اضطر الثلاثيني السوري المقيم في لندن، محمود ياسر، إلى الانفصال عن زوجته بعد أن يئسا من الموافقة على طلب لَمْ الشمل، الذي تقدم به ياسر بعدما عدل أوضاعه وحصل على الإقامة، إذ دخل بريطانيا بشكل غير قانوني عبر مسار بدأ من بلدة كاليه الفرنسية حتى وصل إلى المملكة المتحدة مختبئا في شاحنة.
لم يتوقع ياسر، كما طلب تعريفه خوفا على أمن عائلته في سورية، رفض وزارة الداخلية طلبه مرة تلو المرة، بذريعة "احتمال أن زواجهما مزيّف"، ومرت السنوات فلم يبق أمام الزوجين سوى الطلاق الذي يصفه، بـ"القرار الأليم"، قائلا: "لو أن بريطانيا أتاحت للاجئين السوريين فرصة إحضار أفراد عائلاتهم كما تفعل اليوم مع الأوكرانيين، لما وقع الطلاق".
في المقابل، وجدت العشرينية الأوكرانية كاتيا خوليافينسكا عندما هربت برفقة أختها ذات الست سنوات من مدينة جيتومير أثناء الغارات الروسية العنيفة، تسهيلات كبيرة بعدما وصلتا إلى الحدود البولندية بدون جواز سفر أو أي وثائق، لكن سمح لها بالعبور، ومن هناك إلى ليتوانيا ثم لاتفيا، وعندما رفعت بريطانيا معظم القيود على تأشيرة دخول الأوكرانيين في فبراير/شباط الماضي، انتقلتا للعيش مع عمتهما وجدتهما، وما هي سوى أسابيع حتى عملت كاتيا موظفة استقبال في فندق.
ويكشف الموقفان السابقان عن "تناقض وتمييز في التعامل مع اللاجئين"، كما يصفه كولباسيا هاوسو، مدير منظمة Freedom from Torture (تقدم العلاج النفسي المتخصص لمساعدة اللاجئين وطالبي اللجوء)، إذ وضعت خطط للأوكرانيين من أجل تيسير السفر إلى المملكة المتحدة وجرى حث الجمهور على استقبال لاجئين في منازلهم، بينما كانت سياسات اللجوء معادية للفارّين أيضا من الحرب والاضطهاد في أجزاء أخرى من العالم كما يقول، مضيفا: "الكثير من اللاجئين غير الأوكرانيين يعيشون بمبلغ يقل عن 6 جنيهات استرلينية في اليوم وفي مساكن فقيرة أو غير ملائمة ولا يحق لهم العمل، علاوة على أوقات الانتظار الطويلة لاتخاذ القرارات بحق طلبات اللجوء التي يتقدمون بها، وهو ما يجعلهم مهددين بالترحيل أو الاحتجاز في ثكنات على الطراز العسكري من قبل وزارة الداخلية".
انتقائية سياسات التعامل مع اللاجئين
يمكن وصف سياسة بريطانيا بـ"الانتقائية" فيما يخص اللاجئين، وهو ما أكدته طريقة استقبال اللاجئين الأوكرانيين، ورغم أن كرم الضيافة والدعم المقدّمين للأوكرانيين محطّ إعجاب إلا أن الحقيقة المحزنة كما ترصد الناشطة الحقوقية نادين توناسي، مستشارة مساعدة في منظمة "الناجون يتحدثون علانية"، أن اللاجئين من أجزاء أخرى من العالم لا يتلقون المعاملة ذاتها، مؤكدة أن جميع الهاربين من الحرب والتعذيب والاضطهاد يستحقون الترحيب والاحترام بغض النظر عن دينهم أو لون بشرتهم ولا يمكن أن يكون هناك أي مبرّر للتمييز والتحيز، لأن الشعور بالترحيب هو جزء أساسي من إعادة التأهيل والشفاء، وفي حال واصلت الحكومة معاملتهم على أنهم من الدرجة الثانية، فإن وضع اللاجئين سيزداد سوءا.
ومن وجهة نظرها، لعبت وسائل الإعلام البريطانية دورا ضارا للغاية في إثارة الخوف وكراهية الأجانب، والغريب أن الصحف ذاتها التي أمضت سنوات في شيطنة اللاجئين، تدعو الآن إلى الترحيب بالأوكرانيين في البلاد، لذلك يجب أن يكون هناك حوار وطني حول العنصرية التي لا تزال منتشرة في العديد من المؤسسات الوطنية، بما في ذلك وسائل الإعلام.
وسنّت الحكومة البريطانية خلال السنوات الماضية بعضا من أكثر التشريعات قسوة وقمعا ضد اللاجئين، بحسب هاوسو، لكن مع ذلك هناك من يقاوم هذه الأجندة المناهضة للاجئين بشتى الطرق بما في ذلك المحاكم البريطانية، ففي إبريل/نيسان 2022 تراجعت وزيرة الداخلية بريتي باتيل عن خطتها المتعلقة بإجبار قوارب المهاجرين على العودة إلى فرنسا، بعد دعوى رفعتها إلى "المحكمة الإدارية" منظمة "التحرر من التعذيب" لأنه "لا يوجد أساس قانوني" لتلك السياسة، والتي ستزيد من مخاطر غرق هؤلاء في مياه القنال الإنكليزي، والآن تستعد المنظّمة للطعن في خطة الحكومة لإرسال اللاجئين إلى رواندا، لما ينطوي عليه من انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، كذلك للمادة 31 من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 التي تعد المملكة المتحدة دولة طرفا فيها وتنص على أن "تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائية، بسبب دخول اللاجئين أو وجودهم غير القانوني، أو من يدخلون إقليمها أو يوجدون فيه دون إذن، قادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم أو حريتهم مهددة.."، كما تنتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية الوارد في المادة 33 وينص على أنه "لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا أو ترده بأية صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية".
مقارنة بين الأوكران والسوريين والأفغان
احتلت المملكة المتحدة المرتبة الثامنة عشرة في أوروبا من حيث عدد طالبي اللجوء إليها، إذ كان هناك 48.540 طلب لجوء حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021، ويبدو التناقض والتمييز عبر البرنامج الذي أعلنت عنه حكومة بريطانيا في أغسطس/آب2021، ويخصص للفارين من أفغانستان (ACRS)، إذ تم الإعلان في يناير/كانون الثاني 2022 عن خطة، تهدف وفق مجلس اللاجئين البريطاني، إلى إعادة توطين 20 ألف شخص فقط في المملكة المتحدة على مدى السنوات القليلة المقبلة، رغم أن العديد ممن يعانون وحياتهم في خطر تركوا هناك لمصيرهم، وبحسب تقرير الأمم المتحدة الصادر بتاريخ 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021، تمّ تسجيل 2.6 مليون لاجئ أفغاني لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جميع أنحاء العالم خارج أفغانستان، منهم ما يقدر بنحو 2.2 مليون في إيران وباكستان، لكن أجلت المملكة المتحدة 17.000 شخص فقط من أفغانستان في الفترة بين 1 إبريل إلى 1 سبتمبر/أيلول 2021، بحسب وزارة الخارجية البريطانية.
كما انتهى برنامج اللاجئين السوريين، الذي التزم بإعادة توطين المستضعفين في المملكة المتحدة، إلى استقبال 20 ألف لاجئ من سورية بين عامي 2015 و2020، لكن تم استبداله في 25 فبراير/شباط 2021 بخطة إعادة التوطين في المملكة المتحدة (UKRS) لتشمل لاجئين من جميع الدول وليس من سورية فقط، وتعهدت الخطة في الأصل بإعادة توطين 5000 لاجئ في عامها الأول، وعلى الرغم من ضآلة العدد، ألغت وزارة الداخلية هذا الهدف في يونيو/حزيران 2021، وقالت إن الأرقام ستظل "قيد المراجعة"، وتشير الإحصاءات الحكومية إلى أن 1131 شخصا فقط حصلوا على الحماية من خلال خطط إعادة التوطين الحكومية بين مارس/آذار وديسمبر/كانون الأول 2021.
وأعيد توطين 28.000 شخص في بريطانيا بين عامي 2014 و2021، معظمهم من سورية والمنطقة المحيطة بها، 19٪ منهم كانوا قد حصلوا على الحماية الإنسانية في بريطانيا منذ عام 2014، وفق إحصائيات الهجرة للعام الماضي المنشورة على موقع الحكومة.
في المقابل، تنازلت المملكة المتحدة عن متطلبات التأشيرة العادية عندما أعلنت عن مخطط "منازل للأوكرانيين" الذي يسمح للرعاة البريطانيين كالمجالس المحلية والخيرية باستقبال الأوكرانيين، وأتاحت للمواطنين البريطانيين والمقيمين فيها من أي جنسية إحضار العائلات من أوكرانيا، بحسب ما نشره الموقع الإلكتروني لمجلس اللاجئين في بريطانيا، (منظمة مقرها المملكة المتحدة وتعمل مع اللاجئين وطالبي اللجوء).
وأصدرت بريطانيا أكثر من 102.000 تأشيرة بموجب المخططين الحكوميين للاجئين للأوكرانيين، ومنذ 9 مايو/أيار الماضي، وصل أكثر من 46.000 لاجئ أوكراني إلى المملكة المتحدة إما للانضمام إلى أفراد الأسرة الذين يعيشون بالفعل هنا أو من خلال مخطط منازل الأوكرانيين.
لكن أنطونيا برايت، الناشطة في المنظَّمة الوطنية لحركة العدالة في بريطانيا (للدفاع عن حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء)، تميز بين القادمين من الجنسيات الأخرى الذين يصنفون أنهم طالبو لجوء، وبين الأوكرانيين الذين لا يحصلون على وضع لاجئ بالمعنى الفعلي، ومن غير المعلوم ما هو وضعهم القانوني في البلاد في المستقبل، وستُراجَع أوضاعهم كل بضع سنوات، وسيُنظر في إمكانية التجديد لهم أو إعادتهم إلى بلادهم.
عقيدة معاداة اللاجئين
يثير الانتقال المفاجئ من قانون "الجنسية والحدود"، إلى إطلاق خطط دعم للاجئين الأوكرانيين انتقادات عالمية، إذ يعزز القانون الذي تم إقراره في 28 إبريل/نيسان 2022، العنصرية وعقيدة معاداة اللاجئين ويجعل حياة طالبي اللجوء مستحيلة بحسب أنطونيا برايت، بينما يقتصر الدعم الحكومي على مخططات تشمل أعدادا محدودة من اللاجئين، وبالتالي لم يبق أمام مئات آلاف طالبي اللجوء الذين لم تشملهم هذه المخططات سوى خوض طرق غير قانونية للوصول إلى بريطانيا، كما فرضت عقوبات عليهم بموجب "قانون الجنسية والحدود" الجديد.
لكن موظفة في شعبة إعادة توطين اللاجئين في إحدى بلديات لندن طلبت تعريفها برومينا (تكتفي باسمها الأول حفاظاً على وظيفتها) ومن خلال اطلاعها على برامج اللاجئين، تقول إنه بالرغم من أن الحكومة البريطانية شرعت أبوابها للأوكرانيين، على نقيض ما فعلته مع لاجئي العالم الآخرين، لكن برنامجي الدعم الحكومي للأوكرانيين، لا يحظيان بالميزات التي شملت مخطط دعم اللاجئين السوريين الذي منحهم فور وصولهم حق الإقامة المؤقتة لمدة خمس سنوات، وفي عام 2021 اتسع نطاق البرنامج ليشمل جميع جنسيات العالم التي تعاني من نزاعات كما ألغى الحدّ الأقصى لأعداد اللاجئين، ويفرض البرنامج المموّل لخمس سنوات على البلديات أن تستقبل اللاجئين في المطار وأن يتم تخصيص موظف دعم لكل عائلة، يؤمن لها سكنا ويساعدها في جميع المجالات لبدء حياة جديدة، في المقابل، تقتصر فترة تمويل برنامجي الأوكرانيين على عام واحد ولا توفّر البلدية بموجبهما سكنا أو موظف دعم، لأن معظم الأوكرانيين يأتون إلى منازل أقارب أو كفلاء.
المصدر: العربي الجديد