لا نزال نحدثك عن زيارة الجامعة للأئمة عليهم السلام وهي الزيارة التي يطلق عليها (الجامعة الكبيرة) تمييزاً لها عن الزيارات الجامعة الاخرى.
لقد حدثناك عن هذه الزيارة التي حظيت باهتمام المعنيين بهذا الشأن، وقدموا شروحاً متنوعة ومنها ما نقدمه من دراسة تأخذ البعد النفسي للزيارة بنظر الاعتبار، كما تلقي الاضاءة على بعض النكات الدلالية والبلاغية وسواهما.
ولو قدر لك ان تكون متابعاً لاحاديثنا عن هذه الزيارة لامكنك ان تتذكر باننا انتهينا من ذلك الى مقطع استهل بقول الامام الهادي(ع) (وهو منشئ الزيارة) بفقرة (اشهد انكم الأئمة الراشدون المهديون) الى ان يقول: (اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لغيبه، واختاركم لسره، واجتباكم بقدرته ...).
هذه الفقرات وما بعدها تمثل عبارات نعتزم ان نحدثك عنها حيث نبدأ ذلك بعبارة (اصطفاكم بعلمه) ...
ان عبارة "اصطفاكم بعلمه" تحتمل قراءتين احداهما هي العبارة المتقدمة، والاخرى اصطفاكم لعلمه، الا ان العبارة الاولى اقرب الى سياق النص، والمهم الان هو ان نلقي الانارة على هذه العبارة الواضحة...
ان الاصطفاء هو الانتخاب المتسم بالنقاء التام أي الانتقاء الملحوظ بحيث لا يفضل عليه مصداق آخر ... وعندما يقول النص ان الله تعالى اصطفى الائمة عليهم السلام بعلمه، فهذا يعني "على وضوحه الكامل" ان علم الله تعالى وهو المطلق بلا حدود هو امر لا يتنازع اثنان في حقيقته .. لذلك، فان الغريب هو ان ينحرف بعض عن الائمة عليهم ويتجه الى مصدر آخر في سلوكه العبادي سواء كان ذلك متصلاً بظاهرة "المعرفة العقائدية" او متصلاً بالولاء الذي فرضه الله تعالى ونبيه(ص) علينا ... واياً كان الامر، فان عبارة "بعلمه" تعني ان الله تعالى المطلع على الغيوب، ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا هو يعلمها، عندما يصطفي الائمة عليهم السلام دون سواهم بعلمه، فهذا يعني الحجة التامة على العباد بحيث لا يمكن البتة ان ينصرف مسلم عن الايمان بهذه الحقيقة.
ولكن الشيطان ووسوسته يحرف البشر كما هو واضح مع الاسف الشديد.
بعد ذلك نتجه الى عبارة "وارتضاكم لغيبه" هذه العبارة قد تكون عكس سابقتها متسمة بشيء من الغموض الشفاف، ولكن مع تأمل خاص تتضح دلالتها ... فماذا نستخلص منها؟
نتساءل اولاً: ما المقصود من الغيب؟ ... ان الغيب هو ما اسدل عليه الله تعالى ستاراً مقابل ما يسمى بالشهادة أي المشاهدة الحسية او المعنوية ايضاً مقابل ما لا يمكن مشاهدته الا لنفر خاص، قد ارتفعت الحجب عنهم، وشاهدوا ما وراء الحجب ... وقد قال الله تعالى: «عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه احداً / الا من ارتضى ...». وهذا يعني بوضوح ان الله تعالى قد ارتضى النبي(ص)واهل بيته على الغيب، ولذلك قال النص (وارتضاكم لغيبه)، حيث تلاحظ بوضوح ان الامام الهادي(ع) قد اقتبس من كلام الله تعالى هذه العبارة أي اقتبس عبارة "الا من ارتضى" فسحبها على هذا الموقع من الزيارة، ليشير الينا بوضوح ان الله تعالى قد ارتضى النبي(ص) والائمة لغيبه" حيث يطلعهم على ما يشاء من عالم الغيب بحسب ما يراه تعالى.
*******
اما الآن احباءنا فنتابع مع سماحة الشيخ حسان سويدان عبر الهاتف حديثه عن كونهم (عليهم السلام) اولي الامر الذين قرن الله طاعتهم بطاعته:
المحاور: سماحة الشيخ في الحلقة السابقة بينتم ان قضية اولى الامر وطاعتهم هي من سنخ طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله او في مرتبتها.
الشيخ حسان سويدان: نعم في عجالة والوقت كان قد ادركنا.
المحاور: طيب في هذه الحلقة لو سمحتم تكملون البحث وسؤالنا المحوري نذكر به الاخوة والاخوات وهو ان الادلة على ان كون اولى الامر المذكورين في هذه الآية الكريمة التاسعة والخمسين من سورة النساء هم ائمة اهل البيت صلوات الله عليهم تفضلوا.
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين، طبعاً كنا نتحدث في الحلقة السابقة وقبل الدخول في المصاديق، في الحديث عن المعالم والسمات العامة التي يمكن ان تستفاد من الآية الكريمة لهؤلاء المعبر عنهم في الآية الكريمة بأولي الامر وحدود طاعة هؤلاء، تحدثنا بما تسنى لنا من التدقيق بما يسعه وقت البرنامج عن معنى او بعض معاني طاعة الله ومعنى تكرار اطيعوا الله ومعنى اطيعوا الرسول وعمدة المطلب بحسب الظاهر هو ان كلمة اطيعوا اشارة الى ان سنخ الطاعة في الرسول غيره في الباري عز وجل لان الباري يطاع لذاته والرسول يطاع لانه الرسول، اطاعة واجبة بالعرض، تعرض عند العلماء عندما يقول واجبة بالعرض يعني تنتهي الى طاعة هي واجبة الاساسي، هذا ليس تنقيصاً بقدر ما هو تشريف واشارة الى ان كل اوامر ونواهي الرسول هي اوامر ونواهي الله سبحانه وتعالى وكل طاعة للرسول هي طاعة لله عزوجل وهذا معنى ان كل حركات وسكنات الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله التي تكتسب جانب الارشاد والتعليم فضلاً عن الامر الصريح والنهي الصريح هي طاعة وارشاد من الله سبحانه وتعالى وتعبير اخر هو معنى العصمة التي نعتقدها في الرسول الاعظم صلى الله علية واله في كل حركاته وسكناته اقول هذا وادقق مع ان الحديث عن اولى الامر لان الله سبحانه وتعالى قال اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم، عطفت طاعة اولي الامر على طاعة الرسول وهذه فيها نكتة جيدة ولن تكرر هذه المرة كلمة اطيعوا، ما قال عز من قائل اطيعوا اولي الامر بل قال اطيعوا الرسول واولي الامر في اشارة ان سنخ الطاعة الثابت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بمقتضى العطف بالواو وكل اهل العربية متفقون على انه يفيد التشريك في الحكم، التشريك في الحكم، لا الترتيب على هذا اطيعوا الرسول واولي الامر منكم يعني نفس الطاعة المأمورين ان تطيعوها لرسول الله انتم مأمورون ان تطيعوها لاولي الامر، هنا تبرز بشكل واضح تساؤلات عديدة اهمها انه من هم هؤلاء اولي الامر، الذين لابد وان نطيعهم بنفس المستوى من الطاعة لرسول الله، في هذه الحلقة احب ان اشير الى السنة العامة اقول لابد وان يكون هؤلاء شخصيتهم المعنوية على مستوى ان اوامرهم ونواهيهم لاتنفك عن الاوامر والنواهي الالهية، نفس شخصية الرسول من هذه الجهة لا اقول انهم انبياء ونحن نجمع مع كافة المسلمين ان النبوة ختمت بالنبي الاعظم، بل نقول ان اوامرهم ونواهيهم لا تخرج عن دائرة اوامر ونواهي الرسول الاكرم ولا تخرج عن دائره اوامر الله سبحانه وتعالى وترون ان الامر بالطاعة مطلق، ليس فقط في تبليغ الاحكام الشرعية بل في مطلق ما يأمر، تعلم ان ولي الامر يأمر بتبليغ الحكم الشرعي ويأمر ايضاً في الجوانب الادارية، يأمر بالتبعية للوالي الفلاني الذي ينصبه والياً على بلد من البلدان في ناحية من النواحي، اصلاً التعبير باولي الامر يعني يتولىالامر ولا ينفك عن هذا، اقول وبكلمة مختصرة ان هؤلاء لابد وان تكون لهم شخصية لا يتصور صدور الخطأ او الخطيئة منهم والا فلا معنى ان يأمرهم الله سبحانه وتعالى بنفس المستوى الذي يأمرنا به في اطاعة الرسول بل يستحيل ذلك عقلاً ولو كان يمكن صدور الخطأ منهم فضلاً عن الذنب والخطيئة لان هذا في الحقيقة نقض لغرضه عزوجل وعليه فنحن ننتهي الى حقيقة ان هؤلاء اولي الامر الذين هم في الآية الكريمة والذين تجب طاعة اوامرهم كما تجب طاعة اوامر الرسول (صلى الله عليه وآله)، لابد ان يمتلكوا في شخصياتهم صمامات الامان التي كانت موجودة في شخصيته صلى الله علية وآله وسلم والا لكان الامر امراً ينجر الى نقض الغرض لو كان يمكن ان يقعوا في الخطأ والخطيئة وجل كل حكيم عن ذلك فضلاً عمن علم الحكمة للبشر عزوجل.
المحاور: سماحة الشيخ النتيجة المستفادة في الوقت المخصص انتهى.
الشيخ حسان سويدان: طبعاً يبقى تعيين المصاديق، الامر هذا ان شاء الله نحيله الى الحلقة القادمة.
*******
اذن امكننا ان نتبين دلالة ما تعنيه عبارة (وارتضاه لغيبه) وصلتها بالآية المباركة القائلة: «فلا يظهر على غيبه احداً / الا من ارتضى»، ومن ثم ما نستخلصه من خطورة شخصيات الائمة عليهم السلام خلفاء الرسول(ص) ونسأله ان يوفقنا في التمسك بهم وبالقرآن الكريم انه ولي التوفيق.
*******