فالمال وظيفةٌ وليس شرفاً، والله سبحانه وتعالى يعطيك المال لسدِّ حاجاتك، في ما تتحمَّل مسؤوليَّته في حاجاتك الشخصيَّة، أو في حاجات عيالك، أو في مسوؤليَّاتك الاجتماعيَّة، وما إلى ذلك، فإذا صرفته في غير موضعه، وتجاوزت به حاجتك الخاصَّة الطبيعيَّة، وأهدرته في الموارد التي لا نفع لك منها، كنت مبذِّراً في إنفاقه، ومسرفاً في تحريكه..
والمال ليس أنت، بل إنَّه مجرد شيء تحرّكه من خلال انتسابه إليك انتساباً قانونيّاً، من خلال ما تبيع وتشتري وترث، وما إلى ذلك. املك الملايين! فإنَّ الملايين لا تدخل في تكوين ذاتك، إنما هي شيء يجعل النَّاس ينفتحون عليك للحصول على بعض ذلك، أو تجعل إمكاناتك في ما تريده من توسعة أمورك بشكل أفضل.
وإذا ما أحسنت توجيهه، في ما يحقّق لك النتائج الكبرى في أهدافك الكبرى في الحياة، أو في ما يقرِّبك إلى الله سبحانه وتعالى، فإنَّك تحصل على ما يرفع موقعك، ولذلك كان الإمام عليّ (ع) يقول: "يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق... يا كميل، هلك خزّان الأموال وهو أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدَّهر؛ أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة"1.
ويقول (ع): "ألا وإنَّ إعطاء المال في غير حقِّه تبذيرٌ وإسرافٌ، وهو يرفع صاحبه في الدنيا، ويضعه في الآخرة". فالله تعالى عندما رزقك هذا المال، ولم تؤدِّ الحقَّ الَّذي فرضه عليك، فإنَّ ذلك يضعك وينقص قدرك عند الله تعالى، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يريد منك أن تصرفه في ما حمَّلك من مسؤوليَّة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: 24 - 25]، "ويكرمه في الناس" الَّذين يعطيهم هذا المال، "ويهينه عند الله".
ثم يعطي (ع) النتائج: "ولم يضع امرؤ ماله في غير حقّه، ولا عند غير أهله، إلَّا حرمه الله شكرهم"، يعني إن أنت أعطيتهم في غير ما جعله الله تعالى من الحقّ في صرف المال لتحصل على شكرهم وعلى تقديرهم، فإنَّ الله تعالى يحرمك ذلك الشّكر، "وكان لغيره ودّهم، فإن زلَّت به النَّعل"، إذا تبدَّلت الأمور وانقلبت الأوضاع، كما لو فقد ماله بعد ذلك، "احتاج إلى معونتهم، فشرّ خدين وألأم خليل"2، كانوا شرَّ الأصدقاء والأصحاب.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 14.
السيد محمد حسين فضل الله
---------------------------------
[1]نهج البلاغة، خطب الإمام (ع)، ج4، ص 36.
[2]نهج البلاغة، خطب الإمام (ع)، ج2، ص 7.