهذه الحقيقة، هكذا بالنسبة الى التاريخ دون هذه الامور وكتبوا عن اهل البيت عليهم السلام بانهم كانوا سادة في الاخلاق سادة في السلوك بل حتى الاعداء كانوا يشهدون بفضلهم، وهذا مما يميز اهل البيت عليهم السلام عن غيرهم من هذه الناحية لذلك تجسد ويجسد هذا السلوك الاصطفاء الرباني والخلافة الربانية التي اعطاها الله عز وجل لهم بعد ان طهرهم واجتباهم وعصمهم من الزلل وآمنهم من الفتن وطهرهم من الدنس واذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
المحاور: صلوات الله عليهم اجمعين، شكراً جزيلاً سماحة الشيخ باقر الصادقي، وشكراً لمستمعينا الافاضل وهم يتابعون مشكورين ما تبقى من فقرات هذه الحلقة وما تبقى من شرح الزيارة الجامعة.
*******
الفقرة او العبارة الاولى تقرر هذه الملاحظة (طأطأ كل شريف لشرفكم)... هذه الفقره خاصة بالشخوص الايجابيين المتسمين بسمة (الشرف)، قبالة ما طوائف اجتماعية متسمة بالسلوك السلبي....
والمهم هو: تسليم الطوائف او الطبقات جميعاً بالحقيقة او الفضيلة التي تنفرد بها الائمة عليهم السلام... وقد انتخب النص من الطبقات الايجابيية: طبقة (الشرفاء) دون سواهم يشير الى نكتة هي: ان (الشرف) يتميز عن باقي السمات الايجابية بكونه يعني: الحَسَب والمجد كليهما، اي: علو المنزلة الفردية والأسرية، لذلك قال النص بان الاشراف من الناس طأ طأوا رؤوسهم امام الائمة عليهم السلام،... وقد انتخب النص: رمزاً او استعارة لعلو الائمة على الآخرين، او لدنوُ الاخرين الاشراف قبالتهم عليهم السلام، وهذه الاستعارة تختلف عما سنلاحظه من الظواهر التي رسمها النص للشخوص السلبيين حيث نفهم بالخضوع والذل ونحوها، بينما وسم الشرفاء بالطأطأة للرأس، فما هي الاسرار وراء ذلك؟
من البيًن، ان طأطأة الرأس هي رمز لتبعية الشخص لسواه، كالتلميذ لاستاذه او المرؤو س لرئيسه، وتتميز الطأطأة عن سواها بان الرأس اساسا هو العضو الجسدي الاعلى للشخصية، فاذا طأطأت الشخصية المعنية راسها لشخصية اخرى، فهذا يعني: التسليم الكامل بمرؤسية وتبعية الممارس لطأطأة رأسه وهذا كاف ٍ لتحسيس قارىء الزيارة باشرفية الائمة عليهم السلام قبالة الاشراف الاخرين.
بعد ذلك، نجد ان الزيارة تتجه الى نمطين من الشخصيات المقابلة، ونعني بها: الشخصيات السلبية، متمثلة في نمطين هما: الشخصية المتكبرة والشخصية المتجبرة، فما هي سماتهما المحددة لكل منهما؟
المتكبر، هو: الشخصية التي تتصور بانها (فوق) الآخر، اي: تتخيل بكونها (اعلى) منزلة من سواها واما المتجبرة فهي الشخصية المتسلطة على الآخر، ويلاحظ بان النص ربط بين الشخصية المتكبرة وبين كونها (باخعة)، وبين الشخصية المتجبرة ويبين كونها (ذليلة)، فما هو سبب ذلك؟
وبتعبير آخر: لعلك تتسائل عن السبب الذي يجعل المتكبر (ينجح) ان يقر ويسَلم بمنزلة الائمة عليهم السلام، ويجعل المتجبر (يذل) للائمة عليهم السلام؟
والجواب هو: ان المتكبر الذي يخيل اليه بانه (ارفع) من الآخر، سوف يقر بان الائمة عليهم السلام هم (الارفع) وليس هو وكذلك المتجبر وهو الذي يتحسس بانه صاحب (السلطة) سوف يجد نفسه (تابعاً ذليلاً) للائمة عليهم السلام.
اخيراً تقول الفقرة من الزيارة (وذل كل شيء لكم) و(الذل) كما هو واضح: التحسس بالدنوئية، ولذلك فان النص قد استهدف الاشارة الى ان كل شيء هو (دون) الائمة عليهم السلام: بغض النضر عن هوية هذا (الشيء) سواء أكان مخلوقا بشريا اوغيره.
اذا امكننا ان نتبين جانبا من النكات البلاغية الكامنة وراء العبارت المتقدمة، والمهم هو: ان نخلص من ذلك الا معرفة منزلة الائمة عليهم السلام، والتوسل بالله تعالى بان يجعلنا من الموالين لهم والمتمسكين بمحمد(ص) وآله انه ولي التوفيق.
*******