لا نزال نحدثكم عن الزيارة الجامعة للأئمة عليهم السلام حيث وقفنا عند المقطع البادئ بقول الامام الهادي(ع) (السلام على الدعاة الى الله)، إلى أن يقول: (وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ورحمة الله و بركاته)... وبهذه الفقرة ينته احد مقاطع الزيارة ليواجهنا مقطع جديد يبدأ بفقرة (السلام على الأئمة الدعاة ...) هنا ينبغي قبل ان نحدثكم عن الفقرة القائلة بالسلام على الدعاة الى الله وهي الاستهلال للمقطع السابق، نجد أن المقطع الجديد يبدأ بالعبارة القائلة: (السلام على الأئمة الدعاة)... وهذا قد يلفت نظركم حيث يمكنكم ان تقولوا هذا تكرار لكلمة (الدعاة) فما هو السر الكامن وراء ذلك؟ ونجيبكم عن السؤال المتقدم بما يلي:
التكرار ظاهرة تعبيرية تنتسب الى الفن حيث ان التكرار يؤدي جملة وظائف دلالية منها: ان التكرار يرسخ دلالة خاصة يستهلها صاحب النص لانها ذات اهمية مثل قوله تعالى (فباي آلاء ربكما تكذبان) و عشرات من أمثالها في القرآن الكريم وفي النصوص الشرعية للمعصومين عليهم السلام ... وهذا التكرار ظاهرة فنية خبرها القدماء والمحدثون على حد سواء لذلك لا يحتاج الموقف الى زيادة ايضاح... ولكن النصوص الشرعية تتميز عن النصوص البشرية العادية بكونها غير معصومة من الخطأ الفني حيث يستخدم التكرار احياناً في النصوص البشرية بشكل لا مسوغ له، بعكس الاستخدام الشرعي للتكرار حيث نجد ان لكل تكرار سياقة الخاص... فتكرار آية (فبأي آلاء ربكما تكذبان) ترد كل مرة في سياق خاص يختلق عن سابقه ولاحقه، فعندما يتحدث عن خلق الانس والجان يردفه بالآية المشار اليها، وعندما يتحدث عن البحرين يردف ذلك بالآية ذاتها فيكون التكرار هنا لظاهرتين تختلف احداهما عن الاخرى كما هو واضح. وبالنسبة الى ما نحن فيه نجد أن المقطع الاسبق من زيارة الجامعة (السلام على الدعاة الى الله والأدلاء على مرضاة الله تعالى...)، يختلف عن السياق الوارد في المقطع الحالي... وهو (السلام على الائمة الدعاة والقادة الهداة...)، نفس الحالة الاولى تتحدث الزيارة عمن يدعو ويدل على مرضاة الله تعالى...، كوظيفة لها استقلالها و أوليتها اما في الحالة الثانية فترد الكلمة وصفاً ثانوياً لا أولياً. في الحالة الثانية فان كلمة الدعاة تجيء وصفاً دالاً على (الائمة عليهم السلام) حيث يستهدف الدعاء تأكيد هذه الصفة غير المنفصلة عن وظيفة الامامة.
والمهم بعد هذه الايضاح نريد بأن نلفت نظر قارئ الزيارة الى أن النص الشرعي اساساً - وهذا ما كررناه - نص موضوع بحيث يجيء التكرار مصحوباً بمسوغ فني بالاضافة الى أن هذه الزيارة الجامعة بخاصة وردت - كما تتذكرون - في سياق خاص هو ان بعض الاصحاب طلب من الامام الهادي ان يقدم له كلاماً بليغاً لزيارة الائمة عليهم السلام فلابد حينئذ ان تكون سمة (البلاغة) هنا ملحوظة بنحو خاص من حيث حجمها وهذا ما يؤكد لنا ان التكرار هنا و التكرار في موارد كثيرة من الزيارة نجده بوضوح مما يعني ذلك ان هذا التكرار مهما بلغ حجمه لابد وان ينطوي على اسرار نوضحها في حينه ان شاء الله تعالى.
والآن بعد ان اوضحنا اهمية التكرار بنحو عام نعود الى الفقرة المسلمة على الائمة عليهم السلام بعبارة (وعبادة المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ورحمة الله و بركاته)... فماذا تعني هذه العبارات؟
هنا نجد أن الفقرة المتقدمة تصف الائمة بانهم عباد مكرمون اولاًَ وأنهم لا يسبقونه بالقول ثانياً، وانهم يعملون بأمر الله تعالى ثالثاً.
بالنسبة الى الصفة الاولى وهي (العباد المكرمون) فان سمة (الكرم) لا تحتاج الى توضيح حيث تعني مجموعة من السمات الأخلاقية الكاشفة و المستجمعة لما هو خير وطيبة ونقاء، فاذا اضفنا الى ذلك أنّ صفة (الكرم) هنا خلعها الله تعالى على انبيائه واصفياء خلقه (ومنهم الملائكة ايضاً) حيث خلع الصفة المذكورة عليه (المكرم) أي: الذي أكرمه تعالى وليس كونه يحمل صفة (الكرم) فحسب، بل ان الله تعالى (أكرمه) ايضاً و بهذا نستخلص خطورة هذه الصفة التي خلعها النص على الائمة عليهم السلام عندما وصفهم بانهم عباد الله المكرمون أي الذين اكرمهم الله تعالى وهل ثمة صفة أعلى مما لحظناه.
واما صفتا أنهم عليهم السلام (لا يسبقونه بالقول) وأنهم (يعملون بأمره) فسنحدثكم عن ذلك في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
اخيراً ندعوا الله تعالى ان يحشرنا مع النبي(ص) والمعصومين عليهم السلام.
*******
أما الآن نتابع تقديم برنامج امناء الرحمن بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ حسان سويدان اهلاً ومرحباً بكم:
الشيخ حسان سويدان: حياكم الله.
المحاور: سماحة الشيخ في الحلقة السابقة بينتم اجمالاً معنى الولاية التكوينية التي تعطى او يقال انها موجودة عند ائمة اهل البيت(ع) نحن ايضاً سيكون لنا اسئلة عن ادلتها ولو اجمالاً وكذلك منافاتها وهل انها تؤدي الى الغلو او غير ذلك انتم في الحلقة السابقة اشرتم الى انها بأذن الله ولكن في مقابلها اشرتم الى الولاية التشريعية حبذا لو تتابعوا بيان هاتين القضيتين يعني فيما يرتبط بمعنى الولاية التكوينية وبما يقال عن الولاية التشريعية وادلتها اجمالاً تفضلوا؟
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين في الحقيقة فيما يرتبط ببحث الولاية التكوينية بعد ان اتضح ما سبق في الحلقة السابقة الخص مارمينا اليه وهو ان قدرة المعصوم على التصرف في شؤون الكون بما يخرق العلل الطبيعية المادية لايعني ابداً الخروج عن قانون العلية والمعلولية الذي يبحثه الفلاسفة ويتصور متصور لاول وهلة ان معنى الولاية التكوينية هي ان المعلول يحصل من دون علة ليس الامر كذلك المراد ان المعصوم يتصرف في الكون على اساس قوانين عليه غالبة على القوانين المادية.
المحاور: عفواً قانون الدعاء مثلاً قانون الدعاء هو فوق القوانين المألوفة ولكن هو قانون بالتالي؟
الشيخ حسان سويدان: احسنتم بلاشك ولاريب وهناك مساحات اوسع من قضية الدعاء وحدها ترجع الى ان الله سبحانه وتعالى ملكهم قدرات يستطيعون من خلالها لا نعرف الحقيقة بالتفضيل طبعاً يستطيعون من خلالها ان يتصرفوا بقوانين عليه حاكمة على العلل والمعدات المادية فيستطيع مثلاً المعصوم ان ينتقل من هذا المكان الى مكان بعيد في لحظات ولاشك ولاريب ان الانسان العادي اختلفت قدرته بين زمن وزمن فيما يرتبط مثلاً بقانون النقل كما تحدثنا عنه قبل قليل فليكن فليقبل هذا وان يتصور انسان ان هذا يوجد قانون ارقى واعلى بكثير مما وصلت اليه البشرية في الطائرات النفاثة والى ما هنالك يرتبط بعلة لا نعرفها يستطيع من خلالها عبد من عبيد الله مقرب الى الله سبحانه وتعالى ان يفعل هذا كما حدث مع النبي الاعظم في قضية المعراج مثلاً، هذه خلاصة موجزة جداً لبحث مهم ومطول وشائك في نفس الوقت كما المحت في الحلقة السابقة لمصطلح الولاية التكوينية اما الولاية التشريعية فهناك معنيان مصطلح الولاية التشريعية تردد في كلمات المحققين بين بابين الباب الاول هو قضية ان الله شرع ولايتهم بمعنى سلطتهم وقيادتهم للمجتمعات البشرية وهذا الاصطلاح استعمله الكثير من الفقهاء والمحققين واخذ مساحة واسعة من المحافل الكلامية في مدرسة اهل البيت اثباتاً وفي بعض المدارس الاسلامية الاخرى نفياً وهذا عبر عنه بالولاية التشريعية واستفاضة حوله الابحاث لسنا بصدده، هناك معنى آخر للولاية التشريعية هو محل بحث وهو ان الله سبحانه وتعالى هل اعطى النبي الاعظم(ص) والائمة المعصومين(ع) الولاية على التشريع بمعنى جعل الاحكام الشرعية الكلية ام لم يعطيهم ولاية هناك قدر متفق عليه انه موجود وهو الولاية على جعل التشريع بمعنى الاحكام التي ترتبط به كولي كحاكم كأمير للمسلمين كقائد للمسلمين التي يعبر عنها في هذا العصر بالاحكام الولائية او الاحكام الحكومتية يعني التي ترتبط بشؤون الحكم لا ليس هذا الذي ابحث عنه واتحدث عنه بل اتحدث عن جعل احكام شرعية كلية بمعنى انه ورد في حق النبي الاعظم(ص) مثلاً وهذا تقريباً متفق عليه عندنا هو ان الله سبحانه وتعالى شرع بعض الامور وترك للنبي اختيار الزيادة عليها مثلاً ورد في روايات صحيحة متعددة ان الله سبحانه وتعالى شرع الصلاة ركعتين ركعتين وان النبي(ص) هو الذي اضاف للصلوات الرباعية الركعتين الثالثة والرابعة وهذا يكون متفق عليه في مدرسة اهل البيت في مثل هذه المفردة ومفردات اخرى بالنسبة للنبي يقتنص منها ان للنبي المعصوم المطلع على ملاكات الاحكام الشرعية ان يجعل الاحكام الشرعية بأذن الله سبحانه وتعالى هناك بحث ان الولاية ثابتة للائمة المعصومين(ع) بعد النبي او غير ثابتة بحث بين المحققين اقول على مستوى الامكان هذا امر مسلم لانه ثبت في محله ان المعصوم عندنا هو ايضاً معصوم عن الخطأ والخطيئة مطلع على ما يسمى بلوح التشريع لوح ملاكات الاحكام الشرعية اما انه فعل هذا بالفعل خارجاً فشرع احكام شرعية كلية هذا لم يثبت بدليل جزمي وهو ان المعصوم الامام لا المعصوم النبي الاعظم(ص)تصدى بالفعل لجعل احكام شرعية كلية.
المحاور: سماحة الشيخ حسان سويدان شكراً لكم على هذا التوضيح فيما يرتبط ببقية البحث ان شاء الله حلقة اخرى ستكون لهذا الموضوع شكراً جزيلاً وشكراً لكم احباءنا نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******