لا زلنا مع احد مقاطع الزيارة ونعني بها الزيارة الجامعة الكبيرة للأئمة عليهم السلام حيث جاء في هذا المقطع (السلام على أئمة الهدى ومصابيح الدجى، واعلام التقى ...) وقد حدثناك عن العبارة الاولى والثانية من المقطع وهما انهم عليهم السلام (أئمة الهدى، ومصابيح الدجى) ... ونحدثك الآن عن العبارة الثالثة وهي انهم عليهم السلام (اعلام الهدى)...
بالنسبة الى "التقى" لا تحتاج كما نتوقع الى توضيح ما دامت تعني اتقاء الشخصية لله تعالى والالتزام بمبادئه بحرص بالغ المدى، ولكننا بحاجة الى معرفة الاسرار الكامنة وراء الصياغة لظاهرة "التقى" من حيث كونها قد صيغت وفق صورة استعارية هي انهم عليهم السلام "اعلام التقى" والسؤال هو اولاً: ما المقصود من "الاعلام"؟ هل يقصد بها الجبال؟ ام يقصد بها الراية؟ ام يقصد به ما يوضع من العلامة؟ ام يقصد بها الاسياد من القوم؟ كل واحد من القصود المذكورة من الممكن ان ترتكن اليه، ونحن اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان احد انماط العبارة البليغة هو: ترشحها باكثر من معنى، عندئذ نخلص الى ان هذه العبارة تتسق تماماً مع البلاغة الفائقة للمعصومين عليهم السلام بخاصة اذا تذكرت بان هذه الزيارة من صياغة الامام علي الهادي(ع) وان احد الاشخاص التمس منه(ع) بان ينشئ له كلاماً بليغاً في زيارته للأئمة عليهم السلام فقدم له هذه الزيارة البليغة ومنها بلاغة عبارتها القائلة بان الائمة عليهم السلام "اعلام التقى" من حيث تعدد دلالة الصورة الاستعارية (الاعلام) بالنحو الذي تساءلنا عنه ...
والآن لنقطع رحلة مع الدلالات المحتملة للاستعارة او الصورة المذكورة ...
قال تعالى "وله الجوار المنشآت في البحر كالاعلام" هذه الآية المباركة تتحدث عن السفن الجارية في الانهار او البحار ان مرآها او منظرها الجمالي يتماثل مع الجبال في الارض أي بروزها وارتفاعها وتشخيصها علامات فارقة في مساحة الارض، وبغض النظر عن التماثل بين بروز السفن في المياه وبين بروز الجبال في الارض، فان ما نستهدف لفت النظر اليه هو ان الجبل في الارض يتميز عن سطحها بكونه يحمل سمة متعالية من حيث انخفاض الارض وارتفاع الجبل فيشكل بذلك علامة ملحوظة تلفت نظر الراق وهذا ما ينسحب على الائمة عليهم السلام من حيث توفر سمات التقى لديهم بنحو يتميزون به عن سواهم من الناس، وهذا هو احد صور التأويل والتصور الآخر هو انهم عليهم السلام بالنسبة الى الاخرين ممن يحملون مبادئ التقى يشكلون علماً متميزاً عن الآخرين.
وهذا كله اذا اخذنا الدلالة المستخلصة من كون "الاعلام" هي الجبال.
والامر نفسه اذا استخلصنا الدلالات الرمزية الاخرى ومنها ان الاعلام هي الرايات كيف ذلك؟ لا نحتاج الى تأمل طويل حتى ندرك بوضوح ان الراية هي السمة او العلامة المميزة لهذه الجماعة او تلك وهي الرمز الذي يعتز به المنتسب لهذه الراية وهذا يعني ان الائمة عليهم السلام من حيث مبادئ التقى سواء أكنا نفسر دلالة التقى من حيث اتسامهم عليهم السلام بها او من حيث مقارنة ذلك مع الاخرين ففي كلا الاحتمالين يظل الائمة عليهم السلام "علامات" يعتز بها المتقون بصفة انهم يجسدون مبادئ التقى اعلى مراتبها او بصفة انهم بالقياس الى الاخرين هم التجسيد الاعلى لمراتب التقى.
وهكذا اذا قدر لنا ان نحلل ونفسر سائر الرموز او الدلالات التي ترتسم بها عبارة الاعلام كالدلالة الذاهبة الى ان الاعلام هي ما يوضع من العلامة في الطريق او يقصد بها الاسياد من القوم ....
انهم عليهم السلام يجسدون علامات ملحوظة كمبادئ التقى أليس الله تعالى خلق هذا الوجود من اجل محمد(ص) وأهل بيته عليهم السلام نتيجة معرفته تعالى سلفاً بما سيسلكونه من مبادئ "التقى" في اعلى مراتبها؟ اذن هم المجسدون علامات او آثاراً يعلم بها الطريق او هم الاسياد بالنسبة الى سائر الناس من حيث توفر سمات التقى في ارفع درجاتها.
اذن للمرة الجديدة ان الاستعارة الذاهبة الى ان الائمة عليهم السلام هم "اعلام التقى" تظل معبرة بوضوح بانهم عليهم السلام هم التجسيد الاعلى لمبادئ التقى بالنحو الذي اوضحناه.
