نتابع حديثنا عن الزيارة الجامعة حيث يطلق عليها الجامعة الكبيرة وهي زيارة خاصة بالائمة عليهم السلام وقد تحدثنا عن مقاطع متسلسلة منها وانتهينا من ذلك الى مقطع يقرر بان الله تعالى طهر الائمة عليهم السلام تطهيراً واذهب عنهم عليهم السلام الرجس والدنس واما من حيث علاقتهم بالله تعالى فقال النص (فعظمتم جلاله، واكبرتم شأنه، ومجدتم كرمه وادمتم ذكره، ووكدتم ميثاقه) هذا المقطع من الزيارة حدثناك عنه ما عدا الفقرة الاخيرة وهي ووكدتم ميثاقه، نعرض اولاً على ضيف البرنامج سماحة الشيخ حسان سويدان هذا السؤال طالبين بيان ما ذكره القرآن الكريم من أخذ الميثاق من بني آدم..
المحاور: سماحة الشيخ حسان سويدان السلام عليكم؟
الشيخ حسان سويدان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ هذه الحلقة خصصناها لنظرة اجمالية لعبادة الائمة سلام الله عليهم وعبوديتهم لله تبارك وتعالى وطبيعة علاقتهم به عز وجل؟
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد الخلق اجمعين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، العبادة في لبّها وحقيقتها العبودية التي اشرتم اليها فمقدار ما يعيش الانسان العبودية في نفسه وذل العبودية امام عز الربوبية على مستوى المعرفة وعلى مستوى الاستشعار العملي وعلى مستوى الممارسة العملية بقدر ما تكون عبوديته مصقولة اكثر ان صح التعبير وبقدر ما يعيش ذلك بقدر ما تكون عبادته انصع واصفى وانقى مهما كان كم هذه العبادة.
المحاور: اذاً الكيفية مهمة وفي الدرجة الاولى؟
الشيخ حسان سويدان: واذا جئنا الى ائمتنا عليهم السلام فمن نافلة القول وقد شهد الكل على انهم عليهم السلام كانوا اكثر الناس معرفة بانفسهم وبعظمة ربهم وانهم كانوا اكثر الناس استشعاراً لهذه الحقيقة لحياتهم العملية فلم ينقل احد من المؤالف او المخالف انهم عليهم السلام قصروا في جانب وحشاهم انهم قصروا في جانب يرتبط بالعلم والمعرفة او في جانب يرتبط بالعمل وعلى هذا الاساس فنقول اذا كانوا هم الاكمل علماً والاكمل وعاءاً وصفاءاً فمن الطبيعي ان يكونوا هم الاكمل عبودية لله سبحانه وتعالى وهم الاكمل عبادة على مستوى الممارسة العملية وعلى هذا وفي ظل هذا السياق نجد مشاهد رائعة ورائعة جداً من عبوديتهم عليهم السلام وعبادتهم لله سبحانه وتعالى في ساحة الواقع فتجد ان الامام زين العابدين عليه السلام عندما يكثر من العبادة فيأخذ البعض عليه ذلك فيقول اين عبادتي من عبادة جدي امير المؤمنين عليه السلام للاسف اكثر الناس ينظرون الى علي عليه السلام على انه بالاضافة الى القائد الناجح وفارس الحروب بينما سطر لنا التأريخ وسطرت لنا الروايات ان الامام علي عليه السلام كان هو الذي يقف الساعات الطوال بين يدي الله سبحانه وتعالى وانه كانت له نخلات كثيرة فكان يصلي عند كل نخلة كما ورد في بعض المنقولات ركعتين اذاً اذا نظرنا الى بقية ائمتنا فهم نور واحد وخط واحد على سبيل المثال تجد الامام زين العابدين عليه السلام تنقل لنا الروايات انه كان يتغير لونه وترتعد فرائصه اذا ما وقف ليتوضأ فضلاً عما لو وقف بين يدي الله ليكبر تكبيرة الاحرام تجد هذه العبودية تتجلى وبشكل واضح في ادعيته صلوات الله وسلامه عليه ولو لم يكن من بينها الا الدعاء المعروف الاسحار بدعاء ابي حمزة الثمالي المليء بالمعارف والقيم العبودية لكفى لب المسالة واعود الى لبها انه عليهم السلام اكثر الناس معرفة بالله سبحانه وتعالى واكمل الناس وعاءاً على مستوى تقبل هذه المعرفة فهي معرفة لدنية وليست مجرد معرفة يمكن ان تنفك عقلية نظرية يمكن ان تنفك عن ساحة العمل ماذا اقول في هذا المجال وقد اتفق الكل على ان هذه الثلة الطاهرة هي التي كانت ملح الارض بل وتدها الذي به تحفظ هذه الارض وهم المعنيون بقوله(ص) (لو لا الحجة لساخت الارض باهلها).
