ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ ـ عليه السلام ـ أنه قال: "العادَةُ عَدُوٌّ مُتَمَلِّكٌ".
العادةُ: نَمَطٌ من السلوك، أو التصرف، يُعْتادُ حتى يُفعَلَ تكراراً من غير جهد، وقد تصل إلى حدِّ أن يُدمِنَ المرء عليها فيصعب عليه الإقلاع عنها والانفكاك منها، فيستسلم لها، بحيث يصبح عيشه متوقفاً عليها عضوياً ونفسياً، لأنها تؤثِّر على عمل الجسم والدماغ، بحيث يجد مبرراً وحافزاً مقنعاً لتكرارها على الرغم من معرفته بأضرارها وعواقبها الوخيمة، فيعجز عن التحرر منها إلا إذا كان ذا إرادة قوية وعزم متين.
وبهذا نفهم معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام : "العادَةُ عَدُوٌّ مُتَمَلِّكٌ" والعادة التي وصفها الإمام بهذا الوصف هي العادات السلبية، لأنها توقع الإنسان في مُرديات أهوائه وشهواته، أما العادات الإيجابية فمن الضروري أن يُعَوِّد المَرءُ نفسه عليها حتى تصير طبعاً ثانياً له.
إن أردنا أن نفهم بلاغة الوصف العَلَوي للعادة السيئة بأنها عدو متملك، يكفينا أن نراقب حال أولئك الذين ابتُلوا بالإدمان على تعاطي المخدرات وشرب المسكرات، فسنرى أحوالَهم بئيسة تعيسة شَقيَّة قَلِقَة، فمضاعفات تعاطيها مدمِّرة من حيث التغير في شخصية المتعاطي، والتدني في أدائه العملي، وأعراضها الذهنية خطيرة من حيث البَلادة والضياع وغياب الوعي وفُقدان القدرة على الفهم الصحيح للأمور، والحكم الصحيح عليها، وتَوَقُّف بعض الخلايا العصبية في المُخِّ، بل اختلال عمله، الأمر الذي يؤدّي إلى اختلال عمل البدن برمته، وأما أعراضها البدنية فخطيرة كذلك من ضَعف المناعة، والإصابة بالأمراض الجنسية، والأمراض الفيروسية، والتهاب الكبد، واعتلال القلب، والعُقم، فضلاً عن الآثار الاجتماعية الخطيرة. فكيف لا تكون هذه العادة الخطيرة عدواً تملَّك المعتاد؟!
وإن نظرنا إلى المعتادين على القِمار فآثاره تبدأ من الإفلاس المادي، وتَمُرُّ بالانفعالات النفسية الدائمة، والاكتئاب، والصُّداع، والضِّيق، وقِلَّة النوم، وتَقَلُّب المِزاج، واختلال النظام المناعي للبدن، والاضطرابات المَعَوية، واليأس، وتفَكُّك الأُسَر، وقد تدعو المقامر الخاسر إلى السَّرِقة، والقتل، وقد تصل به إلى الانتحار. فكيف لا تكون هذه العادة القاتلة عدواً مُتَمّلِّكاً.
ولننظر إلى المُدمنين على الدخول إلى المواقع الإباحية فسنجدهم مُصابين بانعدام الحَياء والعِفَّة، متوترين نفسياً، مكتئبين، فاقدين للثقة بالنفس، يميلون إلى العدوانية، ويجنحون إلى العنف والسلوك العدواني، وإن كانوا متزوجين فغالباً ما يؤدي بهم الإدمان على ذلك إلى الجَفاء مع الزوج، وصولا إلى الطلاق، والانسحاب التدريجي من الحياة العائلية والاجتماعية، والتقوقع والانعزال بهدف تغذية حاجاتهم الجنسية التي غالباً ما يغذّونها بممارسة العادة السرية، وهي بدورها تسبب متاعب للبدن وضَعفا له، فتنخفض رغبتهم في الطعام، ويبتلَوا بالشرود الذهني، وقلة التركيز، وتنخفض قدرتهم على التذكر، ويصعب عليهم استقبال المعلومات وحفظها، فإن لم تكن هذه العادة عدوا متملكاً فماذا عساها تكون.
ويجدر بالذكر أن الإدمان على عادة سلبية ما، هو إدمان مُتنامٍ، أي أن الدماغ سوف يطلب المزيد من تلك العادة، والمزيد من التنوع فيها والمزيد من الوقت المخصص لها، وهنا ينتهي دور الشخص إلى آلة بيد تلك العادات لا حول له ولا قوة.
بقلم الباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي