البث المباشر

سمات الطاغية في الآدب الاغريقي

الأحد 27 يناير 2019 - 09:16 بتوقيت طهران

الحلقة 97

من يتابع التاريخ السياسي للعالم تلفته ظاهرة غريبة تتلخص في ان صفة الطاغية كانت في الغالبية العظمى للحكام الذين حكموا الشعوب في الشرق وفي الغرب ويلاحظ ايضاً ان هؤلاء الطغاة كانوا موضوعاً للكراهية والخوف ولم يكونوا ابداً موضوعاً للحب والاعجاب ومما يدل على هذا في الحياة الغربية ان القوانين الدستورية لم تصدر الى بعد ثورات شعبية او بعد ضغوط قوية على الحكام فقانون العهد الاعظم الذي صدر في انجلترا عام ۱۲۱٥ للميلاد هو اول وثيقة مدونة بعد ثورة الاشراف والكنيسة على الملك جون فتحررت الكنيسة وتحددت حدود الملك الاقطاعية ويدل على ذلك ايضاً الثورة الكبيرة التي قامت في فرنسا عام ۱۷۸۹ للمطالبة بحقوق الشعب والعمل على احترام حريته وصدر اعلان حقوق الانسان الذي اصبح وثيقة عالمية اخذت عنه مختلف الدساتير الاوروبية.
يبدو ان الطغيان هو اقدم النظم السياسية عن اليونان وفي الشرق ويبدو ان الشاعر اليوناني ارخيلو خوس كان اول من استخدم كلمة طاغية عندما اطلقها على الملك جيجز ملك ليديا الذي اطاح بملكها السابق واستولى على الحكم بيد انه من غير الواضح المعنى المراد انذاك من كلمة الطاغية اكان يراد بها المغتصب ام الملك فقط ويبدو ان كلمة طاغية في بداية استخدامها لم تكن تعني بالضرورة حاكماً شريراً فقي العصور اليونانية وعلى التحديد في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد كانت الكلمة تعني في بعض استخداماتها الملك او الحاكم ثم بدأت الكلمة تحمل معنى كريهاً هو الذي لا تزال تحمله الى الان ابتداءاً من الجيل الثاني من طغاة الاغريق اذ سرت موجة من الكراهية لكل من يتوسم فيه انه يعمل على تنصيب نفسه طاغية ومع هذا استخدم اسخيلوس وسوفوكليس في القرن الخامس قبل الميلاد كلمة طاغية لترادف كلمة الملك غير ان فلاسفة القرن الرابع قبل الميلاد لا سيما افلاطون وارسطو اعلنوا بوضوح حاسم التفرقة بين اللفظتين فلفظة ملك تطلق انذاك على الحاكم الجيد او الصالح في حين تطلق لفظة طاغية على الحاكم الفاسد او الشرير، وعندما اعتزل صولون السياسة وتفرغ للشعر كان يشير الى انه رفض اكثر من مرة ان يكون طاغية ويمكن ان نفهم ما الذي كان يعنيه الطغيان في ايثنا في ذلك الوقت، كان صولون يقصد انه كان متساهلاً للغاية مع الارسطو قراطيين وانه رفض مصادرة املاكهم واراضيهم واعادة توزيعها كما هي عادة الحكام الطغاة انذاك حين يصلون الى الحكم وهذا هو ما فعلوه كبس اليوس طاغية كورنثا الشهير عام ٦٥۰ قيل الميلاد وهو الذي يفتتح به المؤرخون عصر طغاة الاغريق وخلفه ابنه بريا ندر الذي مات سنة ٥۸٥ قبل الميلاد وقد اهتمت معظم الاداب القديمة التي تحدثت عن الطغاة اهتماماً خاصاً بالفرص غير العادية المتاحة امامهم للاستمتاع باللذات الحسية المختلفة فمن هنا كان افلاطون بارعاً عندما قال ان غاية الحكم اشباع شهوات الحيوان الاكبر وعندما فسر صولون لاصدقاءه سبب رفضه لوظيفة الطاغية ركز كل حديثه حول المغريات المادية التي يكون الطغاة قلقين بشأنها ، هذا من حيث السلوك العملي اما من حيث الشكل الدستوري لهذا اللون من الوان الحكم فأنه لم يكن للطاغية دستور ولا موقع رسمي محدد الصلاحيات، المهم لديه ان السلطة تتمركز في يده فلا قانون الا ما يأمر به حتى لو خالفت اوامره القوانين القديمة للبلاد بل انه هو نفسه قد يصدر امراً او قانوناً جديداً بشأن مسألة ما تخالف ما اصدره من قبل فلا غرابة اذا ما اتسم حكم الطغاه بالتناقض الواضع وقد تكون القوانين والقرارات التي اتخذها مبينة على الانفعال والانفعال بطبيعته وقتي متقلب وقد يكون ما يتخذه من قرار بالغ الخطورة لانه يرتبط بحياة الناس.
