البث المباشر

السيدة سكينة بنت الحسين(ع)- الرباب ام الرضيع(ع)

الأربعاء 26 يونيو 2019 - 09:04 بتوقيت طهران
السيدة سكينة بنت الحسين(ع)-  الرباب ام الرضيع(ع)

أأخي ما لك عن بناتك معرضاً

والكل منك بمنظر وبمسمع

أأخي ما عودتني منك الجفا

فعلى م تجفوني وتجفو من معي

فأجابها من فوق شاهقة القنا

قضي القضاء بما جرى، فاسترجعي

وتكفلي حال اليتامى وانظري

ما كنت اصنع في حماهم فاصنعي

ان واقعة كربلاء كانت امتحاناً عظيماً امتاز فيه الناس، حتى افرز فيهم المرتدون والمنافقون والمستسلمون الذين لم يدخل الايمان في قلوبهم قط، وبقوا على نعراتهم الجاهلية، فظهرت يوم عاشوراء، وكان من صورها العجيبة سبي بنات الرسالة، ومنهن سكينة بنت الامام الحسين بن امير المؤمنين علي بن ابي طالب، جدها الاعلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وجدتها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وعمها الامام الحسن المجتبى وعمتها زينب عقيلة آل ابي طالب، واخوتها الامام زين العابدين، وعلي الاكبر وعلي الاصغر عبد الله الرضيع شهيدا كربلاء صلوات الله عليهم اجمعين.
كانت من بعد عمتها سيدة نساء عصرها، عقيلة قريش، ذات عقل ورأي وسيرة مثلى، وقد وصفها ابوها الامام الحسين بان الغالب عليها الاستغراق مع الله تبارك وتعالى، وقد احبها سلام الله عليه حباً خاصاً كما اعتز بامها الرباب القضاعية رضوان الله عليها، حتى نسب اليه قوله:

لعمرك انني لأحب داراً

تحل بها سكينة والرباب

احبهما... وابذل جل مالي

وليس للائمي فيها عتاب

ولست لهم وان عتبوا مطيعاً

حياتي، او يعليني التراب

رافقت سكينة سلام الله عليها اباها وامامها الحسين صلوات الله عليه في رحلته الاستشهادية الى كربلاء، لتعيش هناك فجائع الطف وواقعة عاشوراء المذهلة، وهي تنظر الى اخوتها واعمامها وبني عمومتها واصحاب ابيها الاوفياء، يقتلون ويقطعون، فتعيش مع اهل بيتها تلك الاحزان والفجائع المريرة.. ومنها ان تستقبل اخاها عبد الله الرضيع ذبيحاً من الوريد الى الوريد بسهم حرملة، ولم يكن له من العمر الا ستة اشهر، فتذهل حين تراه على تلك الحالة. فاذا سمعت اباها عند باب الخيمة مودعاً: يا سكينة، يا فاطمة، يا ام كلثوم، يا رقية يا عاتكة يا صفية، عليكن مني السلام، يرتفع منها النحيب والبكاء مع كرائم الوحي، فيضمها ابوها الحسين الى صدره الشريف ويقبلها، ويمسح دموع عينيها بكمه ويقول لها:

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي

منك البكاء اذا الحمام دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

ما كان مني الروح في جثماني

فاذا قتلت فانت اولى بالذي

تأتينه ياخيرة النسوان

ثم كانت الدهشة بعد المصرع الفجيع، اذ يقبل الجواد الى الخيام محمحماً، فتخرج سكينة من خيمتها وسط غبرة عاصفة فتصرخ واقتيلاه! واحسيناه واغربتاه واكربتاه فيخرج باقي الحرم يلطمن ويصحن وامحمداه.
ويكون الاسر والسبي، وتبدأ الرحلة الكئيبة ابتداء من المرور على ارض المعركة، فترى سكينة جسد ابيها في تلك الهيئة التي لا توصف على صعيد كربلاء، فلا تملك نفسها الا ان تهوي عليه تتزود من توديعه في غصص محتضرة، ثم لا تنحى الا بالقهر والسياط اللئيمة. فاذا انتهت رحلة السبا الى المدينة صاحت سكينة: يا جداه اليك المشتكى مما جرى علينا ثم دخلت دار ابيها الموحشة لتقيم فيها عزاءها المديد مع نساء آل بيتها وهن متسربلات بسواد الحزن وذكريات النائبة العظمى.
تلك سكينة ابنة سيد شباب اهل الجنة كانت في ركب السبا، وكانت امها معها في تلك الرحلة الاليمة، وامها هي الرباب ابنة امرئ القيس بن عدي، القضاعية الكلبية، اقترنت بالامام الحسين امرأة مخلصة، وكانت كما وصفها ابو الفرج الاصفهاني من خيار النساء وافضلهن، كما كانت ذات عقل وادب رفيعين، فاعتز بها الامام الحسين واعتزت به، حتى نهضت معه الى ارض النكبات في كربلاء، لتعيش مع آل البيت مصائبهم العظمى، ولتقدم طفلها الرضيع عبد الله بقماطه وهو ابن ستة اشهر الى ابيه عله يسقى ماء وقد تلظى قلبه ظمأً فأخذ يحرك شفتيه يطلب بهما قطرات تنقذه من الموت، فاذا بسهم حرملة يذبحه من الوريد الى الوريد، فتراه امه الرباب. فتذهل لما ترى ولا تكاد تصدق عينيها، وتضمه الى صدره تقنع نفسها انه سيرتضع شيئاً يفيق به، وقد احاط بها نسوة آل البيت باكيات نادبات، واجتمعن حولها حلقة وقد ارتفعت اصواتهن بالعويل.

لهفي على ام الرضيع وقد دجا

عليها الدجى، والروح نادت حمائمه

فمذ لاح سهم النحر ودت لو انها

تشاطره سهم الردى وتساهمه

اقلته بالكفين ترشف ثغره

وتلثم نحراً قبلها السهم لاثمه

بني افق من سكرة الموت وارتضع

رويداً ... لعل القلب يهدأ هائمه

بني لقد كنت الانيس لوحشتي

وسلواي اذ يسطو من الهم غاشمه

وبعد الفاجعة العظمى بشهادة الامام الحسين صلوات الله عليه، وجدت الرباب عليه وجداً شديداً، حتى روي انها اقامت على قبره سنة كاملة، وقيل انها اخذت الرأس الشريف، ووضعته في حجرها وقبلته، وخاطبته بقولها:

واحسينا ... فلا نسيت حسيناً

اقصدته اسنة الاعداء

غادروه بكربلاء صريعاً

لا سقى الله جانبي كربلاء

وكانت قد واصلت مع حرم آل البيت مسيرة السبي، وهي في حزن عميق دائم جفت معه دموعها من كثرة البكاء، فاعلمتها بعض النسوة ان السويق يسيل الدمعة، فدعت ان يصنع لها السويق لاستدرار الدموع.. وكان من رثائه لابي عبد الله الحسين عليه الصلاة والسلام قولها فيه:

ان الذي كان نوراً يستضاء به

بكربلاء قتيل غير مدفون

قد كنت لي جبلاً صعباً الوذ به

وكنت تصحبنا بالرحم والدين

من لليتامى ومن للسائلين ومن

يغني، ويأوي اليه كل مسكين؟!

والله لا ابتغي صهراً بصهركم

حتى اغيب بين الرمل والطين

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة