البث المباشر

ملامح الحكم الاستبدادي في فلسفة أرسطو

السبت 26 يناير 2019 - 11:50 بتوقيت طهران

الحلقة 86

في الفكر السياسي صور شتى لانواع الحكم الارضي الوضعي تفارق كلها نظام الحكم الالهي الذي بقودة الانبياء والاوصياء (عليهم السلام) بأعتبار ان الحكم الالهي الحق هو الصيغة المثلى لتحقيق العدالة واحترام كرامة الانسان ولتفتيح طاقاته الخيرة، وقد ابتلي الانسان في الارض لما فارق دين الله بأنواع من انظمة الحكم التي تسلطت عليه وحرمته حريته وكرامتها التي وهبها الله تعالى له في اصل الخلقة والتكوين فذاق في خلال تاريخه الطويل الواناً من الظلم والقهر والاذلال التي تبدو كذنها ضريبة لازمة يدفعها الانسان وغماً بسبب اعراضه عن نهج الله وعن حاكمية الله كما جاء في الحديث الشريف «يولى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم».
وقد شهدت الساحة الاوربية عزيزي المستمع على مدى تاريخها وفكرها السياسي انماطاً من الحكم الاستبدادي له وجوه شتى، اتخذ كل وجه منها اسماً خاصاً تحدثنا في لقاء سابق عن نمط حكم الطاغية او نظام حكم الطغيان اما الاستبداد في الفكر السياسي فهو نمط آخر من الحكم الفردي المتسلط فماذا يعني مصطلح الاستبداد؟ كلمة المستبد في الاصطلاح الغربي مشتقة من كلمة يونانية تعني رب الاسرة او سيد المنزل او السيد على عبيده ثم خرجت اللفظة من الاستعمال الاسري الى‌ الاستعمال في الحياة السياسية فأطلقت على نمط من انماط الحكم الملكي المطلق التي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه كأنها سلطة الاب على افراد اسرته او سلطة السيد على عبيده وهذا ينطوي على خدعة يقوم بها الحكام لاستغفال الناس ولضمان خضوعهم واطاعتهم حين يزعمون ان الحاكم هو اب للجميع او هو كبير العائلة ذلك ان تفاوتاً حاداً بين المعنى الاسري للاب والمعنى السياسي للحاكم الذي يظهره الاعلام بمظهر الاب، وقد فرق جون لوك بين طاعة الوالدين وطاعة الحاكم فطاعة الوالد اخلاقية واحترامه واجب اخلاقي ويظل هذا الاحترام حتى بعد ان يبلغ الابن سن الرشد وعلى هذا فالسلطة السياسية وسلطة الاب تختلف كل الاختلاف لانهما تقومان على اسس مختلفة كل الاختلاف وتهدفان الى اغراض متفاوتة. هذا وقد ظهر مصطلح المستبد لاول مرة ابان الحرب الفارسية الهيلينية في القرن الخامس قبل الميلاد وكان ارسطو قد طوره وقابل بينه وبين الطغيان وقال انهما شكلان من الحكم يعاملان الرعايا على انهم عبيد، اما الاستبداد وهو النظام الملكي عند البرابرة كما يقول ارسطو فهو يتسم بسمة آسيوية وهي خضوع المواطنين للحاكم بأرادتهم لانهم كما يزعم عبيد بالطبيعة فالحاكم الاسيوي المطلق هو وحده الحر وهذه الامبراطوريات الاسيوية الاستبدادية معمرة ومستقرة وطويلة الاجل لانها تعتمد على قبول ورضى ضمني من الرعايا الذين يحكمون بوساطة القانون ويتبعون مباديء وراثية في الحكم، ان الاستبداد في الواقع يشبه الطغيان في جانب ويفترق عنه في جانب آخر فأرسطو يقصر مصطلح الطغيان على اغتصاب السلطة في المدينة وهي عملية يقوم بها فرد يعمد الى الخداع والقوة لكي يقفز الى الحكم وكثيراً ما يحدث ذلك بأستخدام مجموعة من الجنود المرتزقة وقد جرت العادة ان يحكم الطغاة لمصلحتهم الخاصة وينعمسوا في اشباع شهواتهم دون ان يكترثوا القانون او العرف ويقيموا سلطتهم بالقهر فليس اسهل عندهم من سفك الدماء ويعتقد ارسطو ان حكم الطغاة غير مستقر بسبب الكراهية التي يبثها الحكم التعسفي وقد ظل مفهوم الطغيان اكثر اهمية في الفكر السياسي الغربي منذ العصر الروماني الى القرن الثاني عشر الميلادي وظهرت نظريات تجير مقاومة الطغاة بل تجير حتى قتلهم.
وكان الاباطرة الييزنطيون عزيزي المستمع اول ما ان ادخل مصطلح الاستبداد او المستبد في قاموس السياسة اذ كانوا يطلقون لقب المستبد كلقب شرف ومع ذلك ظل مصطلح الطغيان طيلة العصور الاوربية الوسطى اكثر المصطلحات استخدامها واوسعها انتشاراً لوصف الحاكم الشرير او المغتصب ثم بدأ مصطلح الاستبداد بالظهور نتيجة لترجمة مؤلفات ارسطو لا سيما كتابه السياسة وكان ماكيافيلي في القرن السادس عشر اول من قارن بين الاستبداد والطغيان عندما قابل بين النظام الملكي في اوربا والطغيان الشرقي في الدولة العثمانية وفي مرحلة لاحقة جاء برنيه الذي رأى ان ادولة العثمانية التي بلغت ذروة قوتها في القرن السابع عشر اصبحت نظاماً سياسياً جديراً بالدراسة والمناقشة فكان لابد من الكشف عما في هذا النظام من نقائص وعيوب لتكون خصائص عامة لجميع الامبراطوريات الشرقية العظمى، وقد طور جان بودان نظرية جديدة عن الاستبداد مستخدماً حججاً من القانون الروماني لتبرير الاستبداد الذي ينشأوا نتيجة حق المنتصر في الحرب في السيطرة على المهزوم بما في ذلك حقه في استعبادة ومصادرة ممتلكاته او نتيجة لموافقة المهزوم على استعبادة في مقابل الابقاء على حياته وحقن دمه، ولكن ظهور مصطلح الاستبداد في قاموس الفكر السياسي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر يرجع الى مونتي سيكيو الذي جعل الاستبداد احد الاشكال الاساسية الثلاثة للحكم الى جانب الحكومتين الملكية والجمهورية بيد ان مونتي سيكيو ينتهي الى ان الاستبداد نظام طبيعي بالنسبة الى الشرق لكنه غريب وخطر على الغرب لكن غالب المفكرين هاجموا نظرية مونتي سيكيو هذه عن الاستبداد الشرقي ووجدوه لا ينطبق على امبراطورية مثل الامبراطورية الصينية وذهب كونستانت الفرنسي الى ان الاستبداد والطغيان نظامان باليان لا يجوز تطبيقهما الا على النظم السياسية القديمة‌ ودعا الى حكم ملكي دستوري الملك فيه يملك ولا يحكم وان السلطة يجب ان يبقى سلطة الشعب وتابعه توكفيل على ذلك بيد انه شخص اخطار الحرية التي تفرضها الديمقراطية ونص على‌ الاستبداد الديمقراطي وطغيان الاغلبية وقد اعاد هيغل وماركس التصنيفات القديمة واصبح الطغيان والاستبداد في نظرهما هو نظام الحكم الطبيعي للشرق اما هيغل فقد وصف حركة التاريخ بأنها مسار الروح من الشرق الى الغرب عبر حلقات متتابعة تمثل درجات مختلفة من الوعي والحرية فالحكم الاستبدادي في الصين مثلاً يتربع فيه الامبراطور على قمة البناء السياسي يمارس حقوقه بطريقة الاب مع ابناءه وهنا يكون الخلط بين المفهوم الاخلاقي والمصطلح السياسي وهو ينظر الى المواطنين على انهم قصر وان الشعب يرى انه لم يخلق الا ليجر عربة الامبراطور وهذا هو قدره المحتوم وهذه صورة بشعة للرجل الشرقي كما يمثلها الصينيون في رأي هيغل، وفسر ماركس الاستبداد الشرقي بطريقة اخرى مشيراً الى نمط الانتاج الاسيوي ذلك ان الزراعة فيه تعتمد على مياه الانهار وليس على المطر كما هو الحال في اوربا الامر الذي جعل مشاريع الري والتحكم في مياهه من مهام الدولة لامن مهام الافراد فظهرت حكومة قوية نقوم بتوزيع المياه ومن هنا ظهر ما يعرف بالاستبداد الشرقي.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة