البث المباشر

الشاهنامة وتأثيرها على الاداب العالمية

الثلاثاء 15 يناير 2019 - 10:49 بتوقيت طهران

الحلقة 11

دراسات مقارنة في الادب الفارسي والاداب الاخرى عنوان هذه الحلقة: الشاهنامة وتأثيرها على الاداب العالمية.… لقد أخذ حديث الشاهنامة يجرنا وراءه وكانه سحرنا حتى لا نكاد نخرج من موضوع حتى نقع في آخر يجر وراءه حديثاً شيقاً آخر وهكذا قطعنا مسافة أو مساحة ثلاث حلقات من هذا البرنامج ونحن مازلنا نتجول في أروقتها هذا ولم نحاول حتى الآن الدخول في مقصوراتها و سرادقاتها وقاعاتها الفارهة المدهشة. وفي هذه الحلقة وقد تكون الاخيرة من جولاتنا في الشاهنامة، نسلط الضوء على مشاهد من الاداب العالمية التي تاثرت بالشاهنامة فاستقى شعراؤها وكتّابها من معين هذا الاثر الخالد الذي لا ينضب.وفي هذا المجال الواسع نحاول أن نتطرق إلى نماذج من تأثير الشاهنامه على الاداب الاخرى ومعنا في الاستوديو، خبير البرنامج، الدكتور عباس العباسي استاذ الادب العربي والخبير باللغة الفارسية و آدابها، نحييه … ـ اهلاً و سهلاً دكتور عباسي اهلاً و سهلاً بكم وتحية إلى مستمعينا الافاضل.
سؤال:نعلم أن للشاهنامة تأثيراً كبيراً على كثير من الاداب الأخرى ولا سيما في مجال الادب القصصي والملحمي، فهل من الممكن الإشارة إلى بعض هذه المواضع التي تركت الشاهنامة بصماتها عليها؟ـ بسم الله الرحمن الرحيمإن اسلوب الشاهنامة السهل الممتنع جعل منها ملحمة تنتشر بين اوساط الايرانيين. فتناقلوها على الشفاه وحفظوها في الصدور. أما على الصعيد العالمي فقد انتشر صيتها انتشارا واسعاً.
سؤال: لاشمك أن للترجمة التأثير الاول في هذا الإنتشار، لكن قبل الترجمة هل ثمة من تأثير بالشاهنامة؟ـ نعم هناك من احتضن الشاهنامة قبل ترجمتها، من الشعوب الاخرى التي كانت الفارسية قد انتشرت بينهم، كالترك في آسيه الصغرى، وفي الهند، وغيرهما.أما الترجمة فهي وسيلة بالغة الاهمية في انتشار العلوم بين الشعوب والشاهنامة مع حجمها الكبير ومقدارها الخطير قد تلقتها أيدي ذوي الذوق الادبي فترجمت الى عدة لغات بل الى جميع اللغات الحية العالمية، قديماً وحديثاً. فاؤل ترجمة تمت للشاهنامة باللغة العربية قام بها الفقيه قوام الدين فتح بن علي البداري خلال السنوات ستمأة وعشرين حتى ستماءة واثنتين واربعين هجرية في دمشق.اما باللغة التركية، فقد قام الشاعر التركي على أفندي بترجمة الشاهنامة شعراً منظوماً عام ۹۱٦ (تسمعائة وستة عشر هجرية) وهناك ترجمات لكل الشاهنامة أو أجزاء منها، باللغات الانجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والاسبانية والدنماركية واللاتينية والبولندية والمجرية والسويدية والأرمنية وغيرها
سؤال: وما هي اشهرها؟
جواب: اشهرهذه الترجمات، للشاهنامة بكاملها، هي ترجمة (تشاك) باللغة الالمانية وترجمة (جول مول) باللغة الفرنسية وترجمة (بيتزي) باللغة الإيطالية. وهناك ترجمات لأجزاء من الشاهنامة أشهرها ترجمة (ژوكوفسكي) لقصة (رستم وسهراب) باللغة الروسية شعراً.
سؤال: هذا عن ترجمات الشاهنامة، وماذا عن تاثيرها في اللغات الأخرى؟
ـ نعم وهذا هو موضوع هذه الحلقة، ولنبدأ بتأثير الشاهنامة في اللغة العربية، ونأخذ على سبيل المثال، تاثيرها في تاريخ الطبري.فإذا نحن قارنا ما ورد عن الملوك الاسطوريين القدامى في تاريخ الطبري وما ورد عنهم في الشاهنامة، ندرك أن المسلمين أخذوا هذه الأخبار عن مصادر منها الشاهنامة. ونذكر هنا ما جاء في تاريخ الطبري عن ثاني ملوك الفرس الاسطوريين وهو (أوشهنج) اي (هوشنگ) بالفارسية، يقول الطبري (…. هو أول من قطع الشجر وبنى النباء أول من استخرج المعادن وفطّن الناس لها وأمر أهل زمانه باتخاذ المساجد … ) ثم يقول: وأمر بقتل السباع الضارية واتخاذ الملابس من جلودها والمفارش ثم يقول: (قالت الفرس: إن أوشبهنج هذا و‘لِدَ ملكاً وكان فاضلاً محموداً في سيرته وسياسة رعيته … وكان ملكهاربعين سنة) أما الفردوسي فقد جاءت قصة اوشهنج في شاهنامته على النحو التالي: نستخرجها من (الترجمة العربية) للبنداري. (ملخص القول) (ثم ملك (ذوشهنج وتسنم سرير المملكة … وكان ذا رأي رصين وعقل رزين وهو اول من استخرج النار والحديد من الحجر).والإستخراج النار اسطورة هي (أنه رأى يوماً في بعض مخارم الجبل حية تتوقد حدقتها في محجرها كجذوة نارٍ تشتعل في غار فأخذ (أوشهنج) حجراً فرماه به فأخطأ، ووقع الحجر على ألف الجبل فتشعشع منه شعلة نارٍ أعجبته … فخر لله تعالى ساجداً فاتخذ النار قبلة وذلك مبدأ تعظيم النار عند الفرس (قديماً) ويقول الفردوسي في ما قال عن قصة (أوشهنج) ثم أنه اتخذ الات الحديد من الفوس والمناشير وغيرها… واتخذ من جميع البهائم كل نوع يصلح للعمل من البقر والحمير وغيرهما وسخرها الله له. واستلان جلود الثعالب والسنجاب والسمور وأمر بسلخ الجلود للملابس والمفارش الخ… )وكانت مدة ملكه أربعين سنة.وهكذا نرى كيف استقى الطبري أخباره من أخبار الشاهنامة.
سؤال: وماذا عن اللغات الأخرى، لأننا نخشى‹ أن يدركنا الوقت قبل أن نستوفي حق هذا البرنامج.ـ هذا صحيح وأنا أحاول أن ألخص ما تبقى من موضوع التأثير هذا.اما عن تاثير الشاهنامة على الادب التركي، فكان الادب الفارسي منذ عهد الشاعر الكبير مولانا جلال الدين الرومي، منهلاً عذباً للأدب التركي. وقد ظل الادب التركي متأثر اعمق التأثير بالادب الفارسي، وفي العصر العثماني منذ بدايته كان الشعراء الاتراك ينسجون على منوال الشعراء الايرانيين. ولم ينفصلوا عن هذا التراث الفارسي إلّا حين اتصلوا بالغرب في القرن التاسع عشر. وعن مدى هذا التأثير ما يجدر ذكر: كان السلطان قانصوه الغوري من سلاطين المماليك في اوائل القرن العاشر الميلادي، دعا شاعراً يدعى شريفاً من سلالة الرسول صلى الله عليه وآله ـ كما يذكر هو ـ وقدم السلطان نسخة من الشاهنامة ليترجمها إلى التركية، فقال الشاعر: بان السلطان يعرف الفارسية خيراً من أهلها، قال السلطان إنه يود أن تبقى الترجمة ذكرى على مدّ العصور. وقد أتى الاستاذ جيب على هذه الترجمة في كتابه (تاريخ الشعر العثماني) ويحدثنا صاحب كتاب (كشف الظنون) الحاجي خليفة، عن شاهناماتٍ تركية نظمت في وقت مبكر من تاريخ الادب التركي على نمط شاهنامة الفردوسي. وقد شهد عصر السلطان سليمان القانوني اهتماماً بالغأ في نظم التاريخ شعراً وكان قد أنشأ منصباً لشاعر في قصره وكان صاحب ذلك المنصب يدعى (شاهنامجي) أين ناظم تاريخ الملوك.
سؤال: وهل نرى نفس التاثير على الادب الهندي؟- وهل تأثر الادب التركي من الشاهنامة والادب الفارسي حملك على السؤال؟ أم خليفة العلاقات الثقافية بين ايران والهند ذكرتك بهذا.
ـ المذيعة: في الحقيقة كلاهما، وأن العلاقات الايرانية الهندية، في مجالات الادب حريّة بان تدرس.
ـ الخبير: ولكن ليس في هذه الحلقة.ونكتفي بالقول هنا، أن سلالاتٍ من الملوك لاسيما بعد انتشار دين الاسلام في الهند كانت تستخدم كتّاباً ايرانيين في دواوينها ، ومن هذه السلالات: البهمنية والكبركة والفاروقية وملوك كشمير: ولهذا قال الشاعر الايراني العارف الكبير، حافظ الشيرازي:

به شعر حافظ شيراز مي رقصند و مي نازند

سيه چشمان كشميري و تركان سمرقندي

المعنى:

أي أن سود العيون الكشميريات والتركيات السمرقنديات

يرقصن ويباهين بشعر حافظ الشيرازي

نعم كان للشاهنامة اثرها كما لسائر الادب الفارسي في الادب الهندي، وكانت الشاهنامة حلقة وصل في انتقال الثقافة بين الشعبين. نذكر من هذه العلاقات الحضارية التي تصورها الشاهنامة لنا. قصة نقل كتاب كليلة ودمنة إلى خزانة الملك كسرى انوشروان وهي، كما ترجمها البنداري نأتي بمخلص منها.…. كان في جملة حكماء انوشروان عالم وطبيب صادق يسمى (برزويه) ندخل ذات يوم على الملك وقال وجدت في كتب علماء الهند دواءً لو نثر على ميت لعاد حياً وهذا الدواء يوجد في جبال الهند، ليأمرين الملك لا ذهب الى الهند فلعلني أعثر عليه. فأرسله الملك وحملّه هدايا ورسالة ودّ الى ملك الهند. وذهب برزويه ودخل على ملك الهند ‏فأكرمه كثيراً. وجمع علماء بلاده وسألهم عن تلك الحشيشة فبحثوا عنها فلم يجدوها في جبالهم . وقال برزويه للملك الهندي: كيف استجاز مصنف ذلك الكتاب أن يذكر هذا الدواء مع استحالة وجوده؟ ثم سأل الملك العلماء عما اذا كان هناك عالم آخر، فقالوا هناك عالم شيخ طاعن في السن فأخذوا برزويه عنده فسأله عن ذلك الدواء. فقال الشيخ: ايها العالم، (عرفت شيئاًً وغابت عنك أشياء) إنما المراد بذلك الدواء (البيان) والمراد بالجبل (العلم) والمراد بالميت الجاهل نفسه.وكتاب (كليلة ودمنة) من هذا الدواء. وهو في خزانة ملك الهند. فذهب برزويه إلى ملك الهند وطلب منه أن يرى الكتاب. فقال الملك لم يطلب مني أحد مثل هذا الطلب ولك أن تقرأه، وحسب ولا يحوز لك أن تكتب منه شيئاً. فكان برزويه كل يوم يقرأ من الكتاب باباً ويحفظه ويكرر عليه في نفسه، فإذا رجع إلى داره كتب ذلك الباب وارسله إلى انوشروان ولم يزل ذلك دأبه حتى أتى على جميع الكتاب.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة