البث المباشر

الاستبدادية في العهدين الأموي والعباسي

الأحد 27 يناير 2019 - 09:16 بتوقيت طهران

الحلقة 98

التجربة السياسية في تاريخ المسلمين تدل على‌ ان الذين استولوا على الحكم منفصلين عن منهاج الانبياء ‌واوصياء الانبياء(عليهم السلام) قد مالوا الى لون من انظمة الحكم يقوم على الفردية والحكم المطلق والاستبداد وهؤلاء الحكام اضافوا على سرقتهم للحكم واستبدادهم به رذيلة اخرى حين ارادوا الظهور امام الناس بالمظهر الديني وزعموا انهم ظل الله وانهم يحكمون بأسمه تعالى وانه سبحانه هو الذي اختارهم للسلطة وكان هذف الحاكم المستبد من وراء هذا الزعم الكاذب واضحاً لاصحاب البصائر ومن هنا كانت مثلاً حركة الامام الحسين (عليه السلام) يوم خرج في عام ٦۱ للهجرة لطلب الاصلاح في امة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) امراً بالمعروف ناهياً عن المنكر وابرز شكل من اشكال انظمة الحكم الاستبدادية ما كان عليه نظام الحكم الاموي ثم نظام الحكم العباسي من بعده، وقد وصلنا في اللقاء السابق الى حقائق حول النموذج الاموي والنموذج العباسي في الحكم:
كان اول: هذه الحقائق ذلك الانفصال الصارخ بين التعاليم الاسلامية بشكل الحكم وخصائص الحاكم وبين الواقع التاريخي الذي كان عليه الحكام المتسلطون مما يعني ان استحواذ اولئك الحكام المستبدين على مصائر المسلمين محض سرقة للحكم ومحض تزوير.
والحقيقة الثانية: هي ان حرية الرأي في ظل حكم الطاغية مرتبطة بمزاج الحاكم شخصياً لا تخضع لقواعد ولا مباديء معلومة وقد رأينا ان المنصور العباسي كان يتسم بضيق الصدر سياسياً فكان لا يطيق كلمة اعتراض وكان يقتل على الظن والتهمة ولا يرحم احداً وكان ينشد الطاعة المطلقة والتسليم لكل اجراءاته.
وثالثة: الحقائق المتصلة بحكم الطاغية انه لا يهتم ابداً برضى الناس وقبولهم وما عليهم الا السمع والطاعة‌ مادام بيده المال والسلاح للاغراء والارهاب ويمثل الاستبداد لديه نوعاً من القوة والفحولة والسطوة والهيمنة ويرى في سماع صوت الاخرين ضعفاً لا يجوز له ان يمارسه مادامت السلطة والتسلط غايته الكبرى في الحياة.
والحقيقة الرابعة: تتفرع عن الثالثة وهي ان الحاكم المستبد لا يخضع للمسائلة او المحاسبة او المراقبة الحاكم المستبد لا يسأل عن تصرفاته وله الحق في ان يحاسب من يشاء ويعاقب من يشاء بأي طريقة ترضي نزواته العدوانية، ان نظرية الحكم عند الامويين والعباسيين تشبه تماماً نظرية الحق الالهي التي كانت سائدة في عهد الساسانيين والتي انتشرت في اوربا في بداية العصور الحديثة وقد كان الخليفه مصدر كل قوة كما كان مصدراً لكل الاوامر المتعلقة بأدارة الدولة واحتجب الخليفه عن الناس واخذ الوزير والسياف فأحيطت شخصيته بالقداسة والرهبة.
الحقيقة الاخرى: المتصلة بشكل الحكم الفردي المستبد هي ان اثر الطغيان لا يكون اثراً سلبياً على حرية الفكر وحسب وانما يترك آثاره السيئة على اخلاق المفكرين والادباء والشعراء وكثيراً من الفقهاء بشكل عام مثلاً ان الادب في العصر العباسي اتجه معظمه الى مشايعة رغبات القصر يذم الشعراء من ذمهم الحكام ويمدحون من رضوا عنه فاذا خرج محمد بن عبد الله ابن الحسن هجاه الشاعر ابن هرمه واذا رضي المعتصم عن الافشين فقصائد ابي تمام تترى في مدحه واذا غضب عليه بعدئذ وصلبه فقصائد ابي تمام ايضاً تقال في ذمه وتكفيره، ويرضى هارون العباسي عن البرامكة فهم معدن الفضل ويقتلهم فهم اهل الزندقة والشرك وهكذا وقف الادب او اكثره يخدم الشهوات والاغراض ولم يشبه الاقلة قليلة من امثال دعبل الخزاعي والسيد الحميري من الذين جاهروا يقول كلمة الحق وتعرضوا للمهالك والاخطار.
وقد انشأ العباسيون ادارة للبحث عن الزنادقة وتعقيبهم ومعاقبتهم وافرطوا في قتل المتهمين ومنهم من قتل ظلماً وعدواناً وكان الداعي الى قتله اسباباً سياسية لكنهم قتلوهم تحت شعار الزندقة استمالة للعامة، وهؤلاء الحكام لوحدث ان يسمحوا بحرية الرأي في كل شيء لما سمحوا بها في موضوع نقد الحاكم او معارضته او اضعاف ملكه فأذا مس الانسان هذه الناحية فأن العقوبة الشديدة تنتظره وقد حدث ان امتنعت بعض الشخصيات ايام العباسيين عن الامتثال لرغبة الحاكم في تولي القضاء فواجهوا العقاب والواقع ان امتناعهم عن هذا المنصب الحكومي هو مظهر من مظاهر عدم تعاونهم مع الدولة القائمة والجمهور يرى ان هؤلاء اذا امتعوا فأن الدولة ظالمة لا تحكم بالعدل لأن امتناعهم قد يدل على رغبتهم الخفية في نصرة اعداء الظلم العباسي العلويين ومن هنا توسع نطاق الاتهام بالزندقة وانشأت الدوائر الخاصة بهذا الامر، والحقيقة الاخرى في مثل هذه الدولة انه ليس هناك كبيراً او شخصية محترمة سوى الحاكم الاوحد الذي بيده ازمة الامور كلها اما سائر الناس فهم بمعنى او بآخر عبيد لهذا الحاكم فيمكن ان يسجن اي شخص او يدس السم في طعامه او ان يضرب او يجلد فلا كرامة ولا اعتبار ولا قيمة الا للذات العلية وحدها المتمثلة في الطاغية نفسه الذي هو مصون غير مسؤول بل ان هذا الحاكم المطلق قد يعن له ان يعصف بمن عونوه وساعدوه او من مدحوه كما عصف المنصور بأبي مسلم الخراساني بعد ان مكن العباسيين تثبيت سلطتهم، وقد قام العباسيون بأهانة وقتل كثير من الوزراء الذين كانوا يعملون معهم فقل ان ترى وزيراً في العصر العباسي مات حتف انفه فأول وزير لاول حاكم عباسي قد اوعز السفاح الى ابي مسلم الخراساني يقتله ففعل واستوزر ابو جعفر المنصور ابا ايوب سليمان المورياني ثم قتله وقتل اقاربه وصادر اموالهم ونكبة الرشيد للبرامكة الذين كان منهم الوزراء معروفة مشهورة واستوزر المأمون الفضل بن سهل ثم اوعز بقتله واجير هذا المارد المأمون الامام الرضا (عليه السلام) على قبول ولاية العهد ثم دس له السم وقتله.
وقد بلغ الحال من تعرض الوزراء في ذلك العصر للقتل ان كان قراد يقول لقرده في الشارع اتريد ان تكون عطاراً فيوميء القرد برأسه ان نعم، اتريد ان تكون نجاراً فيوميء ان نعم، ثم يعدد له الصنائع والحرف ويظهر القرد موافقته على كل حرفة منها وكل صنعة فيقول له في النهاية اتشتهي ان تكون وزيراً فيوميء القرد برأسه ان لا، ثم يصيح القرد ويهرب من يد القراد فيضحك الناس لمشاهدتهم هذا النقد السياسي.
ومما لا ريب فيه ان هذه الصور من نظام الحكم الفردي الاستبدادي الذي مارسه الامويون والعباسيون مما لا صلة له بالاسلام والقرآن وكل ما في الامر ان اولئك الحكام الغاصبين قد لبسوا زوراً جبة الاسلام من اجل خداع العامة واستمالتهم وليقطعوا الطريق على طلاب الحق المعارضين لسياسة الظلم والاضطهاد والاستعباد ومن هنا ترى حكام بني امية وبني العباس يسرقون الالقاب الاسلامية ويطلقونها على انفسهم فالحاكم المستبد الفاسد هو خليفة وهو امير المؤمنين وهو ظل الله وكل ما يفعله مقدس ينبغي ان يطاع، في الوقت الذي يمارسون فيه اسوء انواع الفساد الخلقي والافساد الديني المبطن ويقتلون فيه ائمة الحق واشياع الصدق ويمارسون التجبر على عباد الله بمختلف الوسائل ويقطعون رأس كل من وقع في ظنهم انه ينقدهم او يتطلع الى الحكم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة