لا نزال نحدثك عن زيارة الجامعة، وهي ما يطلق عليها مصطلح (الكبيرة) تمييزاً لها عن غيرها وهي الزيارة التي انشأها الامام علي الهادي(ع) استجابة لطلب احدهم بان ينشئ كلاماً بليغاً لزيارة الائمة (عليهم السلام) ... وقد حدثناك عن هذه الزيارة عبر مقاطع متسلسلة وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول عن الائمة (عليهم السلام) (اشهد انكم الائمة الراشدون، المهديون، المعصومون، المكرمون، المقربون، المتقون، الصادقون، المصطفون ...).
هذا المقطع من الزيارة يتضمن ـ كما تلاحظ ـ مسرداً من السمات حيث سلسلها الامام(ع) متتابعة بدون واو العطف، حتى يلفت نظرنا الى امتزاج هذه السمات في تركيبة المعصومين (عليهم السلام) واندماجها في ضفيرة لا ينفصل احد خيوطها عن الآخر.
والمهم ان هذه السمات حدثناك عن جملة منها وهي (الراشدون، المهديون، المعصومون، المكرمون، وبقي ان نحدثك عن السمات الاخرى، ومنها سمة المقربون، او القريبة)، فماذا تعني هذه السمة؟
طبيعياً لابد وان نختصر كلامنا في هذه السمات لجملة اسباب، منها تكرار بعضها ولكن التكرار يجيء في سياق جديد "وهذا هو احد مبادئ البلاغة التي تعتمد التكرار عنصراً مهماً مع الاخذ بنظر الاعتبار صياغتها في سياق آخر"، ومنها طبيعة الحجم الذي لا تسمح به احاديثنا تجاوزه ...الخ.
في هذه الحلقة نتحدث عن معنى سمة (المقرب)، ولكن بعد الاستماع للحوار الهاتفي التالي مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ حسان سويدان عن سبل التقرب الى الله بهؤلاء المقربين (عليهم السلام):
*******
المحاور: سماحة الشيخ من الاسئلة التي تثار بشأن قضية مهام اهل البيت سلام الله عليهم هي التي ترتبط بدورهم بتقريب العباد الى الله تبارك وتعالى وهدايتهم اليه بأمره عزوجل، السؤال هو فيما يرتبط بالمؤمنين كيف يتقربون الى الله تبارك وتعالى بأهل البيت؟
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، لاشك ولاريب في ان الله سبحانه وتعالى قال في كتابه امر نبيه الاعظم صلى الله عليه وآله «قل لا اسألكم عليه اجراً الا المودة في القربى» واهل البيت (عليهم السلام) هم القدر المتيقن من هؤلاء القربى فأنه بلا شك انهم داخلون في قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأجر الرسالة الواجب هو مودتهم فتارة نريد ان نتحدث في اطار الادبيات فالاحترام والتوقير والتبجيل ورفع مشكلاتهم ومشكلات ذراريهم وهذه الادبيات هي برمتها امر حسن وهي امر مطلوب وسائل ذلك قربة الى الله، نتقرب الى الله تبارك وتعالى بهذا الفعل وهو في حد نفسه من الاعمال الحسنة والجميلة الا ان ما يختص باهل البيت سلام الله عليهم اذا تحدثنا عما نعتقده نحن في هؤلاء الذين تعد مودتهم الواجب في كتاب الله وهم ائمة الهدى سلام الله عليهم فلابد ان يأخذ الحديث منحى آخر وهو يرتبط بلوازم هذه المودة من المولاة لهم والاطاعة لهم والتقرب بالتبعية لخطواتهم في اقوالهم وفي افعالهم وان نبرأ الى الله تعالى من اعداءهم، نستطيع ان نقول ان اختار التعبير بالمودة هو اشارة الى ما يبني عليه الاسلام البنية المعرفية لا يريد للانسان ان يبني تبعياته وتكاليفه بمجرد الامر والنهي بل يريد من الانسان ان يبني دينه وحياته على اساس الحب في الله والبغض في الله سبحانه وتعالى، من هنا فأن المكمل لرسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، المكمل هو خط اهل البيت الذين هم اوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اراد منا الله ان نتبعهم معتقدين بأنهم اصحاب الحق في التداعية لهم واراد لمن يحب الله ورسوله ان يحب علياً وآل علي عند ذلك يصل الانسان الى مستوى من الولاء والى مستوى من البراءة من اعداءهم ما كان ليصلها لولا انه قرن بين المعرفة النظرية الصحيحة ومن الاعتقاد الباطن النازل من العقل الى القلب في ان حبهم من حب الله ورسول ومودتهم من مودة الله ورسوله والا فلا يكاد الانسان يعقل، ان يكون اجر الرسالة لرسول الله صلى الله عليه وآله هو المودة لقرباه لولا ان وراء هذا الامر، امر عظيم وعظيم وخطير جداً لمصلحة نفس المأمورين لانه هو القائد.