*******
أما الآن نتابع تقديم برنامج امناء الرحمن بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ حسان سويدان اهلاً ومرحباً بكم:
الشيخ حسان سويدان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: ورضوانه عليكم سماحة الشيخ سؤالنا في هذه الحلقة معنى كون الائمة(ع) وسيلة الى التقرب الى الله عزوجل اغلب الاسئلة التي ترد سماحة الشيخ تتحدث عن المصاديق العملية لذلك حبذا لو تكون الاجابة فيها اشارة على هذه المصاديق جزاكم الله خيراً تفضلوا؟
الشيخ حسان سويدان: طبعاً بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين لابد اولاً وقبل الدخول في المصاديق العملية ان نبين مفهوم بشكل صحيح يعني فلسفة ان الله سبحانه وتعالى المحيط بكل شيء والذي اقرب هو الينا من حبل الوريد كيف اننا نحتاج معه الى وسيلة وانه ورد في الدعاء الشريف وانك لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الامال او الاعمال في بعض النقول دونك فكيف نحتاج الى الوسيلة نقول هذا بديهي اذا تأملنا قليلاً، الانسان ذو العقل الناقص، ذو المعرفة الناقصة، ذو الاستقامة الناقصة لاشك ولاريب انه يحتاج الى التكميل اذا ما اراد ان يتقرب القرب الحقيقي الى الله سبحانه وتعالى هم وسيلة على المستوى التشريعي لانهم هم حفظة التشريع هم مبينوا هذا التشريع هم مفسروا هذا التشريع الالهي وهم وسيلة ايضاً في مقام التقرب لانهم هم اقرب الخلق الى الله سبحانه وتعالى من خلال انهم لا يعصونه طرفة عين وانهم بأمره يعملون فهم اقرب الناس الى الله والناقص دائماً يحتاج الى الكامل ليصل الى الاكمل.
المحاور: جزاكم الله خيراً عفواً هذه اشارة اردت التأكيد عليها هنا من خلال اجابتكم ان التوسل اعم من المفهوم الروحي بمعنى المصداق الروحي انتم اشرتم الى قضية تفسيرهم الى التشريع نعم التوسل هنا اعم من المصداق الروحي المعنوي المعروف بالوسيلة؟
الشيخ حسان سويدان: هم الوسيلة بكل معنى الى رضوان الله سبحانه وتعالى.
المحاور: طيب بالنسبة الى التقرب من خلال المصاديق العملية انتم ذكرتم الآن مصداق اساسي وهو مصداق المفهوم.
الشيخ حسان سويدان: نعم هذا المفهوم فالانسان لابد وان يعتقد ان النبي وان الامام هو الذي يقربه الى الله سبحانه وتعالى فلابد ان يتبعه اتباعاً مطلقاً اذا اتبعه اتباعاً مطلقاً فسوف يكون هو الاقرب مطلقاً الى مواطن عبوديته سبحانه وتعالى، نقلب الصفحة اذا نتحدث عن نحو آخر من الوسيلة وهي التي ربما انتم اشرتم اليها بالسؤال وهي انه بعد ان اخذناهم مصداقاً للمعرفة واذا توسلنا بهم عملاً من خلال جعلهم الواسطة في التعرف على ما يريده الله سبحانه وتعالى منا، هل يمكننا في صلواتنا في ادعيتنا في اعمالنا ان نتوسل بهم الى الله سبحانه وتعالى وربما تصل القضية وكما ورد في بعض الادعية ان نحلف على الله سبحانه وان نقسم على الله سبحانه و تعالى بحقهم عليه وهذا قد يعد الغرائب انه هل يوجد لاحد حق على الله سبحانه وتعالى والله هو صاحب الحق على كل المخلوقات هنا اقول ايضاً هذا التوسل هو نحن من انحاء التوصل لاننا نريد ان نتقرب وهدفنا التقرب الى الله سبحانه وتعالى فالعباد المقربون الخلص الذين لا يسبقونه بالقول والذين هم بأمره يعملون هم الذين يستطيعون ان يجذبون نحو الله سبحانه وتعالى فتظهر من الله كرامتهم في الدنيا وتظهر ايضاً في الآخرة كما ورد في كثير من الاحاديث ان السيدة الزهراء(ع) تخرج الى ارض المحشر فتشفع الشفاعة نحو من انحاء الوسيلة هناك.
المحاور: سماحة الشيخ فيما يرتبط بهذا السؤال الذي عرضتموه الآن معنى كونهم او نقسم عليهم او نقسم على الله بحقهم يحتاج الى توضيح ان شاء الله وسيكون موضوع الى حلقة لاحقة نزاحمكم خلال هذه اللقاءات.
الشيخ حسان سويدان: ان شاء الله.
المحاور: جزاكم الله خيراً سماحة الشيخ حسان سويدان على ما تفضلتم به.
الشيخ حسان سويدان: حياكم الله.
المحاور: مستمعينا الافاضل الى لقاء مقبل نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******