المحاور: سماحة الشيخ شكراً جزيلاً على ما تفضلتم به هنالك سؤال فيما يرتبط بما يميز ادعيتهم عن باقي الادعية المروية عن غيرهم سلام الله عليهم نوكله للحلقة المقبلة ان شاء الله. احباءنا الاعزاء والان مع ما تبقى من برنامج امناء الرحمان.
*******
نتابع احباءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان وشرح الزيارة الجامعة وعبارة (ووكدتم ميثاقه) وهنا لا نريد الدخول في تفصيلات تتصل بالنبي(ص) وآله الاطهار حيث تشير النصوص الى ان الله تعالى بما انه علم سلفاً بما سيسلكونه من الطاعة لذلك منحهم درجات عليا قد انفردوا بها وانهم عليهم السلام يجسدون الانوارالطاهرة منذ البدء اقول اذا تجاوزنا هذه الحقائق واتجهنا الى ما يقرره القرآن بنحو عام من ان الله تعالى اخذ الميثاق على الآدميين في عالم الذر من حيث توحيده وطاعته تعالى حينئذ فان الائمة عليهم السلام يجسدون الدرجة العليا من الالتزام بالميثاق هذا في عالم الذر، وفي عالم التجربة الدنيوية فانهم عليهم السلام مما رسمه المؤرخون من سيرتهم الطاهرة اكدوا الميثاق المذكور وهو ما عبرت فقرة الزيارة عنه حيناً ثالث (ووكدتم ميثاقه)والسؤال الاخر هو ما معنى الاشارة الى انهم عليهم السلام اكدوا ميثاقه؟ الم يأخذ الله تعالى على الآدميين الميثاق المذكور؟ وللاجابة عن السؤال المتقدم نقول: ان المنحرفين من البشر نقضوا الميثاق بصريح ما ورد في النصوص الشرعية بذلك فضلاً عما نجده من السلوك الانحرافي يتنافى مع الميثاق طوال التأريخ البشري الذي يحفل بفساد هؤلاء المنحرفين، ونتجه الى الفقرة التالية لسابقتها وهي واحكمتم عقد طاعته هذه العبارة تجسد في مصطلح علم البلاغة استعارة حيث خلعت الزيارة طابع العقد على مفهوم الطاعة ويعنينا من ذلك ما تدل عليه الاستعارة المذكورة. فماذا تعني؟
بالطبع هذه العبارة ذات صلة بسابقتها "ووكدتم ميثاقه" حيث ان الالتزام بالميثاق يعني ممارسة الطاعة والسؤال هو اذا كانت الطاعة تجسيداً لتوكيد الميثاق فماذا نستخلص من العبارة الثانية وهي (واحكمتم عقد طاعته)؟ وللاجابة عن السؤال المتقدم نقول: ان الطاعة درجات كما هو واضح والائمة عليهم السلام يجسدون الطاعة في اعلى درجاتها ـ كما اشرنا ـ صحيح ان الالتزام بالميثاق وهو ممارسة الطاعة يجسد تعبيراً عن توكيدهم عليهم السلام للالتزام بالطاعة الا ان الطاعة بما انها درجات حينئذ فان الاستعارة التي تقول "واحكمتم عقد طاعته" فهذا يعني انهم عليهم السلام مارسوا الطاعة في اعلى درجاتها بحيث لم يتركوا اية ثغرة ولو بسيطة غير طائعة وهذا ما عبرت الاستعارة عنه حينما قالت بان الطاعة لدى الائمة عليهم السلام قد احكم عقدها بحيث لا توجد اية ثغرة من الممكن ان تنفذ منها ممارسة غير طائعة وهذا هو منتهى التعبير البلاغي عن مفهوم الطاعة لدى الائمة عليهم السلام.
اذن امكننا ان نتبين بجلاء صلة هذه العبارة الاستعارية (واحكمتم عقد طاعته) لسابقتها وهي (ووكدتم ميثاقه) ثم ما تنطوي عليه الاستعارة المذكورة من نكات دلالية مشيرة الى ان الائمة عليهم السلام معصومون بكل ما تعنيه العصمة من دلالة، لان احكام العقد بالنسبة الى الطاعة يعد تعبيراً واضحاً عن ان الطاعة التي مارسها الائمة عليهم السلام هي اعلى ممارسة غير طائعة وهذا هو العصمة باوضح دلالاتها.
اخيرا نسأله تعالى ان يوفقنا الى زيارتهم عليهم السلام وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه ولي التوفيق.
*******