المحاور: سماحة الشيخ شكراً جزيلاً.
*******
نتابع اعزاءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان بالاشارة الى اننا لا نحتاج لتوضيح هذه السمة (المقرب) لانها ـ من الزاوية اللغوية ـ تكشف عن دلالتها بوضوح، ولكن ما نستهدفه هو استخدامها في سياقات خاصة تعكس اهمية هذه الصفة عند المعصومين (عليهم السلام)، هنا نحيلك الى القرآن الكريم، ونجعلك تستخلص بوضوح دلالة هذه السمة واهميتها من الواضح ان كلمة (المقرب) ترد في القرآن في عدة مواقع من النص القرآني الكريم، ولكن الموقع الذي نلفت نظرك اليه هو ما ورد في سورة الواقعة حيث يقول النص: «والسابقون السابقون / اولئك المقربون» ... هنا نلفت نظرك الى ان سورة الواقعة تصنف المؤمنين وهم اصحاب الجنة الى قسمين "السابقين واصحاب اليمين"، فتقول عن السابقين بانهم "المقربون" وانهم «ثلة من الاولين / وقليل من الآخرين»... وكذلك نجد في سورة الرحمن وصفاً لنمطين من اصحاب الجنة احدهما ينسحب عليه هذا الوصف «ولمن خاف مقام ربه جنتان»، والآخر ينسحب عليه هذا الوصف «ومن دونهما جنتان» ... ولكن لا نفضل الكلام في تحديد نمطي المؤمنين النمط الذي يحتل الدرجة الاولى، والنمط الذي يحتل الدرجة الثانية يمكننا ان نشير الى ذلك عابراً فنقول:
ان النمط الاول وهم "المقربون" يحتلون الدرجة الاولى وقد ورد في النصوص التفسيرية انهم الشخصيات المعصومة عليهما السلام، بالاضافة الى المصطفين من اصحاب الرسالات واوصيائهم ثم بعض الاخيار.
واما النمط الآخر وهم، الدرجة الثانية حيث اطلق عليهما اصحاب اليمين، فيجسدون الشخصيات المؤمنة بنحو عام.
واذا دققنا النظر في اوصاف الجنة لكل من الفريقين في سورتي الرحمن والواقعة نجد ان الاوصاف التي ترد بالنسبة الى السابقين هي اعلى من الاوصاف التي ترد بالنسبة الى اصحاب اليمين، وهو امر لا تسمح به احاديثنا للتفصيل فيه، حيث حدثناك عن هذا في لقاءات اخرى بالنسبة الى القصة القرآنية الكريمة....
نستخلص من هذا ان سمة "المقربين" تنسحب على الشخصيات التي انتخبها الله تعالى على مستوى الرسالات والقريبة منها، وفي مقدمتهم الائمة (عليهم السلام) ويكفي ان الدلالة اللغوية وهي "المقرب" عند الله تعالى ان تفصح لنا عن خطورة الشخصيات المعصومة وهم الائمة (عليهم السلام).
اللهم احشرنا مع الائمة المعصومين المقربين انك سميع مجيب.
*******