البث المباشر

البيعة والاستبداد في نظام الحكم الأموي

الأحد 27 يناير 2019 - 09:11 بتوقيت طهران

الحلقة 96

في ضمن النهج الاستبدادي في نظام الحكم يبرز الحكم الاموي في تاريخ كواحد من الانظمة الشديدة الجنوح الى‌ التجبر والطغيان منذ الساعات الاولى لتكوين هذه الدولة التي ولدت ولادة غير شرعية عبر التمرد على الخيفة الشرعي الواقعي في تاريخ الاسلام.
منذ البداية قال معاوية‌ بن ابي سفيان مؤسس دولة الامويين وهو يخاطب رجال قريش في المدينة اما بعد فأني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة، وقد وضع الامويون ثلاثة نظريات تبرر استيلاءهم السلطة الاولى ان الخلافة حق من حقوقهم الثانية انهم اشاعوا في اهل الشام انهم نالوا الخلافة لقرابتهم المدعاة من النبي (صلى الله عليه وآله) والثالثة انهم استخدموا نظرية ان الله اختارهم للخلافة واثاهم الملك، فقد كان معاوية في نظر انصاره خليفة الله على الارض وكان ابنه يزيد امام المسلمين وكان عبد الملك بن مروان امين الله وامام المسلمين، ولا نريد ان نتبع حكام بني امية او سيرهم فهي معروفة مشهورة في التاريخ لكنا نسوق هنا ملاحظات الاولى اننا ازاء حكم بني امية امام نظام استبدادي لا ريب ذلك ان السلطة المستبدة هي تلك التي تمارس حكم الناس دون ان تكون هي ذاتها خاضعة للقانون فالقانون في نظر هذه السلطة قيد على المحكومين دون ان يكون قيداً على الحاكم ومن هنا ففي وسع هذه السلطة ان تتخذ ما تشاء من اجراءات او مواجهة الافراد لمصادرة حرياته او ممتلكاتهم.
ان حياة المواطن في دولة الطاغية ملك يمين الحاكم فلا ينقذه الا الله جل وعلا او يلجأ المحكوم الى المراوغة عن طريق السرعة بديهته، تأمل في هذه القصة: اوتي عبد الملك بن مروان برجل كان مع بعض من خرج عليه فقال: اضربوا عنقه.
فقال الرجل: يا امير المؤمنين ما كان هذا جزائي منك.
فقال: وما جزاءك.
فقال: والله اني ما خرجت من فلان الثائر الا من اجلك وذلك اني رجل مشؤوم ما كنت مع رجل قط الاغلب وهزم وقد بان لك صحة ما دعيت فضحك عبد الملك وخلا سبيله.
وهكذا نرى ان هذا المتربع على حكم المسلمين يطلق بعض المعارضين لظرفهم ودعابتهم اما من اصر على اعلان رأيه فقد انتهى امره، دخل احد هم على الوليد وعنده وجهاء اهل الشام فقال له الوليد ما تقول فيّ فقال: ظالم جائر جبار، قال وما تقول في عبد الملك قال: جبارعات.
قال فما تقول في معاوية قال: ظالم عندها قال الوليد للسياف اضرب عنقه فضرب عنقه.
والخطير في الامر انه ليس ثمة ما يمكن ان يرجع اليه المواطن او يشكو اليه فالمستبد هو المرجع النهائي ومن الجلي ان السلطة تكون استبدادية مادامت لا تخضع في تصرفاتها للقانون ومادام الفرد لا يجد قضاءاً يبطل تصرفاتها اذا كانت على خلاف ما يقضي به القانون والواقع انه لا قانون لدى المستبد الا استبداده واهواءه ونزواته وقد جلد عمر بن عبد العزيز لما كان والياً على المدينة في عهد الوليد، جلد خبيب بن عبد الله بن الزبير حتى مرض ومات وذلك بأمر من الوليد لانه كان يبشر بسقوط دولة بني امية.
الملاحظة الثانية التي نذكر هنا في صدد سلطة الامويين هي ان موضوع البيعة لم يكن اكثر من مسألة شكلية تماماً فالبيعة عادة ما تكون من الناحية النظرية عقد وكالة يقوم على ايجاب من الاصيل وعلى قبول من الوكيل ويتعزل الوكيل اذا عزله موكله وتنتهي وكالته بموته، وليس للوكيل قيمة غيره في مكانه الا برضى الامة وموافقتها هذا من الجانب النظري اما الواقع فهو امر مختلف كل الاختلاف فما البيعة الا تمثيلة صورية بل قد يأخذون البيعة عنوة لطفل صغير على نحو ما حدث عندما عهد المستبد هارون العباسي بولاية العهد من بعده لابنه الملقب بالامين سنة ۱۷٥ للهجرة وكان الابن في الخامسة من عمره.
ونكتفي عند الامويين بهذا المثال الصارخ على شكلية البيعة‌ السياسية للحاكم في عهد سليمان بن عبد الملك بن مروان الذي وصفه السيوطي بأنه كان من خيار بني امية، ان هذا الملك الخير كثيراً يجبر الناس ويرغمهم على ان يبايعوا على ظرف مختوم لا يدري الناس ما فيه، بقول السيوطي في تاريخ الخلفاء انه لما حضرته الوفاة دعا بقرطاس فكتب فيه العهد ودفعه الى احد رجاله وقال اخرج الى الناس فيباعوا على فيه مختوماً فخرج فقال: ان امير المؤمنين يأمركم ان تبايعوا لمن اسمه في هذا الكتاب قالوا:
ومن فيه قال: هو مختوم لا تخبرون بمن فيه حتى يموت قالوا لا نبايع فرجع اليه فأخبره فقال انطلق الى صاحب الشرطة والحرس فأجمع الناس ومرهم بالبيعة فمن ابى اضرب عنقه فبايعوا.
أرأيت اذن الى اي حد تبلغ الاستهانة بالمواطنين والاستخفاف بعقول الرعايا حين يرغمهم الحاكم على ان يوقعوا على بياض فيما يتصل بأخطر القضايا في الحياة السياسية وهي اختيار الحاكم، أيمكن اذن ان يقال: انه كانت هناك بيعة او موافقة او رضي او ما شئت من مصطلحات القبول بين الناس والحاكم.
النقطة الثالثة المتصلة بالاستبداد والطغيان في حكم بني امية هي ان قائلاً قد يقول ان اعمال بعض الحكام الامويين لا تخلو من فوائد للناس وان كان مستبداً من الناحية السياسية او من حيث علاقته بالامة كأن يكسو الحاكم الكعبة بالديباج او يضرب الدنايز عملة للتداول كما يقال عن عبد الملك بن مروان وانه ايضاً اول من رفع يديه على المنبر واول من كتب في صدر الرسائل«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» ولكنه في الوقت نفسه اومن عذر واول من نهى عن الكلام في محضر الخلفاء واول من نهى عن الامر بالمعروف الى آخر قائمة مخالفاته الذميمة.
وقد تكون لابنه الوليد بن عبد الملك اعمال من قبيل توسيع الرقعة الجغرافية لمملكته وكان يختن الايتام ويجعل لهم معلمين وعمر المسجد النبوي ووسعه وجعل رواتب للفقهاء والفقراء ومع ذلك فأن عهد الوليد كما يقول السيوطي يعد اسوء العهود السابقة واللاحقة اذ كان اكثرها تسلطاً واستعباداً واشدها تعسفاً واضطهاداً لان الوليد كان جافاً متعنتاً مستبداً وقد بدأ كبره وعجبه قبل ان يلي الخلافة‌ وعندما تسلط منع الناس من التفكير في السياسة وخنقهم خنقاً وسحق المعارضة سحقاً.
النقطة الرابعة والاخيرة انه لم يكن هناك شيء اسمه حرية الفكر والاستقلال برأي لا يرضى به الحاكم المستبد ولنذكر مثالاً واحداً، كان يوم عيد الاضحى سنه ۱۲۰ للهجرة وفي صلاة العيد وقف خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة يخطب على المنبر فقال في نهاية الخطاب اذهبوا وضحوا بضحاياكم تقبل الله منا ومنكم اما انا فأني مضحي اليوم بالجعد بن درهم فأنه يقول ما كلم الله موسى تكليماً ولا اتخذ خليلاً ثم نزل واستل سكيناً وذبحه اسفل المنبر.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة