البث المباشر

من سمات الاولياء في سورة الكهف

الخميس 24 يناير 2019 - 19:37 بتوقيت طهران

الحلقة 60

مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في سورة الكهف عرضت وقائع هامة يؤثر تأملها في تقوية الايمان بالغيب وكذلك الاكثار من قراءة هذه السورة المباركة، من هذه الوقائع التي تضمنتها سورة الكهف واقعة الفتية المؤمنين الذين فروا بدينهم من البيئة الجاهلية الصلفة فدخلوا الكهف وناموا نومة استغرقت ثلاثمئة وتسع سنوات، ثم استيقظوا بعد هذه المعجزة المدهشة ليجدوا الناس غير الناس والاوضاع غير الاوضاع واطلع الناس على حكايتهم العجيبة فكانت مفاجأة مزدوجة لهم ولفتية الكهف ايضاً «وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا» عرف الفتية الاولياء ان تطوراً خطيراً قد حدث في مدينتهم فأذا السلطة التي طاردتهم قد سقطت مهزومة امام المؤمنين بالله عزوجل وهكذا يتحقق وعد الله بأنتصار الحق في نهاية المطاف، وعرف الناس ان الحياة والموت والنشور من امر الله وليس الموت نهاية الطريق بل هو مرحلة في الطريق، انه ليس عدماً محضاً كما يتوهم الواهمون بل هو ندم تليه يقظة وهذا الذي حدث لاهل الكهف يثبت هذه الحقيقة ويقدم لها البرهان العملي وهكذا انتهت حكاية اهل الكهف بأعلان الايمان بالله وباليوم الآخر وتسلل الفتية مرة اخرى الى الكهف ليناموا نومة اطول هذه المرة ثم يبعثهم الله متى شاء ليوم الوقت المعلوم.
ليس اهل الكهف هم وحدهم اولياء الله الذين ذكرهم القرآن بغير اسماء، في سورة الكهف ايضاً آيات كريمات تتحدث عن احد اولياء الله لا تذكر الآيات له اسماً وانما تذكره بصفته ذو القرنين وذو القرنين صورة مقابلة لصورة اهل الكهف، كان اهل الكهف مغلوبين على امرهم فارين بدينهم اما ذو القرنين فهو حاكم يقضي بين الناس وحكمه بلا استئناف، ورد ذكر ذي القرنين في سورة الكهف بعد قصة موسى والعبد الصالح الذي لم يستطع موسى ان يصير معه « وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، فَأَتْبَعَ سَبَبًا».
وتذكر الاخبار عزيزي المستمع ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) سأل عن ذي القرنين ويبدو ان السؤال صدر من اهل الكتاب ويبدو ان قصته كانت معروفة لاصحاب الكتب القديمة وان الاساطير قد لعبت دورها في القصة واورد الله تبارك وتعالى قصة ذي القرنين في ست عشرة آية من سورة الكهف وبدأت الآيات ببيان ان الله مكن له اسباب الحكم والولاية وسنرى انه منح حرية مطلقة ليعذب او يعفو ولكنه اختار العدل الذي قامت به السماوات والارض «قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا، قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا، وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا».
وساح ذو القرنين ووصل في سياحته الى مكان مجهول يظن انه خط الاستواء حيث تشتد حرارة الشمس ويعيش الناس وسط غابات حارة ثم وصل ذوالقرنين في رحلته الى ما بين السدين فوجد قوماً لا يكادون يفقهون قولاً، حدثهم عن الحق والباطل، فكأنما لم يفقهوا ما قال او كانوا يستمعون اليه وهم مسجونون في خوف يمنعهم من الاستماع اليه وتأمل كلماته كانوا يتعرضون لغزو دائم من جيرانهم وهم يأجوج ومأجوج، لجأ هؤلاء القوم لذي القرنين طالبين الحماية واجابهم الى ما سألوه وافهمهم انه سيجعل بين الجبلين حاجزاً يمنع يأجوج ومأجوج من الهجوم عليهم او اختراقه، واستجابة ذي القرنين لهؤلاء الذين لا يكادون يفقهون قولاً يعني ان الرفق كان جزءاً من حملة ذي القرنين، كما اراد الله ان يكشف على يدي هذا الرجل ان الحماية من الله وان الطمأنينة منه وان الاسباب كلها منه، «قال ما مكني فيه ربي خير» ثم يشير في الوقت نفسه الى الاخذ بالاسباب «فأعينوني بقوة اجعل بينكم وبينهم ردماً» وبدأ تنفيذ السد، استخدم في صنع السد قطعاً من الحديد الكبيرة واشعلت نار تحتها حتى تحول الحديد الى نار حمراء وافرغوا عليه النحاس المصهور فصار قطعة واحدة يستحيل اختراقها، واثبت ذو القرنين لهؤلاء القوم ان السد قد اكتمل ولن ينقبه احد او يخترقه احد او ينفذ منه احد، «فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا».
حين انتهى ذوالقرنين من بناء السد قال كلمته واحال الامر كله الى مشيئة الله الطليقة ووعده الحق قال «هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا» هذا عمق القصة البعيد ان وعد الله حق، هذه العبارة الموحية ترد في قصة اهل الكهف «وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» وترد العبارة في قصة ذي القرنين «وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا»، انه الاقرار بالصدق اي صدق الوعد الالهي وهذا الاقرار هو جوهر الايمان وهو سبيل النجاة ذلك ان التصديق بالوعد الالهي الحق والانسجام مع هذا التصديق في الكفر والعمل يجعل المرء سوياً مهدتياً يمشي على رجليه لا على وجهه.
عزيزي المستمع، اورد القرآن الكريم اكثر من قصة لاكثر من ولي من اولياء الله وهؤلاء الاولياء يختلفون في كثير من التفاصيل والسمات كما يختلفون في حظهم من الغنى والفقر لكنهم جميعاً صدورا عن نبع واحد هو نبع التوحيد والولاية الالهية، كان استاذ موسى عالماً بالاسرار الخفية وراء ظواهر الاحداث ولم يكن يعرف هل هو غني ام فقير واغلب الظن ان وضعه المالي كان غامضاً كتصرفاته في القصة وان بات مع موسى بغير عشاء حين ابت القرية ان تضيفهما، وكان اهل الكهف من المؤمنين واغلب الظن انهم كانوا متوسطي الحال او كان معهم مال فأنهم حين نهضوا من نومهم في الكهف ارسلوا احدهم بعملة نقدية ليشتري لهم طعاماً ذكياً وكان ذو القرنين ملكاً حاكماً في الارض والراجح انه كان غنياً فسياحته في الارض وقدرته على الفتح والحرب تعني قدرته على الانفاق وقد مر التعبير القرآني في القصص السابقة مروراً عابراً على خط هؤلاء الاولياء من الغنى والفقر لان هذا الموضوع لم يكن له دور بارز في القصة او في اثرها الموحي.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة