البث المباشر

تفسير موجز للآيات 31 الى 49 من سورة الصافات

الثلاثاء 14 إبريل 2020 - 09:46 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 819

نهج الحياة سورة الصافات آيات 31 - 38 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد وآله الطاهرين ؛السلام عليكم مستمعينا الكرام ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم إلى نهج الحياة مع تأمل آخر عند أيات مباركات من سورة الصافات. دعونا أيها الأحبة لنستمع إلى تلاوة مرتلة للايات 31 حتى 33 من سورة الصافات المباركة :

فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا ۖ إِنَّا لَذَائِقُونَ ﴿٣١﴾

 فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴿٣٢﴾ 

فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴿٣٣﴾

في الحلقة الماضية بلغ بنا الحديث عن تبرئة كل من الضالين والمضلين من نتيجة العاقبة التي حصل عليها كل منهم و هي تضمّنت إشارات ذات مغزى عن التخاصم الذي يقع بين الأتباع والمتبوعين يوم القيامة و في جهنّم.وهذا تحذير مفيد لكلّ من يضع عقله ودينه تحت تصرّف أئمّة الضلال.بحيث يحاول كل من منهم في يوم القيامة أن يحمّل الطرف الاخر مسؤولية الانحراف الذي سلكوه في الدنيا ولكن الجدال فيما بينهم لا يجدي نفعا و لا يؤدّي إلى نتيجة، ولا يستطيع أي واحد منهم إثبات براءته.وهنا يعترف أئمّة الضلال بهذه الحقيقة، ويقولون: بهذا الدليل ثبت أمر الله علينا، وصدر حكم العذاب بحقّ الجميع، وسينالنا جميعاً عذاب الله (فحقّ علينا قول ربّنا إنّا لذائقون). وهذا هو مصير الطغاة،الضالّين المضلّين فقد ضلوا الطريق في البداية ثم قاموا بإضلال الاخرين (فأغويناكم إنّا كنّا غاوين).

ترشدنا الايات إلى دروس حياتية مهمة منها :

  • سيقر المجرمون بالمواعيد التي وعد بها الله لهم على لسان انبيائه في الدنيا ولكن الاقرار في يوم القيامة لا يجدي نفعها. 
  • إن التواصل والرفقة مع الضالين تمهد أرضية الضلال لدى الانسان إلى يوم القيامة. 
  • إن اتخاذ الفسقة باعتبارهم قادة في المجتمع الاسلامي يمهد الطريق لتشجيع الظالمين المنحرفين وبالتالي مشاركة الناس في ازدياد عذابهم الاخروي. 

 أما الان ايها الاحبة نستمع إلى تلاوة الايات34 و35 من سورة الصافات المباركة.

إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴿٣٤﴾

 إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّـهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٣٥﴾

هذه الايات تشير إلى السنة الإلهية المستمدّة من قانون العدالة في مواجهة المذنبين المجرمين ثمّ توضّح السبب الرئيس الكامن وراء تعاسة اُولئك، وتقول: (إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلاّ الله يستكبرون). إنّ التكبّر والغرور، وعدم الإنصياع للحقّ، والعمل بالعادات الخاطئة والتقاليد الباطلة بإصرار ولجاجة، والنظر إلى كلّ شيء بإستخفاف وإستحقار، تؤدّي جميعاً إلى إنحراف الإنسان. إن روح الإستكبار يقابلها الخضوع والإستسلام للحقّ والذي هو الإسلام الحقيقي، الإستكبار الذي هو أساس الظلام، فيما أنّ الخضوع والإستسلام هو أساس السعادة. نتعلم من الايات المباركات دروسا ومواعظ منها :

  • إن وعد الله حق محقق في الدنيا والاخرة و لا يمكن تصور عدم تحققه. 
  • إن أصول الذنوب والانتهاكات والانحرافات تعود إلى عدم الرضوخ لتوحيد الله تعالى - لم يكن الانبياء يدعون الناس إلى انفسهم بل كانت رسالتهم جميعا الدعوة إلى الله تعالى. و لم يجنوا من هذه الدعوة منافع مادية بل واجهوا أقسى أنواع الأذى و التهمة. 

 و هذه تلاوة الايات 36 حتى 38 من سورة الصافات نستمع إليها:

وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴿٣٦﴾

 بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴿٣٧﴾ 

إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ﴿٣٨﴾ 

تشير هذه الايات إلى أحد التبريرات التي أثاروها المشركون لمواجهة دعوة النبي إلى الله تعالى حيث اتهموه بالشاعر لأنّ كلامه كان ينفذ إلى قلوبهم ويحرّك عواطفهم، وكانوا يعتبرونه (مجنوناً) لكونه وقف موقفاً صلباً أمام العقائد الخرافية التي يعتقد بها المجتمع المتعصّب حينذاك، الموقف الذي اعتبره المجتمع الضالّ في ذاك الوقت نوع من الإنتحار الجنوني، في الوقت الذي كان أكبر فخر لرسول الله (ص)، هو عدم إستسلامه للوضع السائد حينذاك. هنا تدخل القرآن لردّ إدّعاءاتهم التافهة والدفاع عن مقام الوحي ورسالة النّبي (ص)، عندما قال: (بل جاء بالحقّ وصدّق المرسلين). فمحتوى كتابه من جهة، وتوافق دعوته مع دعوات الأنبياء السابقين من جهة اُخرى، هي خير دليل على صدق حديثه. أمّا المستكبرون الضالّون، فسيذوقون العذاب الإلهي الأليم (إنّكم لذائقوا العذاب الأليم).

نستلهم من الايات معاني منها:

  • إن العصبية والإصرار على التقاليد و العقائد المنحرفة يمنع من الرضوخ أما الحق.
  • إن كيل التهم والاستهزاء أدوات يستخدمها أعداء الدين والمذهب لمنع تنمية رقعة الاسلام إن جميع تعاليم الانبياء كلها على مستوى واحد إذ تدعو جميعا إلى التوحيد و عبادة رب العزة والشهادة.

 إلى هنا وقد انتهت حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة نشكركم على حسن المتابعة والى اللقاء.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وآله الطاهرين .. يتجدد لقاءنا بحضراتكم ضمن حلقة من برنامج نهج الحياة لنواصل الحديث في سورة الصافات و تحديدا في الايات 39 إلى 49 منها.

لنبدء البرنامج بالاستماع إلى تلاوة مرتلة للاية 39 من هذه السورة المباركة :

 وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٣٩﴾

جرى الحديث في الحلقة الماضية عن التهم التي وجهها المشركون والكفار إلى النبي الأكرم (ص) و وتعذيبهم يوم القيامة بسبب تلك الأعمال المشينة. ولكن الملاحظة المهمة هنا هي أن العذاب ليس بدافع من التشفي أو مبني على الأحقاد أو الضغائن بل إن العذاب الأخروي هو نتيجة لنفس الاعمال التي قام بها هؤلاء في الدنيا .

وعليه فإن العذاب يناسب حجم وخطورة الإعمال المحرمة التي ارتكبها الانسان .وذلك في يوم يحصد الانسان الثمار التي زرعها في الدنيا .

والان إليكم تلاوة الايات 40 إلى 44 من سورة الصافات:

إِلَّا عِبَادَ اللَّـهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿٤٠﴾ 

أُولَـٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ ﴿٤١﴾ 

فَوَاكِهُ ۖ وَهُم مُّكْرَمُونَ ﴿٤٢﴾ 

فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿٤٣﴾

 عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴿٤٤﴾

بعد أن ذكرت الايات الماضية مصير الكفار تستثني هذه الايات فئة من العذاب، وهي فئة عباد الله المخلصين أصحاب الجنة .

" مخلِص" هو اسم فاعل يطلق على من يعمل ويجتهد لوجه الله تعالى. و الاسم المفعول من هذه الكلمة هو المخلَص بفتح اللام و يطلق على من أخلصه الله تعالى بواسطة ما يحمله من كمالات روحية و معنوية. كالنبي يوسف (ع) الذي أخلصه الله من ورطة زليخا إذ يقول فيه القران " إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ". وبالطبع لا يبلغ الانسان درجة المخلَصين إلا إذا أخلص لله تعالى بحيث لا يومه في الله لومة لائم .

ترشدنا الايات إلى مفاهيم منها:

  • إن عبودية الله تعالى في جميع الشؤون الحياتية تمهد لخلاص الانسان من كل شرك ورياء .
  • إن العقوبة التي تنتظر المجرمين تتناسب مع حجم جرائمهم وهي على أساس العدل الالهي ولكن المحسنين يحظون بفضل الله تعالى. كما أن الجنة فيها اللذة المادية والمعنوية معا و لكل رزق محدد .
  • إن من أكبر النعم والملذات في الجنة هو لقاء أولياء الله ومجالستهم والتآلف معهم .

 

والان ننصت إلى تلاوة الايات 45 حتى 49 من سورة الصافات:

يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴿٤٥﴾ 

بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴿٤٦﴾

 لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴿٤٧﴾ 

وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ﴿٤٨﴾ 

كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ﴿٤٩﴾ 

مازال الحديث حول النعم التي ينعم بها أهل الجنة و منها تشير الاية إلى السرر التي يتكؤن عليها في أجواء ملؤها المحبة والوداد . إذ يطاف عليهم بكؤوس مملوءة بأنواع الخمور الطاهرة خمور ليس فيها "غول" أي الفساد الذي ينفذ إلى الشيء بصورة غير محسوسة، خمور طاهرة تجري في الأنهار،ولا يحتاج إلى أي مشقّة أو تعب.

أمّا القسم الأخير من تلك النعم فهو الحور العين في جنّات النعيم (وعندهم قاصرات الطرف عين)، أي نرزقهم زوجات لا يعشقن سوى أزواجهن ويقصرن طرفهن عليهم فقط، ولهذه الزوجات أعين واسعة وجميلة.

هذه الاية تعطينا وصفاً ملموسا لزوجات الجنّة، إذ توضّح طهارتهنّ وقداستهن من خلال هذه العبارة (كأنّهنّ بيض مكنون) أي إنّهن نظيفات وظريفات، وذوات أجسام بيضاء صافية كالبيض الذي كنه الريش في العشّ فلم تمسّه الأيدي ولم يصبه الغبار.و هو تشبيه قرآني يتّضح بصورة جيّدة فيما لو نظر الإنسان إلى البيضة في اللحظة التي تنفصل فيها عن الدجاجة، ولم تمسّها بعد يد الإنسان لتستقرّ تحت جناح الدجاجة وريشها، إذ تبدو عليها شفافية وصفاء عجيبان.

توحي هذه الايات بعض المفاهيم منها:

  • الايات تؤكد أن المعاد في يوم القيامة هو معاد جسماني حيث تشير إلى أنواع الملذات المادية في الجنة، كذلك الحال بالنسبة إلى أهل النار فإن عقوباتهم جسدية أيضا.
  • إن اللون الأبيض هو من الألوان الموجودة في الجنة وهو يدل على الضياء والجمال والطهر والنقاوة.
  • إن الزوجات في الجنة يحملن الجمال الظاهري والطهر النقاوة والعفاف معا.

 

أيها الأكارم إلى هنا انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة على امل أن نلقاكم مجددا نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة