بعد أن وارى الجثمان الطاهر للإمام الرضا عليه السلام الثرى في أرض طوس أصبحت خراسان ملجأ للعلويين فاستقبلت توافد الزوار.
أقدم ما ورد حول مضيف العتبة الرضوية يرجع الى العصر التيموري حيث قام العالم الكبير الأمير علي شير نوايي بإجراءات إنشاء مضيف للحرم القدسي.
وذكر غياث الدين خواندمير في كتابه روضة الصفا أنه أنشئ مكان في حرم الامام الرضا يدعى "غلورخانه" فكان يطبخ طعام يشبه الهريسة لإطعام الفقراء والزوار المجاورين للحرم وكذلك للمعوزين والأيتام. سمي المكان في العصر الصفوى حتى أوائل العصر القاجاري "مطبخ معموره" و"مطبخ سركار فيض آثار"، وكان قد انقسم الى عدة أقسام هي "خونچه خانه"، و"شربت خانه"، و"خبازخانه" و"ادويه خانه" وجميع هذه الأقسام كانت تدعى "كارخانه" أي المصنع فكان مصنع أو مطبخ الزوار(كارخانه زوار) يتولى إدارة المضيف الرضوي.
كانت إدارة مضيف العتبة من العصر الصفوي حتى منتصف العصر القاجاري على نفس النهج أي كانت تتولى إدارة مطبخ واحد ، الى أن جاء ناصر الدين الشاه فتولى عضد الملك إدارة وسدانة العتبة الرضوية فقام بتجزئتها الى قسمين؛ مطبخ لخدمة العتبة الرضوية (مطبخ خدامي) ومطبخ آخر للزوار(مطبخ زواري).
وفي العصر البهلوي الأول اندمج المطبخان أو المصنعان الزواري والخدمي فسمي بـ"مهمانخانه حضرتي" أي المضيف الحرم. ففي فترة البهلوي الثاني حيث كان يدير العتبة السيد فخرالدين شادمان يتغير عنوان المضيف الى "مهمان سراي آستان قدس"، الى أن شهد المضيف تغييرا في عنوانه بعد الثورة الإسلامية فحمل عنوان "مهمان سراي حضرت رضا (ع)".
يذكر أن إدارة المضيف كان يتولاها السادة الرضوية والموسوية من العصر التيموري حتى القاجاري فكانت الإدارة وراثية تنتقل من الآباء الى الأبناء.
كان مضيف العتبة يتبنى قواعد خاصة لاستضافة الزوار والضيوف الشرفاء ففي مطول لـ"علي شاهي" من أقدم الوثائق للعتبة الرضوية ورد أن الملك عادل الأفشاري وضع إطارا لمطبخ العتبة مع تحديد اسم الوجبة اليومية ومن ثم نوعية المواد الغذائية وتكاليفها فعلى هذا الأساس كانت تحضر قائمة وجبات الفطور والغداء والعشاء وحتى الفواكه والعصائر في كل شهر وفصل.
تشير الوثائق الموجودة الى أن غالبية وجبات مطبخ العتبة كانت القيمة وتشريب اللحم ، والمشروبات المحلاة بالشهد والمنكهة بماء الورد والزعفران.
الميزانية والموارد المالية لإطعام الزوار في المضيف الرضوي
كانت معظم تكاليف وميزانية المضيف الرضوي تعتمد على النذورات والوقف.
كتب العقيد ييت الذي سافر الى مشهد في العصر القاجاري أن ميزانية العتبة الرضوية العامة كانت تعتمد على النذورات والوقف فكانت تبلغ 20 ألف جنيه استرليني ليخصص ثمنها لطهي وجبات زوار العتبة الرضوية.
وكما كان التبرع أحد طرق توفير نفقات الإطعام حيث كان يسمى بـ "مقاطعه" حيث كان رجال الأعمال والأثرياء الموالون للإمام الرضا (ع) يتبرعون بالمال والنفقات إكراما لزوار الإمام الثامن عليه السلام وليدوم إرث استضافة وإطعام الزوار.
أين وقع مضيف ومطبخ الإمام الرضا (ع)؟
ورد حكيم الممالك في كتابه "روزنامة رحلة خراسان" بعد أن وصف الصحن الحديث للحرم، أن مطبخ وشربت خانه يقعان في هذا الصحن وأسفل البقعة الشريفة.
كما أشار عضد الملك في كتابه الى أن مطبخ العتبة مبنى حديث أنشئ في المعتصم الأعلى فيدل أن المطبخ أو المضيف الرضوي الذي كان على قسمين للزوار والخدمة كان في موقع آخر.
وحاليا يستقبل مضيف العتبة الرضوية المقدسة زائري الحرم الرضوي وذوي الدخل المحدود في مدينة مشهد ليقدم خدماته كوجبات طعام تُطهى في مضيفي "الحر العاملي والغدير" وذلك في إطار برنامج العتبة الرضوية المقدسة لإطعام زوار ومحبي الإمام الرضا عليه السلام.
والعتبة الرضوية اليوم تضم مضيفا واسعا وجديدا يقع في صحن الحرّ العامليّ، فيتألّف من ثلاثة طوابق ومجهّز بعُدّة ممتازة، ويقدّم خدماته للزائرين. كما أُلحِق به مكان لذبح الأغنام برعاية دائرة الصحّة. ويعتمد تمويل المضيف وتوفير نفقاته على نذورات وتبرعات الزائرين أولا، ثم على موارد مركز الأوقاف المخصصة لإطعام الناس.
أبرز مهام مضيف الإمام الرضا هي طهي الطعام الصحي وعالي الجودة لزوار العتبة الرضوية الشريفة.
ويفتح المضيف الرضوي أبوابه أمام الزوار يوميا حين الظهر والمساء على مدار السنة، ليستقبل يوميّاً 4 آلاف ضيف من شتى أصناف الناس، وبينهم موظّفو العتبة المقدّسة وخَدَمتها. يضم المضيف الآن 200 عامل وما يقارب 3000 متطوع وهم الذين يرتدون ملابس خدم العتبة الرضوية المقدسة ويقدمون الخدمة لزوار الإمام الرضا عليه السلام.
وبعد تناول الزوّار، الطعام الشهيّ المريء عادةً ما يحمل بعضهم شيئاً من الزاد إلى ذويهم؛ التماساً للتبرّك وطلباً للاستشفاء بهذا الطعام تيمنا ومتبركا باسم الإمام الرضا (عليه السلام).
وقد أعدّت إدارة المضيف أكياساً صغيرة فيها شيء من الرز والملح لتوزيعها على الزائرين - لا سيّما الوافدين من بلدان أخرى - ليأخذوها معهم للغاية نفسها.
ويوزّع المضيف بطاقات الدعوة لتناول الطعام عن طريق زيارات منظّمة يقوم بها عدد من العاملين فيه للفنادق ونُزُل الزائرين وفي النيّة توسعة المضيف ليستوعب ثلاثة أضعاف الزوّار الذين يستقبلهم في الوقت الحاضر.
أما العتبة الرضوية المقدسة فكانت رائدة في الوفاء بمسؤولياتها الاجتماعية ولذا فإن مضيف الامام الرضا هو أحد المراكز النشطة في الأزمات بالمجتمع، فعلى سبيل المثال، خلال البرد القارس في شتاء العام الماضي، والذي أدى إلى توقف حركة القطارات في مشهد، استطاع المضيف خلال ساعات قليلة من إيصال ما يقارب 1400 وجبة طعام إلى السكة الحديدية وإسعاف المسافرين.
بالإضافة إلى الطبخ وتوزيع الطعام على الزائرين، فإن مضيف الامام الرضا (عليه السلام) يوفر الطعام لطاقم وخدم وموظفي الحرم الرضوي المقدس، ويقدم ما بين 19000 و22000 وجبة يوميًا في ثلاث وجبات، ويتم طبخ وجبات الفطور والغداء والعشاء في دور الضيافة.. بالطبع في المناسبات الخاصة تزداد كمية الطبخ وتوزع المواد الغذائية.
في جميع المناسبات، كعشرة الكرامة، اضافة إلى استضافة الزوار في المضيف، تقدم خدمات الى محبي الإمام الرضا (ع) خارج المضيف، على سبيل المثال، توزيع الطعام عشية الأعياد الدينية والوطنية بين ذوي الدخل المحدود.
تقوم إدارة المضيف باختيار المنتجات الخاصة بالمواد الغذائية بدقة عالية وهي منتجات المزرعة النموذجية والشركة الرضوية للزراعة، كذلك تستخدم المنتجات الطازجة ذات المعايير العالية، مثل منتجات اللحوم الطازجة.. بإلإضافة لذلك حصل المضيف على علامة الجودة العالية بين المؤسسات التابعة للعتبة الرضوية المقدسة.
وفي هذا إطار تستقبل العتبة الرضوية المقدسة مقترحات وآراء الزوار لتقديم خدمات تليق أكثر بزوار ومحبي الإمام الرضا (ع).