وبمرور الزمن اصبح الحكم الذي ينفرد به رجل واحد امراً بغيضاً في اليونان ومن ثم ازدادت الكراهية للطغيان بل اصبح قتل الطاغية واجباً وطنياً وفي القرن الرابع لحصت الفلسفة اليونانية ممثلة في افلاطون وارسطو هذه الكراهية للطاغية الذي غدا حكمه اسوء انواع الحكم على ظهر الارض.
والخلاصة يا اخي ان الطغيان الاغريقي له سمات عامة يمكن استخلاصها من تاريخ اولئك الطغاة ومن سيرتهم واهم هذه السمات:
اولاً: ان الطاغية يصل الى سدة الحكم بطريق غير مشروع كأن يأتي بوساطة المؤامرات او الاغتيالات او القهر والغلبة بطريق ما وبأختصار ان الطاغية شخص لم يكن من حقه ان يحكم لو سارت الامور سيراً طبيعياً لكنه قفز الى منصة الحكم بطريق غير شرعي وهو لهذا يتحكم في شؤون الناس بأرادته هو لا بأرادتهم ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم وهو يعلم من نفسه انه الغاصب والمعتدي فيضع كعب رجله في افواه ملايين الناس ليمنعها عن النطق بالحق.
ثانياً: ان الحاكم الطاغية لا يعترف بقانون او دستور في البلاد بل تكون ارادته هي القانون الذي يحكم وما يقوله هو يغدو امراً واجب التنفيذ وما على المواطنين الا السمع والطاعة.
ثالث: سمات الطاغية اليوناني انه يسخر كل موارد البلاد لاشباع رغباته وملذاته او متعه التي هي غالباً ما تكون حسية متدينة وقد يكون من متعته طموحاته في توسيع مملكته وضم المدن المجاورة او الاعتداء على بعضها لتدعيم ثروته او لأقامة امبراطورية يحلم بها.
السمة الرابعة: ان مثل هذا الحكم ينفرد بخاصية ‌اساسية في جميع العصور وهي انه لا يخضع لاي نوع من المسائلة او المحاسبة او الرقابة والواقع ان الطغيان في اي عصر هو صفة للحكومة المطلقة العنان التي تتصرف في شوون الناس كما تريد بدون خشية من حساب ولا عقاب والحكومة لا تخرج عن صفة الطغيان هذه اذا لم تكن تحت المراقبة والمحاسبة.
نحن لا نستغرب حين نقرأ في مصادر التاريخ ان الوليد بن يزيد مثلاً استفسر ذات مرة متسائلاً بأندهاش فقال يمكن للخليفة ان يحاسب؟ اي هو يستنكر الحساب من الله تعالى فما بالك من الحساب من الناس.
اما السمة الخامسة‌: من سمات نظام حكم الطاغية كما عرفته بلاد اليونان ففيما يفترب الطاغية من التأله ومنه امتدت هذه السمة الى كثير من طواغيت التاريخ في القديم وفي الحديث، الطاغية يرهب الناس بالتعالي والتعاظم ويذلهم بالقهر والقوة وسلب المال حتى لا يجدوا ملجأ الا التزلف له والتملق وربما اختلط على بعض عوام الناس الاله المعبود والمستبدون من الحكام ولهذا خلعوا على المستبد او الطاغية من صفات الله سبحانه وتعالى شأنه عُلُوًّا كَبِيرًا مثل ولي النعم والعظيم والا وحد والى آخر قائمة الالقاب تمنح للطاغية زيفاً واغتصاباً وما من مستبد سياسي الا ويتخذ له صفة قدسية يشارك فيها الله عزوجل وبهذا يصبح الحاكم هو القاهر الواهب المانع الجبار المنتقم المقتدر المهيمن المهيب فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة