القراءات لغةً : جمعُ قراءةٍ، وهي: مصدرٌ للفعل الثلاثيّ: قرأ، فيُقال: قرأ، قراءةً، وهي بمعنى الجمعُ، والضمّ، والقراءات في اصطلاح العلماء يُراد بها: العلم الذي يبحث في كيفيّة نطق كلمات القرآن، وطريقة الأداء، من حيث الاتفاق والاختلاف، مع نسبة كلّ طريقةٍ إلى مَن نقلها.
الحكمة من تعدّد القراءات
وتكمُن الحكمة من تعدّد القراءات القرآنية واختلافها في العديد من الأمور، فيما يأتي بيان البعض منها:
1 ـ التسهيل والتيسير على المُسلمين في قراءة كتاب الله، بما يُوافق لهجاتهم، فالحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرفٍ مراعاةً لاختلاف لهجات العرب.
2 ـ الإضافة والزيادة في المعاني المُستنبطة من كتاب الله، وبذلك اعتمد العلماء في الترجيح بين الأقوال في كثيرٍ من المسائل الفقهيّة، بناءً على القراءة التي فيها زيادة بيانٍ أو استدلالٍ للمسألة، فتقوم القراءة مقام الآية المستقلّة، في إضافتها لمعانٍ وأحكامٍ جديدةٍ.
3 ـ زيادة الثواب المترتّب للأمّة بالنظر إلى مسؤوليّتها في حِفْظ القراءات، وتعليمها، ونشرها، ونقلها، مع كامل الضبط والإتقان.
4 ـ إثراء اللغة ببيان الأوجه المتعدّدة الصحيحة لبعض المسائل اللغوية، والاستدلال عليها بشواهد قرآنيّةٍ.
5 ـ بيان وإبراز إعجاز القرآن الكريم؛ فرغم اختلاف القراءات فيه؛ فإنّه لم يستطع أحدٌ إيجاد أيّ خللٍ أو عيبٍ فيه.
أنواع القراءات القرآنيّة
وتتفرّع القراءات القرآنيّة من حيث طُرقها وإسنادها إلى أربعة أنواعٍ، بيانها فيما يأتي:
القراءات المتواترة
وهي القراءات التي تحقّق فيها شرط التواتر، من نقل الجَمْع عن الجَمْع، بحيث يُؤمن تواطؤهم على الكذب، ويتمثّل ذلك فيما اتّفق عليه جميع رواة الأسانيد، في نَقْله عن القرّاء، وينحصر هذا النوع في القراءات العَشْر، وحصره بعض العلماء في القراءات السَّبْع.
القراءات المشهورة
وهي القراءات التي لم تَصْل حدّ التواتر، إلّا أنّها صحيحة السند، واشتُهرت وعُرِفت بين القرّاء، ويُشترط فيها أن تكون موافقةً للغة العربية، مع موافقة رسم المصحف العثمانيّ.
القراءات الآحاد الصحيحة
وهي صحيحة السند، لكنّها خالفت شرط المشهورة؛ بمخالفة الرَّسْم العثمانيّ، أو اللغة العربية.
القراءات الشاذّة
وهي التي لم يصحّ سندها.
القراءات الموضوعة
وهي القراءات التي تُنسب إلى قائلها دون أصلٍ.
القراءات المُشابهة لمُدرج الحديث
وهي القراءات التي تقع الزيادة فيها، على وجه تفسير بعض كلمات القرآن.
الفرق بين القراءات المتواترة والشاذة
يفرّق بين القراءة المتواترة والقراءة الشاذّة بعدّة أمورٍ؛ منها:
تُسند وتُنسب القراءة المتواترة للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، بعكس القراءة الشاذّة؛ إذ لا يصحّ إسنادها ونسبتها للنبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-.
يُتعبّد بالقراءة المتواترة؛ فتُقرأ في الصلاة، ويُثاب العبد على قراءتها، أمّا القراءة الشاذّة؛ فلا تصحّ بها الصلاة، ولا ثواب في قراءتها.
يستعين المفسّر بالقراءة المتواترة في فَهْم مقاصد القرآن الكريم، ومعانيه، بينما لا يُستعان بالقراءة الشاذّة على فَهْم كتاب الله.
الفرق بين القراءات السَّبع والحُروف السَّبعة
أخرج الإمام البخاريّ عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ علَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ، فاقْرَؤُوا منه ما تَيَسَّرَ).
وقد اتّفق العلماء على أنّ الأحرف السَّبعة ليست القراءات السَّبع المعروفة؛ لوجود قراءاتٍ أخرى غير السَّبع التي اشتُهرت بسبب جَمْع الشاطبيّ لها، واشتهارها عنه، إلّا أنّ العلماء اختلفوا في وجود الأحرف أم نسخها؛ وذهبوا في ذلك لقولَين:
الأوّل: توزّع الأحرف السبعة على القراءات القرآنيّة الموجودة، بالنظر إلى أنّ الاختلافات الحاصلة بين القراءات إنّما مرجعها ومردّها للاختلاف في الأحرف.
الثّاني: نَسْخ الأحرف الستّة، والبقاء على حرفٍ واحدٍ، وهو الحرف الذي كُتب به مصحف عثمان -رضي الله عنه-، وهو قَوْل [ابن جرير الطبري|ابن جرير] الطبريّ.
القرّاء السبعة
القرّاء في اللغة: جمع قارئٍ، وهو اسم فاعلٍ للفعل قرأ، والقارئ في اصطلاح الشَّرع: أحد الأئمة الذين تُنسب إليهم القراءات المشهورة، والقرّاء السَّبع هم:
نافع بن عبدالرحمن بن أبي نُعيم المدنيّ
وقد كان يُقرئ المُسلمين بكلّ القراءات، إلى أن انتهى إليه علم الإقراء في المدينة المنوّرة، فكان أحد الأعلام، وأحد القرّاء السبعة، واستمرّ في الإقراء لأكثر من سبعين سنةً.
وكان قد تلقّى القراءة على عددٍ كبيرٍ من التابعين؛ مثل: الأعرج عبدالرحمن بن هرمز، وأبي جعفر يزيد بن القعقاع، وشيبة بن نِصَاح، ويزيد بن رومان، ومسلم بن جندب، كما روى عنه عددٌ كبيرٌ من الرّواة؛ أشهرهم: قالون، ووَرْش.
عبدالله بن كثير المكيّ
كان فصيحاً، بليغاً، واعظاً، وَرِعاً، من أكبر أئمة الإقراء في مكّة، وهو أحد التابعين من الطبقة الثانية، وقد لَقِيَ عدداً من كبار الصحابة -رضي الله عنهم-، وقرأ عليهم؛ كعبدالله بن الزُّبير، وعبدالله بن السائب، وأنس بن مالك.
كما قرأ على عددٍ من التابعين؛ كمُجاهد بن جبر عن ابن عباس، وعلى درباس مولى ابن عباس، وأشهر رواته هما: أحمد بن محمد البزيّ، وقُنبل محمد بن عبد الرحمن.
أبو عمرو زبَّان بن العلاء البصريّ
وقد كان -رحمه الله- فصيحاً، صادقاً، زاهداً، عابداً، واسع العلم، إمّاماً في اللغة، والشَّعْر، والقراءة.
وقد انتهت إليه إمامة الإقراء بالبصرة، وكان من أكثر القرّاء شيوخاً؛ إذ قرأ على قرّاء الحجاز، والكوفة، والبصرة، ومنهم: سعيد بن جُبير، ومُجاهد بن جبر، وأبي جعفر يزيد بن القعقاع، ويحيى بن يَعمر، وعاصم بن أبي النُّجود، ومن أشهر رواته: حفص بن عُمر الدُّوريّ، وصالح بن زياد السوسيّ.
عبدالله بن عامر الشاميّ
وكان -رحمه الله- من أعلى القرّاء سنداً، حيث لقيَ عدداً من صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد جمع بين القضاء والإقراء، بل انتهت إليه إمامة الإقراء في الشّام، وكان إماماً للمسلمين في المسجد الأمويّ.
وكان يصلّي خلفه الخليفة عُمر بن عبدالعزيز أيّام خلافته، وقد قرأ الشاميّ على أبي هاشم المُغيرة بن أبي شهاب، الذي أخذ القرآن عن عثمان بن عفّان، ومن الصحابة الذي قرأ عليهم: عُويمر بن زيد، والنّعمان بن بشير، ومُعاوية بن أبي سفيان، وفضالة بن عُبيد، ومن أشهر رواته: هشام بن عمّار، وابن ذكوان عبدالله بن أحمد.
عاصم بن أبي النَّجُود الكوفيّ
كان -رحمه الله-، فصيحاً، مُتقناً للتجويد، مُحرّراً، أحد التابعين، ومن أحسن الناس صوتاً بتلاوة كتاب الله، وقد انتهت إليه مشيخة الإقراء في الكوفة.
وقد قرأ على أبي عبدالرحمن السلميّ، وزرّ بن حُبيش، وأبي عمر سعد بن إلياس الشيبانيّ، الذين أخذوا القرآن عن عثمان بن عفّان، وابن مسعود، وعليّ بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-، عن رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم-، ومن أشهر رواته: شُعبة بن عيّاش، وحفص بن سليمان.
حمزة بن حبيب الكوفيّ
كان -رحمه الله- ثقةً، حُجّةً، عالماً باللغة، مُتقناً للفرائض، حافظاً لحديث رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم-، من أكبر أئمة الإقراء في الكوفة، وكان قد قرأ على سليمان بن مهران الأعمش، وأبي حمزة حمران بن أعين، وأبي إسحاق السُّبيعيّ، ومحمد بن أبي ليلى، وطلحة بن مَصرف، وجعفر الصادق، ومن أشهر رواته: خلف بن هشام البغداديّ، وخلّاد بن خالد الكوفيّ.
علي بن حمزة الكسائيّ الكوفيّ
كان -رحمه الله- عارفاً باللغة، عالماً بالفقه، من أعلم النّاس بكتاب الله، ومن أكبر أئمة الإقراء في الكوفة في زمانه، وقد أخذ القراءة عن الإمام حمزة، ومحمد بن أبي ليلى، وعيسى بن عمر الهمذانيّ، وشُعبة أبي بكر بن عيّاش، وإسماعيل بن جعفر، وزائدة بن قدامة، ومن أشهر رواته: الليث بن خالد، وحفص الدُّوريّ.
المصدر: ammonnews.net