نحن الان مع الزيارة الجامعة أي ما يطلق عليها اسم الجامعة الكبيرة الخاصة بزيارة الائمة عليهم السلام وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها وانتهينا من ذلك الى مقطع يتحدث عن منزلة الائمة عليهم السلام وتعريفهم من قبل الله جلت حكمته لمختلف الاجناس من البشر وسواهم ثم تتجه الزيارة الى تعريف منزلتهم عند الله تعالى حيث تتحدث عن ذلك، بعد ان تنتهي من مخاطبتهم بعبارات لخصناها في لقاء سابق مثل (فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين)، ثم يقول: (وصدق مقاعدكم، وثبات مقامكم، وشرف محلكم، ومنزلتكم عنده، وكرامتكم عليه، وخاصتكم لديه، وقرب منزلتكم منه).
ان هذا المقطع من الزيارة يتألف من فقرات متنوعة، ولكنها تصب جميعاً في تعريف منزلة الائمة عليهم السلام عند الله تعالى ولسوف نكتفي بالاشارة الى بعضها فحسب لان التفصيل في ذلك لا يسمح به هذا اللقاء.
اذن لنقف عند العبارة الاولى وهي قول الامام الهادي(ع): (وهو منشيء الزيارة) ونعني بها صدق مقاعدكم فماذا تعني؟
لكي نتبين دلالة هذه العبارة نحيلك الى سورة القمر في الآية الاخيرة «فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ»، ولعلك تتساءل عن المقصود من عبارة «في مقعد صدق»؟ هنا يتفاوت المفسرون في تحديدها بين قائل بان المقصود من ذلك مجلس حق ليس فيه تأثيم او لغو، وهذا الوصف الاخير ورد في سورة الواقعة التي تتحدث عن الطبقة الاولى في الجنة وهي طبقة السابقين حيث تقول: «لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا»، وهناك من يقول بان المقصود من مقعد صدق انه مكان مرضي ورفيع كما ان من يقول بان المقصود هو انه مكان او مجلس يتسم بخلود نعيمه فضلاً عن استخلاص يقول بأن المقصود من ذلك هو ان الله تعالى صدق وعد اوليائه «فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ»، تشير الى موقع المتقين من الجنة، وهنا أي الزيارة الجامعة تقتبس هذا المعنى ويصوغه الامام الهادي(ع) تضميناً بلاغياً رائعاً عندما يختصر هذا الموضوع ليقرر بان المكان او المجلس الذي يحتله الائمة عليهم السلام هو مجلس صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ هو الله تعالى أي يجاورون الله تعالى، فما معنى جوارهم له تبارك وتعالى، هذا السؤال يجيب عنه ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي في الحوار التالي الذي اجراه معه زميلنا عبر الهاتف نستمع معاً ...
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام من الله عليكم احباءنا اهلاً بكم في هذه الفقرة من برنامج امناء الرحمان مع ضيفنا الكريم على الهاتف سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ تأتي في النصوص الشريفة ومنها الزيارة الجامعة تعبيرات تشير الى مجاورة محمد وآل محمد لله عز وجل صدق مقاعدكم فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ، ما المقصود من هذه المجاورة والله تبارك وتعالى لا يحده مكان؟
الشيخ باقر الصادقي: يمكن ان نتصور هذه المجاورة من خلال مقدمة رواية نذكرها عن الامام الصادق ما المراد من القرب، سئل الامام الصادق عليه السلام سيدي من اقرب الناس الى الله عز وجل فقال: اذا كنت تقصد بالشبر والذراع فالكل عند الله سواء باعتبار هو معكم اينما كنتم وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، واذا كان المقصود بالقرب المعنوي فاقرب الخلق الى الله اعمله بطاعته وبلا شك ولا ريب ان اعمل الخلق بطاعة الله هم محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم، فهم اخلصوا العبودية لله ومن هنا نعرف قربهم من الله عز وجل نتيجة اخلاصهم في الطاعة والعبودية لله عز وجل، من هنا نفهم من هذا القرب هو القرب المعنوي، والقرآن اشار الى هذا المقام للنبي صلى الله عليه وآله ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى وفي دعاء الندبة تضمين لهذا المعنى دنواً واقتراباً من العلي الاعلى كما ورد في دعاء الندبة هذا جانب، الجانب الآخر الذي يمكن ان يساعد على هذا المعنى الحديث القدسي الذي ورد في حديث كتب العامة وفي كتب الخاصة ومن هذا الحديث هذا مقطع منه ما زال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته صرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، فاذن المراد من هذا القرب هو القرب المعنوي.
المحاور: يتقرب اليَّ بالنوافل يعني نهاية التقرب هو ان يكون الله تبارك وتعالى يد العبد ولسانه، هل يفهم مما تفضلتم به انهم سلام الله عليهم محمد وآل محمد اكمل تعبير عن الارادة والمشيئة الالهية؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم بلا شك هذا شيء واضح وبشكل لا يمكن ان نتصور غير هذا المعنى نحن مشيئة الله في بعض النصوص هم اهل البيت عبروا عن هذا المعنى.
المحاور: المقصود من المشيئة هنا ماذا سماحة الشيخ؟
الشيخ باقر الصادقي: ان ارادتهم ارادة الله لا يريدون شيئاً الا ما اراد الله ان شئنا شاء الله وبالعكس نفس الشيء.
المحاور: يعني الله تبارك وتعالى ان شاء شيئاً شاؤوه كانوا مجاري لتنفيذه؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم احسنتم، ولذلك هذه المرأة الصالحة التي ذكرها القرآن الكريم زوجة فرعون آسيا بنت مزاحم هذه واقعاًَ من حبها لله اختارت جوار الله قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ فاول اختارت الجوار "عندك".
المحاور: سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، رزقنا الله واياكم وسماحة الشيخ مستمعينا الافاضل صدق المودة والمحبة لمحمد وآل محمد وامرهم ونواهيهم تفضلوا مشكورين لمتابعة ما تبقى من برنامج امناء الرحمان في حلقته هذه.
*******
نتابع اعزاءنا ونتجه الى سائر العبارات المشيرة الى منزلة الائمة عليهم السلام في المقطع المتقدم من الزيارة نجدها تحوم على تفصيلات هذه المنزلة مثل قوله(ع) (وثبات مقامكم) حيث ان الثبات في المقام او المجلس يعني الخلود ومثل (وقرب منزلتكم منه)، وهي العبارة الاخيرة من المقطع حيث تشير بوضوح الى قرب مجاورة الله تعالى، أي اقرب المجالس الى الله تعالى، ومن الطبيعي ان القرب هنا ليس مادياً لان الله تعالى منزه عن الحدوث ولكن المقصود هو القرب المعنوي.
واذا غادرنا المقطع المذكور الى مقطع جديد من الزيارة، نواجه عبارات تقول: (بابي انتم وامي واهلي ومالي واسرتي، اشهد الله واشهدكم أني مؤمن بكم).
هنا يحسن بنا ان نقف ـ ولو سريعاً ـ عند هذه الفقرات اولاً: نلاحظ بان الزيارة قد استخدمت الفداء المتمثل بالاب والام والاهل والمال والاسرة بعامة، حيث ان هذه المفردات عدا المال ـ تتصل باقرب الناس بدءاً من الاب وانتهاءاً الى الاسرة بعامة، حيث ان ما يطلق عليه في مصطلح علم الاجتماع (الجماعة الاولية)، قد ذكرتها الزيارة بصفتها (الاقرب) من سواها من الجماعات المحلية الاخرى القريبة بدورها من الشخص كل ذلك تعبيراً عن صلات الفداء للائمة عليهم السلام ماداموا يحتلون المنزلة المذكورة.
ومن الواضح ان هذا الفداء تمثل في اشهاد الذات واشهادهم عليهم السلام بان الزائر للائمة (مؤمن بهم) ايماناً يتكفل المقطع الجديد من الزيارة بتوضيحه وهو ما نحدثك عنه في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يضاعف ايماننا به تعالى وبالنبي(ص) وبالمعصومين جميعاً وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة بعامة انه ولي التوفيق.
*******