البث المباشر

أشد ما فرض الله على الإنسان!

الثلاثاء 28 مارس 2023 - 19:32 بتوقيت طهران
أشد ما فرض الله على الإنسان!

يقول "الحسن البزّاز"، وهو أحد أصحاب الإمام الصّادق (ع): "قال: قال لي أبو عبد الله (ع):

"ألا أخبرك بأشدِّ ما فرض الله على خلقه (ثلاث)؟ قلت: بلى، قال: إنصاف النَّاس من نفسك"، فهذا ممّا فرضه الله على الخلق، وهو من أصعب الأمور على النَّفس، لأنَّ الإنسان عادةً يعيش الأنانيَّة، فهو يحبّ للنَّاس أن يعطوه، ولا يحبّ لنفسه أن يعطي النَّاس، ولا سيَّما إذا كان الذي يريد أن يعطيه للنَّاس، من حقّ النَّاس عليه الَّذي قد يؤذي عنفوانه، وقد يسيء إلى ماله، فمن أصعب الأمور، أن ينصف الإنسان النَّاس من نفسه، فنحن نطلب من النَّاس الكثير، ولكن هل فكَّرنا أو نفكِّر فيما نقدِّمه إلى الناس من هذا وغيره؟! إنّنا دائماً نفكِّر في أن نأخذ ولا نفكِّر في أن نعطي.

لذلك، فإنَّ عليك عندما تفكّر في علاقتك مع النَّاس، وفي أن تأخذ من النَّاس شيئاً، أن تفكِّر فيما تعطي للنَّاس في قباله، فالقمَّة في هذه الروحيَّة هو الإمام زين العابدين (ع)، عندما كان يقول، وهو ابن رسول الله (ص): "أكره أن آخذَ برسول الله ما لا أعطي مثله" ، فعندما أريد للنَّاس أن يعظّموني ويكرّموني ويحترموني، لأنّي أنتسب إلى هذا النَّسب العظيم، فعليَّ أن أقدِّم من عملي ومن مالي ومن جهدي ومن كلِّ مشاعري ما يقابل ذلك.

"ومواساتك أخاك" في المال، وعندما يحتاج إليك، أن تقدِّم إليه من نفسك ما يلبّي حاجاته حتَّى لو لم يسألك، وهذه من أصعب الأمور على الإنسان، لأنّه بخيل بطبعه، فهو يفكّر فيما أعطاه الله من مالٍ بالفقر فيما لو أنفق منه، وهذا ما تحدَّث به أولئك الَّذين كانوا يقولون: {أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ}[يس: 47]، وما ذاك إلَّا لأنَّ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً}[البقرة: 268].

ثم قال: "وذكر الله في كلِّ موطن"، وربما يقول قائل: ما المشكلة في ذكر الله؟ فما عليك إلَّا أن تمسك المسبحة وأن تقول ألف مرَّة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَّا الله والله أكبر، فكيف يكون ذلك من أشدِّ ما افترض الله علينا؟ بينما يقول (ع): "أمَّا إنّي لا أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَّا الله والله أكبر"، فذكر الله ليس ذكر اللّسان، ولكنّه ذكر العقل والقلب والموقف، "وإن كان هذا من ذاك"، فهو ذكر أيضاً، "ولكن ذكر الله عزَّ وجلَّ في كلِّ موطن إذا هممت على طاعة أو على معصية" ، فإذا وقفت أمام الطَّاعة، وقالت لك نفسك أخِّرها، أهملها، اقضها، فاذكر ربَّك، واذكر ما ينتظرك من ثواب الطَّاعة عند ربَّك، وما تخسره من هذا الثَّواب إذا لم تطعه، وعندما تواجه المعصية، وتكون كلّ الظّروف مهيّأة لك، فاذكر الله، اذكره بكلِّ كيانك، ليمنعك ذكره عن أن تتهاون في مواقع طاعته، أو أن تتهاون في مواقع معصيته.
 

* من كتاب "النَّدوة"، ج3.

السيد محمد حسين فضل الله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة