ورُوِيَ عن الإمام علِي (عليه السلام) أنه قال: "غايَةُ الدِّينِ الإيمـانُ. غايَةُ الإيْمانِ الإيقانُ. غايَةُ الْيَقينِ الإخْلاصُ. غايَةُ الإخْلاصِ الْخَلاصُ".
خلاص الإنسان، سعادته، راحته، تطوره، تكامله. بناء حياة إنسانية اجتماعية فاضلة كريمة، تلك وسواها هي الغاية الكبرى للدين ولا غاية سواها، كذلك شريعة الدين وما فيها من واجبات ومُستَحَبّات، وما تمنع عنه من مُحَرَّمات ومَكروهات، الغاية منها سعادة الإنسان وحِفظ مصالحه المادية والمعنوية، والدنيوية والأخروية، والفَردية والجَماعية، حتى معرفة الله وعبادته والتقرُّب إليه بالأعمال الصالحة، الغاية من تكامل الإنسان وسعادته، واستقرار حياته، ورغد عيشه، فالدين عقيدة وشريعة وقِيَماً في خدمة الإنسان وغايته تسهيل حياة الإنسان.
وإذا كان على الإنسان أن يؤمن بعقائد الدين ويلتزم قوانينه فذلك من أجله هو لا من أجل الدين، وإذا جَهِلَ الإنسان فرداً أم نوعاً الدين أو أعرَض عنه فنفسه يظلم، ولا يتأثَّر الدين بشيء، لأن الإنسان هو الذي يحتاج إلى الدين والدين لا يحتاجه، الدين يخدمه، وإذا ما دافع الإنسان عن الدين وذَبَّ عنه فهو يدافع عن أهم حاجاته الإنسانية.
في جوهرته الكريمة يذكر الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أربعاً من الغايات الدينية التي تترتَّب على بعضها البعض، والغاية النهائية لها خَلاص الإنسان وفلاحه في الدنيا والآخرة.
الأولى: الإيمان غاية الدين، وبكلمة أخرى: إن الدين يهدف إلى إحياء الإيمان بالله تعالى وعدله ورحمته والإيمان بالعالم الآخر والبعث في الإنسان، الإيمان لا يؤَسِّسُه الدين بل يكشف عنه، فالله تعالى الواحد الأحد هو أعظم الحقائق الوجودية على الإطلاق، وأصل ومنبع كل حقيقية، والنفس الإنسانية تتوجَّه إليه بشكل تلقائي ومن دون تفكير طويل ولا يحتاج الأمر إلى إقامة البرهان عليه فإنه توَجُّه فِطري، بل حاجة فِطرية للإنسان، ولو حصل وتنَكَّر لها رَدحاً من عمره فإنه ما يلبث إلا ويرجع إلى الله بطريقة أو بأخرى، وبفهم صحيح أو غير صحيح ولكنه في النهاية يرجح عن جحوده إلى الإيمان به. ومَعلوم أن الإيمان هو التصديق القلبي الذي ينعقد في القلب، والنفس لا تطمئن إلا به، ولهذا السبب هو غاية للدين.
الثانية: إن غاية الإيمان اليقين، فكما لا تطمئن النفس إلا بالإيمان، كذلك لا تطمئن إلا باليقين بما تؤمن به، فإذا كانت شاكَّة فيه تفقد سكينتها، ويستبد القلق بها، لذلك لا تهدأ حتى تُزيل الشكوك والشبُهات، وتجد الأجوبة الكافية والشافية على كل جميع الأسئلة التي تجول في ذهن المرء، والشكوك قاتلة له، وإنها لتوقعه في الكثير من الفِتَن، وتؤدي به إلى الضياع، وفي الضياع عذاب، وفي الحيرة عذاب، وفي القلق عذاب، وكيف للمرء أن يرتاح مع ذلك؟! وعليه فمن الضروري أن يكون الإيمان يقينياً لا لبس فيه ولا تعتريه الشُّبُهات بحيث يزداد المؤمن يقيناً بإيمانه مع كل يوم جديد، ومع كل آية من آيات الله يراها ويفكِّر فيها، ويسمعها ويتدبَّر فيها.
الثالثة: إن غاية اليقين أن يبلغ بالشخص مرتبة الإخلاص، والإخلاص هو الصَّفاء والنَّقاء والخلوص من أي شائبة من شوائب الرياء، ومِمّا لا شك فيه أن المُخلِص أفضل حالاً من غير المُخلص، والبَوْنُ بينهما شاسع جداً من حيث الأثر النفسي ومن حيث الآثار الاجتماعية، المُخلص مُطمئن النفس يعلم أن الله الذي يحيط به ويعلم كل عمل من أعماله هو الذي يثيبه عليه، بخلاف المرائي الذي يريد أن يرضي الناس، وأنَّى للمرء أن يُرضِيَ جميع للناس.
الرابعة: إن غاية الإخلاص الخلاص، والخلاص هو الغاية الكبرى التي يهدف الإنسان إليها، والغاية الكبرى للدين كما سبق وذكرت، الخلاص من كل ما يُعَقِّد حياة الإنسان، ويجعلها ضَنكاً وضيقاً.
بقلم الباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي