نواصل حديثنا عن الزيارة الجامعة أي الجامعة الكبيرة الخاصة بزيارة الائمة عليهم السلام، حيث انشأها الامام الهادي(ع) استجابة لطلب احد الاصحاب بان يعلمه كلاماً بليغاً لزيارة الائمة عليهم، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع طويل، ورد فيه على الستنا نحن الزوار للائمة عليهم السلام ما يلي: (اني مؤمن بكم) الى ان يقول (سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، محقق لما حققتم، مبطل لما ابطلتم)، نلفت نظرك الى هذا التقابل بين السلم والحرب ثم بين الحق والباطل، مضافاً الى كلام بلاغي آخر لا نغفل ان صاحب الامام(ع) طلب منه كلاماً بليغاً نقول لا نغفل بان فقرة الزيارة المتقدمة تضمنت من الزاوية الثالثة تقابلاً آخر مزدوجاً هو التقابل بين موقف الزائر وموقف الآخر أي المسالم او المحارب والمحق والمبطل، هذه التقابلات لها جماليتها ونكاتها وبلاغتها كما سنوضح الآن ...
يقول النص (سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم)، هنا يتساءل قارئ الزيارة هل ثمة ضرورة بان يكون السلم لمن سالم الائمة(ع)مقترناً ان تكون الحرب لمن حاربهم ايضاً؟ وبكلمة بديلة الا يمكن ان تكون المسالمة وحدها هي التعبير عن الولاء للائمة عليهم السلام؟
الجواب هو: ان المسالمة لا تنفصل عن المحاربة، أي عندما تسالم احداً لابد وان لا تفصل هذه المسالمة عن المحاربة لمن حارب من اظهرت له الولاء كيف ذلك؟ لنتصور جيداً انك توالي احداً لسمة ايجابية لديه، ولكنك لا تحارب من يحاربه هنا هل يكون ولاؤك تاماً؟ طبيعياً لا والسبب هو ان من يحارب من تواليه يعني انه عدو لتلك السمة الايجابية التي احببت الشخص من اجلها ولذلك يتعين عليك محاربة من يحارب تلكم السمة الايجابية، والا كنت ازدواجياً في سلوكك تحب الباطل والحق كليهما، وهذا ما لا يصح بان يصدر من الشخصية السوية او العاقلة.
*******
المزيد من التوضيح للحقيقة المتقدمة نستمع اليه معاً في الحوار التالي مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي الذي اجراه زميلنا عبر الهاتف ...
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام من الله عليكم احباءنا نتابع تقديم برنامج "امناء الرحمان" من خلال استضافة خبير البرنامج سماحة الشيخ الصادقي، سماحة الشيخ من التكاليف الاساسية للمؤمنين مسالمة من سالم محمد وآل محمد ومحاربة من حاربهم كيف يمكن للمؤمن ان يقوم بهذا الواجب في الاوضاع العادية يعني ليست الاوضاع التي فيها حرب؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، بلا شك ان هناك تعليمات في موالاة اولياء الله وكأنما هو هذا عمل من الاعمال المهمة ومن جملة هذه المولاة طبعاً ان يكون سلم لهم وحرب لمن حاربهم.
المحاور: سلم لهم ولمن سالمهم؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم، يعني المظهر الخارجي الذي يعكسه الانسان في الخارج انه كيف انا اعرف نفسي ولي من اولياء الله وانه بلا شك ينبغي ان احب اولياء الله لانهم في الحقيقة بمظهر يرتبط بالرسول صلى الله عليه وآله وارتباط الرسول بالله، وذلك ورد في النصوص احبوا الله لما يغدقكم به من نعمه واحبوني لحب الله، واحبوا اهل بيتي لحبي، فالمحور هم في ابراز ان الانسان يكون مؤمن ينبغي ان يكون سلم لمن سالمهم لمن سالم محمد وآل محمد وكذلك ان يكون حرباً لمن حاربهم، هذا في الواقع الخارجي.
المحاور: هل يقتصر الامر على الحرب العسكرية المألوفة ان لهم مصاديق متعددة؟
الشيخ باقر الصادقي: هذا من ناحية الحرب المألوفة هذه واضحة وبارزة لكن بنفس الوقت يعني الامور الاخرى حتى في الحالات الاعتيادية يعني الالتفاف حول لواء آل البيت عليهم السلام والأخذ عنهم والتسليم لهم ومسالمتهم هذه كلها في الحقيقة تصب في هذا، ولكن بالجانب الحربي بالشكل الواضح الذي يعلن العداء هذا واضح ما في شيء ينبغي ان احارب من حاربهم واسالم من سالمهم يعني اقف الى جنب من يحاربهم واقف الى جنب اهل البيت في محاربة من يحارب اهل البيت، كما وقف مجموعة من حواري امير المؤمنين في قتال اعداءه وهكذا في قضية كربلاء في يوم عاشوراء.
المحاور: يعني وان تكون نيته ايضاً على ذلك كما ورد في حديث جابر الانصاري عندما زار سيد الشهداء؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم النية هي مصداق واضح وجلي حينما اقبل لزيارة الحسين قال اشهد انا لقد شاركناكم على ما انتم عليه من الاجر والثواب فقال له غلام: كيف شاركناهم ولم نعلو جبلاً ولم نهبط وادياً والقوم قد قطعت رؤوسهم يقول: من احب قوم حشر معهم ومن احب عمل قوم اشرك في عملهم ثم قال: اشهد ان نيتي ونية اصحابي على ما كان عليه الحسين بن علي ابي طالب، هناك حديث قدسي في اشارة اوحى الله الى بعض اولياءه اما زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة واما انقطاعك الي يعززك بي ولكن هل واليتَ فيَّ ولياً وهل عاديت فيَّ عدواً، فكأنما الموالاة لاولياء الله ومعادات اعداء الله هذه من جملة الاعمال التي يسئل عنها العبد وكأنما الله عز وجل يريد من الانسان ان يحدد هويته هو الى أي جنب الى جنب الحق ام الى جنب الباطل.
المحاور: جعلنا الله واياكم من المحبين لاهل الحق ولاعمالهم شكراً جزيلاً سماحة الشيخ، وتفضلوا احباءنا بمتابعة ما تبقى من برنامج امناء الرحمان.
*******
نتابع اعزاءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج "امناء الرحمان" فنقول اننا نستخلص مما تقدم بان قارئ الزيارة عندما يقول بانه سلم لمن سالم الائمة وحرب لمن حاربهم، يكون قد صدر عن موقف صائب لا محيد عنه.
يبقى ان نتساءل عن السر الكامن وراء العبارة الثانية وهي القائلة (محقق لما حققتم ومبطل لما ابطلتم)، هذه الفقرة من الزاوية البلاغية لها اهميتها الكبيرة دون ادنى شك، كيف ذلك؟ الحق ان هذه الفقرة هي تعليل او توضيح للعبارة التي سبقتها أي من الممكن ان يسأل سائل فيقول لماذا نسالم من يسالم الائمة عليهم السلام ونحارب من يحاربهم؟ الجواب هو: انهم مع الحق ولانهم مع الحق فانّا نسالم من يسالمهم ونحارب من يحاربهم والسؤال هو كيف استخلصنا هذه الظاهرة؟
الجواب هو: عبارة (محقق لما حققتم مبطل لما ابطلتم)، هذا يعني ان الحق هو السمة لشخصيات الائمة عليهم السلام، والباطل هو السمة لاعدائهم، وبكلمة اشد وضوحاً ان الحق هو السمة او الطابع الذي يحملنا على موالاتهم وهذا سيلي بالضرورة ان نبطل بدورنا ما يطلبون تماماً مقابل ما نحققه من الحق الذي يصدرون عنه، بعد ذلك نواجه عبارات اخرى تتساوق وتتناغم مع السابقة عليها، وهي العبارات القائلة (مطيع لكم، عارف بحقكم، مقر بفضلكم، محتمل لعلمكم، محتجب بذمتكم، معترف بكم، مؤمن بايابكم، مصدق برجعكم)، هنا لوتابعنا هذه الفقرات وما بعدها لوجدنا سلسلة طويلة من الصياغة البلاغية الفائقة من حيث التتابع الدلالي لهذه السلسلة من التواصل مع الائمة عليهم السلام في مختلف السمات التي تسردها العبارات المتقدمة بالنسبة الى الائمة عليهم السلام، ونحاول ان شاء الله تعالى في لقاءات لاحقة ان نلقي اضاءات ولو عابرة على هذه السلسلة من العبارات التي تتحدث عن الاطاعة والمعرفة والاقرار والاعتراف والايمان والتصديق، حيث تتضمن النكات المتنوعة في الدلالات المتقدمة.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى معرف منزلة الائمة عليهم السلام وان يوفقنا لممارسة الطاعة انه ولي التوفيق.
*******