وتابع في تصريحه قائلا: أشاهد هذه الأخبار، وفي البداية لا أشعر بأي شيء. لكنني أعود في الليل مرة أخرى إلى أفغانستان. هناك كابوس: العدو وأنا نصوب نحو بعضنا البعض. من سيطلق النار أولا؟ أنا أضغط، لكن الزناد يتجمد. ويلف مقاتل طالبان إصبعه على الزناد فأستيقظ. لقد تكرر هذا الكابوس لمدة 10 سنوات، منذ عودتي من أفغانستان، لكن الآن يبدو وكأنه أصبح حقيقة.
عقود من الحرب تذوب خلال أسابيع. طالبان تتقدم بسرعة تذكرني بالاحتلال الأميركي لبغداد. هناك أوجه شبه أخرى: تدخل قوات طالبان المجمعات المذهبة لحلفائنا الأفغان الفاسدين وتتعجب من الأدلة على سنوات من المساعدة الأميركية التي سرقها زعماؤهم الحكوميون السابقون.
خلال النهار تنشغل أفكاري بالماضي. أسمع عن فرقة عالقة على الطرف الآخر من اللاسلكي، أو تقريرا عن إصابة أحد مشاة البحرية، أسمع صوت الخوف في نبرة الرقيب، دقات الساعة بينما يتدفق الدم من عنق الشاب البالغ من العمر 19 عاما، ونسارع لإرسال المروحية التي ستصل بعد فوات الأوان.
أرى تقريرا يفيد بأن السفارة الأميركية ستتلف أعلامها الأميركية لحرمان طالبان من انتصار دعائي. أفكر في الراية المتلألئة بالنجوم التي خفقت فوق قاعدة الدوريات القديمة، والتي كانت تسمى قاعدة حبيب. خمسة رجال ماتوا تحت هذا العلم، من أجل ماذا؟ .
لا تزال الصقور تدور وتزعق. تعود الأصوات من العشرين عاما الماضية التي حفزتنا لدخول المعركة إلى نشرة الأخبار المسائية لتقنعنا بالبقاء. يقول الجنرالات والأمناء والسفراء السابقون: "لم يفت الأوان بعد.. يمكن لمزيد من القوات أن تصمد، والنصر قاب قوسين أو أدنى".
لكن سرعة تقدم طالبان توضح أن هذه النتيجة كانت دائما حتمية. لم يكن للعدو سبب للتفاوض ولم يشتهر عنه ضبط النفس. كان السؤال الوحيد المطروح على الرئيس بايدن هو عدد الجنود الأميركيين الذين يجب أن يموتوا قبل حدوث ذلك. لكن إذا كانت المغادرة الآن هي القرار الصحيح لأميركا، فهي كارثة للشعب الأفغاني الذي خذلناه.
إنها وحدتي القديمة، الكتيبة الأولى، مشاة البحرية الثامنة، التي تم إرسالها لتأمين المطار في كابول. أتمنى أن أكون معهم.. لكن هذا مستحيل. سرعان ما علمت أن هناك سفارة احتياطية في المطار، وأن موقفنا ينهار، وتحول الحديث من أسابيع إلى أيام، وأخيرا ساعات، 36 ساعة، لإجلاء الأميركيين المتبقين.
بينما يتكشف كل هذا، هناك الكثير من الضجة حول المشاهير في حفلة عيد ميلاد باراك أوباما الستين، وهو احتفال تزامن مع النهاية المخزية للحرب التي وسعها خلال فترة رئاسته. لكنه ليس وحيدا، بل يتحمل رؤساؤنا الآخرون المسؤولية عما حدث. فليس هناك احتفال لمن يتألم منا كل يوم ويتساءل كيف كان يمكن أن يمضي أفضل سنين عمره لخدمة مثل هذه الكذبة.
كان الانهيار مفاجئا، وخروجنا سيئ التخطيط للغاية لإجلاء الأفغان الذين عملوا معنا. نحن بحاجة ماسة إلى الدول المتحالفة التي خاضت حربا معنا لتأخذهم نيابة عنا. بضعة آلاف هنا وبضعة آلاف هناك. أنظر عبر ميناء نيويورك إلى تمثال الحرية وأتساءل لماذا لا نرفع مصباحنا لأولئك الذين تخلت هذه الحرب عنهم. هل ماتت عملاقة تمثال الحرية أم ستنهض لتسديد ديونها؟.
أرى في ذهني مروحية هيوي تتأرجح فوق السفارة الأميركية في سايغون، لكنهم يقولون اطمئن فإن نهاية أفغانستان ستكون مختلفة عن عام 1975. ومع ذلك، فقد قاتل آباؤنا وأجدادنا وخسروا هذه المعركة ونعرف أفضل حتى لو لم نخسرها، فهل سيعاني أطفالنا نفس الشيء؟ .
هناك ما يكفي من اللوم ليشمل الجميع. وفي المحصلة بدون أولئك الذين تطوعوا منا لن يكون هناك من يخوض هذه الحروب. أتوق إلى الظهور أمام الشاب الذي كنت إياه، لأصفعه على وجهه، وأقول له أن يأخذ مسارا مختلفا. أريد أن أقول له "ستموت هناك.. ليس بالجسد بل بالروح." لكنه رحل، وسأقضي بقية حياتي وأنا أحدق في ظله.
وأخيرا، هناك زملائي الأميركيون، الجمهوريون والديمقراطيون والمستقلون على حد سواء، الذين صوتوا دائما وعلى مدار 20 عاما لهؤلاء الرؤساء وأعضاء الكونجرس لتضليلنا وإساءة إدارتنا للهزيمة. هذا العار الوطني هو حجر رحى حول أعناقنا جميعا.
هنا في الوطن، أفق مانهاتن واضح، وبرج الحرية يتلألأ، وأمتنا تتهادى إلى الأمام. وصلت هذه التراجيديا الأميركية إلى نهايتها. الآن ننتظر إسدال الستارة.