البث المباشر

تفسير موجز للآيات 34 الى 37 من سورة سبأ

الإثنين 13 إبريل 2020 - 14:52 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 782

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين .. السلام عليكم ايها الأكارم ورحمة الله .. نلتقيكم بتوفيق من الله ضمن حلقة جديدة من نهج الحياة حيث نواصل الحديث في شرح مبسط لسورة سبأ وتحديدا أيات هذه الحلقة هي34 إلى 37 .. فأهلا بكم .بداية ننصت إلى تلاوة الأيتين 34 و35 منها:

وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ﴿٣٤﴾ 

وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿٣٥﴾ 

بعد أن كان الحديث في الآيات السابقة في المستكبرين الغاوين ، فإنّ جانباً آخر من هذا البحث تعكسه هاتان الآياتان بطريقة اُخرى، وتقدّم المواساة أيضاً للرسول (ص) ضمن إشارتها بأن لا تعجب إذا خالفك المخالفون، فإنّ المستكبرين المترفين طبعوا أيضا على مخالفة أنبياء الحقّ، فتقول الآية المباركة: (وما أرسلنا في قرية من نذير إلاّ قال مترفوها إنّا بما اُرسلتم به كافرون). المترف من مادّة "ترف" بمعنى "التوسّع في النعمة" و هو الشخص الذي قد أبطرته النعمة وسعة العيش.

وقد كشف القرآن الكريم في آيات مختلفة عن مسألة مهمّة، وهي أنّ المحرومين هم أوّل من يلبّي دعوة الأنبياء، و ان المتنّعمين المغرورين أيضاً هم أوّل مجموعة ترفع راية المخالفة. وبالرغم من أنّ منكري دعوة الأنبياء لا ينحصرون في هذه المجموعة فقط، ولكنّهم غالباً عامل الفساد الأوّل والدعاة إلى الشرك والخرافات، ويسعون دوماً إلى إكراه الآخرين لسلوك طريقهم.

نستلهم من الايتين دروسا عدة منها:

  • إن الترف وسعة العيش أحيانا تعمي بصيرة الانسان وبالتالي لا يرى الحقائق فيكون من أوائل المعارضين لتعاليم الانبياء السماوية .
  • إن كثرة النعم التي يتمتع بها الانسان لا تدل على قربه من الله تعالى بل إن وفور النعم يحمل الانسان الكثير من المسؤوليات والمهام .
  • إن ادت الحياة الرغيدة وسعة العيش بصاحبه إلى الغرور والتكبر فهي توقع بالفرد في بؤرة العناد مع الحق.
  • إن كثرة النعم ورفاهية العيش ليستا من علائم السعادة الأخروية. فما أكثر المنعمين الذين لا راحة لهم في الاخرة.

 

والان اليكم تلاوة الاية 36 من سورة سبأ:

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٦﴾

استكمالا لموضوع الاية السابقة تأتي الاية لتنسف مزاعم المستكبرين ومنطقهم الأجوف الذي يتمسّكون به لإثبات أفضليتهم ولإستغفال العوام حيث يقولون ( نحن أكثر أموالا وأولاداً وما نحن بمعذّبين) فلو كنّا مطرودين من رحمته فلِمَ سخّر لنا كلّ هذه النعم أساسا ؟ فهذه الاية تخاطب الرّسول (ص) و تقول: " إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ " وذلك أيضاً طبقا لمصالح مرتبطة بإمتحان الخلق وبنظام حياة الإنسان، وليس له أي علاقة بقدر الإنسان ومقامه ومكانته عند الله سبحانه وتعالى .

(ولكن أكثر الناس لا يعلمون). أجل فإن أكثر الجهّال المغفّلين هم لا يعلمون هذه الحقيقة وإلاّ فإنّ هذا الأمر واضح وبين للمؤمنين وقليل ما هم.

إلى بعض من الدروس التي تقدمها لنا الايتان:

  • لا يجب إعتبار سعة الرزق دليلا على السعادة، وقلّته على الشقاء.
  • إن من مهام الانبياء تصحيح أفكار الناس ومعتقداتهم الخاطئة كي لا ينسبوا إلى الله ما لا يصح.
  • الإنسان المؤمن يرى الأموال والأولاد مواهب وعطايا الهية و لا يري نفسه إلا مجرد واسطة وعليه فينبغي أن لا يلتهي الانسان بطلب الرزق والأولاد و ينسى الله تعالى الذي بيده أرزاقنا جميعا.

 

والان نستمع إلى تلاوة الاية 37 من سورة سبأ:

وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴿٣٧﴾ 

استنادا إلى الاية 15 من سورة التغابن (إنّما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم) فإن جميع النعم الالهية ومنها الاموال والاولاد كلها أدوات لاختبار الانسان في الحياة. فكم من أصحاب الثروة والنفوذ استثمروا النعم الالهية في طريق طاعة الله وخدمة الناس وأعمال البر فهم سينالون رحمة الله ومغفرته ورضوانه. وكم من الأثرياء أصبحت ثروتهم وسيلة لعذابهم في الاخرة. و كم من المحرومين الذين امتحنوا بالحرمان، فنالوا أرقى الدرجات والمراتب الروحية. ولكن ليس معنى هذا هو حثّ الإنسان على ترك السعي والدأب اللازم لإقامة الأود، بل المقصود هو التأكيد على أنّ امتلاك الامكانات الإقتصادية والقوّة البشرية الواسعة لا يمثّل أبداً أيّة قيمة معنوية للإنسان عند الله.فانما يسبّب القربي منه تعالي هو كما تقول الاية: (إلاّ من آمن وعمل صالحاً فاُولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون).وعليه فجميع المعايير تعود أصلا إلى هذين الأمرين "الإيمان" و "العمل الصالح".سواء كان الفرد غنيا أو فقيرا.

نستلهم من الاية تعاليم منها:

  • إختلاف مراتب البشر أمام الله إنّما هو بتفاوت درجات إيمانهم ومراتب عملهم الصالح، ولا شيء سوى ذلك.
  • إن عبيد الدنيا المغرورين يتصوّرون بأنّ القيم تنحصر فقط في المال والقدرة المادية والتعداد البشري.
  • إن أوّل عمل إصلاحي يقوم به الأنبياء هو تحطيم اُطر التقييم الكاذبة تلك، وإستبدالها بالقيم الإلهية الأصيلة والقيام بـ "ثورة ثقافية".

 

بهذا أيها الكرام تنتهي حلقة اخرى من برنامج نهج الحياة استمتعم له من ... حتى الملتقى في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة