ويعد الإمام الخميني (رض) واحداً من كبار مراجع التقليد في القرن الرابع عشر والخامس عشر وانتصرت الثورة الإسلامية في إيران تحت قيادته سنة 1979 م، فانهار الحكم البهلوي، وتم تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.
نشأة الامام الخميني (قدس سره)
أبصر روح الله الموسوي الخميني النور في بيت والده السيد مصطفى الموسوي الذي تُوُفّيَ على أيدي عملاء السلطة وهو في طريقه من خُمَين إلى أراك مركز المحافظة، والإمام لم يُتم أشهره الخمسة بعد.
ترعرع الإمام الخميني في كنف والدته السيدة هاجر، وهي من أحفاد آية الله الخوانساري (صاحب زبدة التصانيف) ورعاية عمّته صاحبة خانم اللتين وافتهما المنية عندما بلغ الإمام الخامسة عشرة من عمره.
درس الإمام مرحلة المقدّمات والسطوح الأولى كعلوم اللغة العربية والمنطق والفقه والأصول على أيدي عددٍ من علماء منطقته أبرزهم أخيه الأكبر آية الله السيد مرتضى بسنديده. وسافر بعد ذلك الإمام في عام 1919 م إلى أراك ليتابع دراسته الحوزوية هناك.
مسيرته العلمية
شرع الإمام بالتحصيل في مدينة خمين، وبدأ الدراسة لدى معلم اسمه «الميرزا محمود» والإمام لم يزل حينها في سن الطفولة، وكان هذا المعلم ياتي إلى المنزل ليعلم هذا الطفل دروساً في القراءة والكتابة، ثم واصل التعلم لدى معلم آخر اسمه «الملا أبو القاسم» وذهب بعدئذ إلى مدرسة حديثة لتعلم الكتابة. وفي خمين أيضاً تلقى الإمام دروس المنطق والنحو وشرح الباب الحادي عشر والبلاغة لدى أخيه السيد مرتضى وغيره.
في أراك
توجه الإمام سنة 1339 هـ/1919 م. إلى مدينة أراك، حيث كانت الحوزة العلمية في أراك وقتئذ تحت زعامة الأستاذ الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، ودرس هناك آداب اللغة العربية (البلاغة والنحو والصرف) والمنطق.
في قم
في رجب عام 1340 هـ انتقل الإمام الخميني (قدس سره) إلى مدينة قم حيث نقل الشيخ الحائري الحوزة العلمية إليها. وهناك طوى الإمام الخميني مراحل دراسته التكميلية في الحوزة على أيدي أساتذتها، نذكر منها أن الإمام قد أكمل كتاب المطوّل على يد الميرزا محمد علي الأديب الطهراني، كما أكمل السطوح على أيدي آية الله السيد محمد تقي الخوانساري، والسيد علي اليثربي الكاشاني، وأتمّ دروس خارج الفقه والأصول على يدي آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي. وفي سنة 1355 هـ توفي استاذه الشيخ عبد الكريم الحائري.
ونظراً إلى حدّة العقل الذي كان يتحلى بها الإمام الخميني، فإنه لم يكتفِ بما درس من علوم، بل عمد في فترة دراسته تلك إلى دراسة العلوم العقلية من رياضيات وهيئة وفلسفة على أيدي السيد أبو الحسن الرفيعي القزويني، ثم واصل دراستها مع العلوم المعنوية والعرفانية على أيدي الميرزا علي الأكبر الحكيمي اليزدي، ودرس العروض والقوافي والفلسفة الإسلامية والفلسفة الغربية على أيدي الشيخ محمد رضا المسجد شاهي الأصفهاني.
كما درس الأخلاق والعرفان على يد آية الله الميرزا جواد الملكي التبريزي، ثم درس المستويات العليا من العرفان النظري والعملي، ولمدة ستة أعوام، على أيدي آية الله الميرزا محمد علي الشاه آبادي.
التدريس في قم
بدأ الإمام الخميني (قدس سره) بتدريس الفقه والأصول (في مرحلة البحث الخارج) سنة 1364 هـ وهو في الرابعة والأربعين من عمره، وكان تدريسه مصادفاً لورود السيد حسين الطباطبائي البروجردي (زعيم الحوزة العلمية) إلى مدينة قم. وكان يمتاز أثناء الدرس بالشرح المبسوط الوافي وعدم خلطه دروس الأصول بالفلسفة، بالرغم من احاطته الواسعة بهذا العلم. ويمتاز أيضا بعدم تقليده أسلافه في تكرار نظريات القدماء، وابداعه في التحقيق مع ما كان من تقديره للفقهاء الماضين.
أمّا تدريسه الفلسفة والعلوم العقلية فكان قبل زواجه أي قبل عام 1348 هـ، عندما كان يسكن مدرسة «دار الشفاء»، ولم يمض من عمره أكثر من ثلاثين عاماً حينها، حيث كان يعد من الأساتذة المتخصصين في الفلسفة والحكمة الإلهية، وكان يهمه كثيرا أن يكون طلابه في هذه الدروس ممّن ينتخبهم ويمتحنهم شخصياً.
دروس الأخلاق
وبعد فترة من تدريس «الفلسفة»، بدأ بتدريس « العرفان » سرّاً لنخبة خالصة من الطلاب المعتمدين لديه، ثم عقد جلسة أسبوعية ليدرس فيها علم «الأخلاق».
ورغم معارضة حكومة رضا بهلوي لمثل هذه الجلسات الأخلاقيّة، لم يبال الإمام بذلك. وقد اشتهرت هذه الجلسة واشتدت علاقة الطلاب وحتى عامة الناس بها وتوسعت تدريجياً لتستوعب مئات العلماء والموظفين والتجار والعمال الذين كانوا يأتون إليها من «قم» و«طهران» وكان مقره وقتها في «المدرسة الفيضية».
وبهذا الإقبال الشديد على الجلسة، اضطر إلى إقامتها مرتين أسبوعياً (يومي الخميس والجمعة). وأرسل الشاه البهلوي عبر أعوانه يطلب منه تعطيل الجلسة فوراً، فأجاب الامام: «أنا ملزم باقامة هذه الجلسة باي نحو كان. لتأت الشرطة وتمنع إقامتها».
وبعد أن لاحظت الحكومة مدى صلابته ومدى تعاطف الشعب معه، امتنعت عن التدخل المباشر إلا انها زادت في القسوة والعنف بطرق غير مباشرة، فاضطر الإمام إلى نقل الجلسة من المدرسة الفيضية إلى مدرسة الحاج ملا صادق في وضع أكثر محدودية. وبعد سقوط البهلوي انتقلت الجلسة مرة أخرى إلى المدرسة الفيضية.
مرجعية الامام الخميني (قدس سره)
بعد وفاة زعيم الحوزة العلمية السيد البروجردي، اجتمع حوله كثير من رواد العلم من مريديه يطلبون منه طبع رسالة العملية، فامتنع عن ذلك، وطبع حاشيته على وسيلة النجاة للسيد أبو الحسن الأصفهاني (قدس سره) ثم حاشيته على العروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي (قدس سره)، وبعد وفاة زعيم الحوزة العلمية في النجف الاشرف السيد محسن الحكيم (قدس سره) عاد إليه الكثيرون في الأحكام الشرعية.
تلاميذه
الشهيد مرتضى مطهّري
السيد محمد الحسيني البهشتي
الشيخ محمد فاضل اللنكراني
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ جعفر السبحاني
السيد مصطفى الخميني
الشيخ حسين علي المنتظري
الشيخ يوسف الصانعي
السيد علي الخامنئي
السيد محمود الهاشمي الشاهرودي
السيد عباس خاتم اليزدي
حسين راستي الكاشاني
الشيخ محمد علي گرامي
آثاره:
قائمة مؤلفات الإمام الخميني (قدس سره):
تفسير آية البسملة
مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية
شرح دعاء السَّحر
شرح حديث رأس الجالوت
حاشية الإمام على شرح حديث رأس الجالوت
الحاشية على شرح الفوائد الرضوية
شرح حديث جنود العقل والجهل
مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية
الحاشية على شرح فصوص الحكم
الحاشية على مصباح الأُنس
شرح الأربعين حديثاً
سرُّ الصّلاة أو صلاة العارفين ومعراج السّالكين
آداب الصلاة
رسالة لقاء الله
الحاشية على الأسفار
كشف الأسرار
أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية
بدائع الدرر في قاعدة نفي الضّرر
رسالة الإستصحاب
رسالة في التعادل والتراجيح
رسالة الإجتهاد والتقليد
مناهج الوصول إلى علم الأصول
رسالة في الطلب والإرادة
رسالة في التقية
رسالة في قاعدة من ملك
رسالة في تعيين الفجر في الليالي المقمرة
كتاب الطهارة
تعليقة على العروة الوثقى
المكاسب المحرّمة
تعليقة على وسيلة النجاة
رسالة نجاة العباد
الحاشية على رسالة الإرث
تقريرات درس الأصول آية الله العظمى البروجردي
تحرير الوسيلة
كتاب البيع
الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه
كتاب الخلل في الصلاة
الجهاد الأكبر أو جهاد النفس
تقريرات دروس الإمام الخميني
توضيح المسائل
مناسك الحج
تفسير سورة الحمد
استفتاءات
ديوان الشعر
الرسائل العرفانية
الوصيّة السياسية الإلهية
مجموعة الآثار السياسية والإجتماعية للإمام الخميني (22 مجلداً).
حياته السياسية
كان الإمام الخميني (قدس) يراقب الظروف السياسية للمجتمع والوضع القائم في الحوزات العلمية بكل دقة، ويزيد من معارفه ومعلوماته السياسية عن طريق القراءة المتواصلة لكتب التاريخ المعاصر والمجلات والصحف التي كانت تصدر آنذاك، مضافاً إلى زياراته لطهران وحضوره عند شخصيات كبيرة نظير آية الله المدرس.
وفي ضوء معارفه السياسية هذه رأى الإمام أن الطريقة الوحيدة للتخلص من الظروف التي هيمنت بعد إخفاق الثورة الدستورية وفرض رضا بهلوي حاكماً على إيران هي يقظة الحوزات العلمية؛ لذا أعدّ الإمام الخميني في سنة 1949 م مشروع إصلاح بنية الحوزة العلمية بالتعاون مع آية الله مرتضى الحائري، واقترح هذا المشروع على آية الله البروجردي. بادر تلاميذ الإمام وجمع من طلاب الحوزة للترحيب بهذا المشروع ودعمه.
الإمام الخميني ولائحة "مجالس الأقاليم والمدن"
في الثامن من أوكتوبر/ تشرين الأول سنة 1962 م صادقت الحكومة الايرانية برأسة "أمير أسد الله علم" على لائحة "مجالس الأقاليم والمدن" التي أُريد لها أن تغيّر بعض الضوابط الإسلامية الخاصة بالمقترعين والمرشحين، وذلك لتكريس وجود العناصر البهائية (العميلة للمخابرات الامريكية والاسرائيلية) في مرافق البلاد المهمة.
دعم شاه ايران للكيان الصهيوني كان الشرط اللازم لدعم أمريكا محمد رضا بهلوي، وبمجرد أن ذاع خبر المصادقة على هذه اللائحة اجتمع الإمام الخميني للتشاور مع كبار علماء قم وطهران ثم أعلن معارضته الأكيدة والشاملة لها. وكانت البرقيات التي بعثها الإمام الخميني للشاه ورئيس الوزراء شديدة اللهجة وتشتمل على كثير من التحذير.
جاء في أحد هذه البرقيات: " إنني أنصحك مرة أخرى بالعودة لطاعة الله والالتزام بالدستور والخوف من العواقب الوخيمة للتنكر للقرآن الكريم وأحكام علماء الأمة وزعماء المسلمين، فلا تلقِ بالبلاد في الخطر متعمداً ومن دون سبب، وإلا فلن يتجنب علماء الإسلام إبداء آرائهم بك".
الإمام الخميني (قدس سره) و"الثورة البيضاء"
رغم هزيمة حكومة الشاه في قضية مجالس الأقاليم، إلا أن ضغوط أمريكا لتمرير إصلاحاتها لم تنقطع. لذلك أذاع محمد رضا بهلوي في بداية شتاء سنة 1963 م مبادئه الإصلاحية الستة وأعلن الاستفتاء العام عليها ضمن ما سماه "الثورة البيضاء"، فعاد الإمام الخميني لمناشدة مراجع الدين وعلماء الأمة في قم للاجتماع والتفكير في حل. وباقتراح من الإمام الخميني تمّت مقاطعة الاحتفال بعيد النيروز التراثي في بداية العام الشمسي 1342 ش (آذار 1963 م)، اعتراضاً على خطوات النظام هذه.
وفي البيان الذي أصدره الإمام الخميني (قدس سره) وصف الثورة البيضاء التي أطلقها شاه ايران بأنها ثورة سوداء، وأشار إلى تماشي الشاه مع الأهداف الأمريكية والإسرئيلية. وفي تجمع جماهيري كبير وصف الإمام الخميني الشاه بأنه الأداة الرئيسية للجرائم التي ترتكب في البلاد وإنه حليف لإسرائيل ودعا الجماهير إلى الثورة.
وفي كلمته يوم 12 فروردين 1342 ش، (1/4/1963م) انتقد الإمام الخميني (قدس سره) بشدة صمت علماء قم والنجف وسائر البلاد الإسلامية حيال جرائم النظام الجديدة وقال: "إن الصمت اليوم مواكبةٌ للنظام المتجبّر". وفي اليوم التالي أي 13 فروردين 1342 ش، (2/4/1963 م) أصدر بيانه المعروف تحت عنوان "محبة الشاة معناها النهب".
في 14 فروردين 1342ش (3/4/1963 م) بعث زعيم الحوزة العلمية في النجف الاشرف آية الله محسن الحكيم (قدس سره) من النجف برقية للعلماء والمراجع في إيران طالباً منهم الانتقال بشكل جماعي إلى النجف، لكن الإمام الخميني بعث جواب برقية آية الله الحكيم مؤكداً فيه أن الهجرة الجماعية للعلماء وإخلاء الحوزة العلمية في قم ليس من المصلحة إطلاقاً.
وفي 12/2/1342 ش (2/5/1963 م) أصدر الإمام الخميني (قدس سره) بياناً بمناسبة أربعينية فاجعة المدرسة الفيضية مشدداً فيه على ضرورة مواكبة علماء الدين والشعب الإيراني لرؤساء البلدان الإسلامية والعربية في مواجهة إسرائيل الغاصبة، وإدانة المعاهدات بين الشاه وإسرائيل.
انتفاضة 15 خرداد (5 حزيران 1963 م)
في عصر يوم عاشوراء 13 خرداد سنة 1342ش (3/6/1963 م) ألقى الإمام الخميني (قدس سره) كلمته التي أشعلت شرارة إنتفاضة 15 خرداد، وقال فيها مخاطباً الشاه: "أنا أنصحك ، أيها الشاه، أنا أنصحك أن تقلع عن هذه الأعمال، إنهم يخدعونك . أنا لا أرغب أن يرفع الجميع أيديهم بالشكر إذا أرادوا أن تسقط وتغادر... إذا أملوا شيئاً وأعطوه لك وقالوا لك اقرأه ففكّر فيه قليلاً... إسمع نصيحتي... ما العلاقة بين الشاه وإسرائيل حتى يقول مجلس الأمن: لا تذكروا إسرائيل بسوء... وهل الشاه إسرائيلي؟! "
أصدر الشاه أوامره بإخماد الانتفاضة. بدايةً، أُلقي القبض على عدد كبير من أنصار الإمام الخميني ليلة 14 خرداد، وفي الساعة الثالثة بعد منتصف الليل (فجر الخامس عشر من خرداد) حاصر المئات من قوات الأمن الموفدين من طهران منـزل الإمام، وألقوا القبض عليه وهو يصلي صلاة الليل، ونقلوه إلى طهران ليسجن في معتقل نادي الضباط، ثم نقلوه غروب ذلك اليوم إلى سجن "قصر".
وكان أن وصل نبأ اعتقال قائد الثورة إلى طهران ومشهد وشيراز وسائر المدن صبيحة يوم 15 خرداد، فسادتها أجواء مماثلة لأجواء قم
يروي الجنرال حسين فردوست "أحد أقرب الندماء الملازمين للشاه" في مذكراته أنهم أستخدموا تجارب وخدمات خيرة العناصر السياسية والأمنية الأمريكية لقمع الانتفاضة، ويتحدث كذلك عن الاضطراب الذي خيّم على الشاه والبلاط وأمراء الجيش والسافاك في هذه الساعات.
نفي الإمام الخميني (قدس سره) إلى تركيا
في فجر الرابع من تشرين الثاني من العام 1964 م. وفيما كان الإمام الخميني يؤدي صلاة الليل، كما كان حاله لدى اعتقاله في العام الماضي. داهمه رجال الكوماندو المرسلين من طهران إلى قم، فاعتقلوا الإمام ونقلوه مباشرة إلى مطار "مهرآباد الدولي" حيث كانت تنتظره طائرة عسكرية عليها رجال الأمن والشرطة فنقلوه إلى العاصمة التركية أنقرة. ونشر السافاك في عصر ذلك اليوم خبر نفي الإمام بتهمة التآمر على النظام.
على إثر ذلك الحدث، قامت المظاهرات في طهران، كما تمّ تعطيل الدروس في الحوزة. وفي نفس ذلك اليوم، اعتقل نجل الإمام السيد مصطفى الخميني، ثم تمّ نفيه إلى تركيا، ملتحقا بوالده.
في المنفى تمّ التضييق على الإمام حتى لم يُسمَح له ارتداء الزيّ الديني، وبدلوا مكان إقامته لقطع الارتباط به؛ فقد نقلوا مكان إقامته من فندق "بولوار بالاس" في أنقرة الغرفة رقم 514 من الطابق الرابع إلى شارع أتاتورك، ثم في 12 تشرين الثاني من العام 1964 م إلى مدينة بورسا. وقد أحاطوا الإمام برقابة مشدّدة من قبل رجال أمن إيرانيين أُرسِلوا خِصّيصاً لهذه المهمة. ولكن كل ذلك لم ينفع في إجبار الإمام على الاستسلام.
سمح النظام لسفر بعض الممثلين عن الجماهير والعلماء إلى تركيا نتيجة الضغوط الجماهيرية عليه للاطمئنان على صحّة الإمام وسلامته. وأظهر الإمام خلال فترة تواجده في منفاه في تركيا وذلك عبر رسائله إلى الثبات على مواقفه الجهادية. وقد حوّل الإمام تلك الإقامة الجبرية إلى فرصة ذهبية استغلّها لتأليف كتاب تحرير الوسيلة وإدراج المسائل المتعلقة بالجهاد والدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لم تكن مطروحة قبل ذلك.
نفي الامام الخميني (قدس سره) إلى العراق
في الخامس من تشرين الأول من عام 1965 م، تمّ نقل الإمام الخميني ونجله السيد مصطفى من تركيا إلى المنفى الجديد في العراق. وهناك عدّة أسباب أدّت إلى تغيير منفى الإمام، نذكر منها:
-الضغوط التي مارسها المتديّنون والحوزات العلميّة في داخل البلاد.
-التظاهرات التي قام بها المسلمون خارج البلاد من أجل إطلاق سراح الإمام.
-سعي النظام الملكي لإظهار الأوضاع بالمظهر العادي والإشارة إلى اقتدار النظام وثباته لكسب المزيد من الدعم الأميركي.
-المشاكل الأمنيّة المتفاقمة في تركيا وتزايد الضغوط الداخلية من قبل الإسلاميين على الحكومة التركيّة.
تصوّر شاه ايران أنّ الوضع السائد في حوزات النجف من عدم الرّغبة في التّدخّل في الأمور السياسيّة، كذلك وضع النّظام الحاكم في بغداد ستكون حواجز تَحُدُّ من فعّاليّات الإمام الخميني.
أثبَت الإمام في بغداد أنه ليس ذلك الشخص الذي يجعل من ثورته ثمناً للمصالحة بين نظامي بغداد وطهران، فلم يستطِع أحدٌ النَّيل من وضع النّفي ليُثني الإمام عن مواقفه أو إدخاله في المهاترات السياسية والمساومة على أهدافه. مع الملاحظة أنه كان يكفي أن يعطي الإمام موافقة مبدئية حتى تنهال عليه أنواع الإمكانات لتوظيفها في مواجهة النظام الملكي في إيران، لكن الإمام بقي ثابتاً على مبادئه حتى اضطرّه الأمر في بعض الأحيان من مواجهة نظامي بغداد وطهران.
لبث الإمام الخميني حوالي الثلاث عشرة سنة في منفاه في النجف الأشرف، وكان أهم ما يتعرض له من ضغوطات من أناس يحسبون على الطبقة العلمائية وممن يلبسون لباس الدين، في توجيه الكلام الجارح وثنيه عن طريقه الذي اختاره.
شرع الإمام في التدريس في مسجد الشيخ الأنصاري منذ تشرين الثاني عام 1965 م. بدأ الإمام بتدريس خارج الفقه رغم كل الضغوط المغرضة واستمرّ في ذلك حتى فترة قبل سفره إلى باريس. وقد كان درس الإمام درساً مميّزاً بسبب تسلّط الإمام على مختلف فنون ومعارف الإسلام. ولم يرتضِ الإمام في الهجرة الجماعية من قبل الطلاب إلى النجف وأصدرت توصياته بلزوم حفظ الحوزات العلمية في إيران.
وفي عام 1969 م شرع الإمام بتدريس سلسلة مباحث حول الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه، وقد أدّى نشر هذه السلسلة في إيران والعراق ولبنان في موسم الحجّ إلى تفجير موجة من الحماس في صفوف المجاهدين.
وبقي الإمام خلال هذه الفترة على اتصال بالمجاهدين داخل إيران، وكان يرسل المبعوثين والرسائل التي تضمّنت توصياته بالثبات ومواصلة النهضة لتحقيق أهداف انتفاضة الخامس من حزيران.
التوجه إلى فرنسا
بعد اجتماع عُقِد بين وزيري خارجية العراق وإيران في نيويورك، تمّ الإتفاق على إخراج الإمام الخميني من العراق.
في 4 تشرين الأول 1978 م، غادر الإمام الخميني النجف الأشرف متوجهاً إلى الكويت التي امتنعت عن استقباله بإيعازٍ من النظام الإيراني. فاقترح بعضهم السفر إلى سوريا أو لبنان، وبعد التشاور مع نجله السيد أحمد، قرّر الإمام السفر إلى باريس التي وصلها في السادس من تشرين الأول، ثم انتقل إلى منزل أحد الإيرانيين المقيمين في "نوفل لوشاتو" (ضواحي باريس).
أوصل موظفو قصر الإليزية رسالة من الرئيس الفرنسي آنذاك "جيكسار ديستان" إلى الإمام الخميني يؤكّد له فيها بضرورة الاجتناب عن النشاط السياسي على أرض فرنسا، فردّ الإمام عليه أنه لن يتراجع عن نشاطه هذا ولو اضطره ذلك الانتقال من مطار إلى مطار. ومن جانب آخر بلّغ النظام الإيراني الرئيس الفرنسي من مغبة إبعاد الإمام الخميني عن أرض فرنسا وأنهم غير مسؤولين عما سيقع في أوروبا وإيران من ردات فعلٍ من قبل الجماهير.
في مطلع العام 1979 م تم اقتراح "شابور بختيار" وهو أحد قادة الجبهة الوطنية من قبل الأمريكان على الشاه لتعيينه رئيسا للوزارء. واتفق قادة الدول الصناعية على دعم وزارة بختيار. وفي تلك الأيام شكّل الإمام الخميني مجلس قيادة الثورة في منفاه.
أشيع خبر مغادرة الملك من البلاد في 16 من كانون الأول 1978 م، فأعقبه خروج الجماهير إلى الشوارع لتحتفل وتعبّر عن فرحها.
عودة الإمام الخميني (قدس سره) وانتصار الثورة
منذ أواخر شهر كانون الأول من عام 1978 م، شاع خبر عزم الإمام الخميني على العودة إلى أرض الوطن. كان يرافق أصدقاء الإمام القلق على حياته ساعين لتأمين كل المستلزمات لحمايته في طريق عودته ووصوله إلى إيران، فكانت هناك مخاوف أمريكية من مجيء الإمام في تلك الظروف واتصاله بالجماهير المليونية فيزوال نظام الشاه لا محالة. لذا فقد لجأوا إلى خطوات عديدة لِثَنْيِ الإمام عن العودة؛ فقد هدّدوا بتفجير الطائرة التي تقلّه إلى التهديد بانقلاب عسكري. حتى أن الرئيس الفرنسي حاول التوسط لدى الإمام لتأخير سفره، لكنه كان قد حسم أمره واتّخذ قراره النهائي بأن يكون إلى جانب الجماهير في هذه الأوقات المصيرية.
حاولت حكومة طهران الضغط عليه من خلال إقفال مدارج المطار، ولكن الملايين اشتركت في تظاهرات في طهران مطالبة بفتح المطار، كذلك جرت اعتصامات، فلم تصمد الحكومة أكثر من عدة أيام ثم رضخت لمطالب الجماهير.
وفي مطلع شهر شباط 1979 م, وصل الإمام الخميني إلى أرض الوطن بعد غياب دام 14 عاماً. حضرت جموع غفيرة لاستقباله قدّرتها وسائل الإعلام الغربية بين أربعة وستة ملايين نسمة. وبعد وصول الإمام توجّهت الجموع إلى مقبرة جنّة الزهراء (بِهِشتِ زهرا) لتصغي إلى حديث الإمام التاريخي. وبعد أيام قلائل عين الإمام "مهدي بازركان" لتشكيل الحكومة الإنتقالية.
11 شباط يوم الله
في الثامن من شباط 1979 م، جاء منتسبو القوة الجوية لمبايعة الإمام في مكان إقامته في المدرسة العلوية في طهران، وشارف جيش الشاه على السقوط. وفي التاسع من شباط من نفس العام، قام منتسبو القوة الجوية في أهم قاعدة لهم في طهران بالتمرّد، فبادرت قوات حرس الشاه للقضاء على حركة التمرد، فهبّت الجماهير لدعم هذه القوات الثورية. وفي العاشر من شباط، كانت أغلب مراكز الشرطة ومراكز الدولة قد سقطت بأيدي الجماهير الثائرة.
أعلن القائد العسكري لمدينة طهران عن تمديد فترة حظر التجول في بيان عسكري أصدره، وبالتزامن مع ذلك عقد "بختيار" اجتماعاً طارئاً أصدر على إثره أوامره في القيام بالإنقلاب العسكري الذي كان معدّاً له سابقاً من قبل الجنرال الأميركي "هايزر". ولأجل الحيلولة دون نجاح المؤامرة، أصدر الإمام الخميني أوامره للجماهير بالنزول إلى الشوارع وإلغاء قرار منع التجوّل بشكل عمليّ، فاندفعت الجماهير رجالاً وأطفالاً ونساءً نحو الشوارع وابتدأوا بإعداد الخنادق.
وما إن غادرت طلائع القوات الإنقلابية قواعدها حتى سيطرت عليها الجماهير، ففشل الإنقلاب من ساعاته الأولى. وبذلك فإن آخر معاقل نظام الشاه قد سقطت، وفي صباح الحادي عشر من شهر شباط 1979، أشرقت شمس النصر لتعلن عن انتصار نهضة الإمام الخميني والثورة الإسلامية.
وفاته (قدس سره)
توفي الإمام الخميني (قدس سره) الساعة الحادية عشرة وعشرون دقيقة قبيل منتصف الليل من الثالث عشر من خرداد 1368 ش (3/6/1989 م).
اختيار القائد
في يوم الـ 14 من خرداد 1368 ش (4/6/1989 م) اجتمع مجلس خبراء القيادة فقرأ آية الله الخامنئي وصية الإمام الخميني التي استغرقت قراءتها ساعتين ونصف الساعة. وبعد ذلك بدأ بالتداول لتعيين خَلَف للإمام الخميني وقائد للثورة الإسلامية، وبعد عدة ساعات من النقاش والتداول تم بالإجماع اختيار سماحة آية الله الخامنئي (رئيس الجمهورية آنذاك) لهذا المنصب.
تشييع الامام الخميني (قدس سره)
في يوم وليلة الـ 15 من خرداد 1368ش (5/6/1989 م) تجمع في مصلى طهران الكبير الملايين من أهالي طهران والمعزين القادمين للعاصمة من مدن البلاد وقراها ليودّعوه للمرة الأخيرة، وبحسب موسوعة غينيس للأرقام القياسية بلغ عدد المشيعين إلى 10200000 نفراً وهو أكبر تشييع شهده العالم.
وفي الساعات الأولى من صباح السادس عشر من خرداد (6 حزيران) صلّى الملايين بإمامة آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني (قدس سره) على جسد الإمام، ودفن في مقبرة بهشت زهراء الواقعة في جنوبي طهران.
فسلام على الامام روح الله الموسوي الخميني يوم ولد ويوم انتقل الى رحمة ربه ويوم يبعث حيا.