البث المباشر

الشراكة

الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 - 08:19 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 82

خبراء البرنامج: سماحة الشيخ شاكر الشيبي الباحث الاسلامي من طهران والدكتور هاشم الحسيني الأستاذ في علم النفس الاجتماعي من بيروت
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أعزائي المستمعين في حلقة اليوم سيكون موضوعنا عن إحدى المشاكل التي تتولد أحياناً بين صديقين او أكثر او حتى بين الأخوة في بعض الأحيان والسر يعود الى الشراكة في العمل بين هؤلاء والإتفاق مثلاً على إنشاء مشروع معين او القيام بتجارة مشتركة لبضاعة معينة ولكن بعد مرور بعض الوقت نجد احد الشريكين إما يخلف في الإستمرار في الشراكة او يخلف بالإلتزام بأحد البنود فتنجم المشكلة وتؤدي بالتالي الى خراب حتى علاقة الود والمحبة التي كانت سائدة بين الشركاء. في حلقة اليوم أعزائي سيكون في ضيافتنا كل من فضيلة الشيخ شاكر الشيبي الباحث الإسلامي من طهران والدكتور هاشم الحسيني الأستاذ في علم النفس الإجتماعي من بيروت وذلك لإلقاء الضوء أكثر على هذا الموضوع ومناقشة أهم الحلول وأهم الشروط لإدامة الشراكة على أسس المحبة والإحترام والأكثر اهمية هو الإلتزام بما سنه الله تعالى في كتابه العزيز بكل ما يخص الشراكة.
مستمعينا الأفاضل حسين وعصام صديقان حميمان جداً قررا في يوم إفتتاح محل لبيع الأجهزة الكهربائية في الحي الذي يسكناه وفعلاً قاما بتأجير المحل والبدأ بترميمه وتجهيزه بكل ما يلزم من الوسائل والحاجات ولم يمض شهر واحد حتى إكتمل كل شيء وصار المحل جاهزاً ومهيئاً لإستقبال الزبائن.
كان حسين سعيداً جداً بالمشروع وإن كان صغيراً ولكن كان بمثابة وسيلة أراد من وراءها تحقيق غاياته ألا وهي الحصول على راتب شهري جيد يعينه ويعين عائلته ويعين في نفس الوقت زواجه المرتقب لذلك كان يخرج صباحاً مبكراً وقبل صديقه عصام فيبدأ بالعمل لوحده حتى يصل شريكه ولذلك وفي بعض الأحيان كان يواجه بعض الإحراجات عندما يزدحم المحل بالزبائن ويكون حسين لوحده. يتصل في هذه الحالة بشريكه عصام فيجده أحياناً نائما او لايرد على الإتصالات المتكررة.
اعزائي ظلت هذه الحالة ملازمة لعصام حوالي الشهر، أضطر بعدها حسين أن يطلب منه النهوض مبكراً للمجيء الى المحل من أجل مشاركته في كل مايستوجبه العمل ورغم ذلك فلم يبدي عصام أي إهتمام للأمر بل ظل كما كان عليه في السابق، ينهض متأخراً ويصل المحل متأخراً وعندما يطلب منه حسين القيام ببعض الأعمال كان عصام يتحجج ويؤجل ذلك او يطلب من حسين إنجازها بدلاً عنه. هذا الأمر مستمعينا الأفاضل كان يغضب حسيناً كثيراً ولكنه مال الى الصبر والتحمل لأجل سببين لا اكثر. أولهما حتى لايفقد المحل بسبب إهمال صديقه وثانياً لأجل لايفقد صديقه لأجل المحل أي ان حسيناً كان يفكر بالإثنين معاً ودون تمييز. جاء حسين في احد الأيام شقيق عصام إسمه نوفل وقال: السلام عليك ياحسين
ردّ عليه حسين: وعليك السلام. وقال له: تفضل ما الخبر؟ هل هناك مشكلة حصلت؟
هزّ نوفل رأسه وقال: في الحقيقة هي ليست بالمشكلة ولكني جئت بالنيابة عن اخي عصام لأمر ما!
إندهش حسين مما سمعه وقال: ما الأمر؟ هل هناك شيء حصل لعصام؟
سارع نوفل وطمأن حسيناً قائلاً: لا لا لا لاتقلق، هو بخير ولكنه خجل مما يريد قوله لك!!
تعجب حسين وقال: خجل؟ ولماذا؟
قال نوفل: هو لايريد الإستدامة في العمل في المحل إلا اذا تم تغيير طبيعة العمل فيه.
ردّ حسين وقال: ولكن والحمد لله المحل بات يدر أرباحاً لابأس بها رغم أنه في بداية الطريق. فلماذا هذا التغيير؟
وبعد كلام طويل بين حسين ونوفل إقتنع حسين بتغيير طبيعة العمل في المحل تلبية لرغبة صديقه عصام.
أعزائي رغم ما قام به حسين لأجل عصام لكن الأمور لم تكن تسير بشكل مرض بينهما فعصام لم يكن يحضر الى المحل كعادته مبكراً وكالعادة ايضاً كان حسين هو الذي يقوم بإدارة أغلب شؤون المحل والذي سبب له إنزعاجات كثيرة إضطرته في بعض الأحيان الى أن يفكر هو في فسخ الشراكة.
ذات يوم جاء عصام وإقترح على حسين شراء بضاعة من السوق. ردّ عليه حسين قائلاً: هذه البضاعة غير نافعة بل سوف تضر بما لأنها بصراحة ذات موديل قديم ولاتنافس البضائع الأخرى المشابهة لها.
أصرّ عصام على شراءها وقال: المحل ليس ملكاً لك وحدك فهو ملك لي أنا ايضاً وعندما أرغب في شراء شيء من حقي ذلك كما انت من حقك أن تشتري ما تراه مفيداً.
وهنا قال حسين لعصام: أنت الآن إعترفت ياأخي أن الشيء المفيد وحده تجب التجارة به أما باقي الأشياء فلا داعي لشراءها أبداً.
دمدم عصام وقال: ولكني أرى في هذه البضاعة ربحاً وفيراً صدقني.
لم يوافق حسين على ذلك لأنه كان يدرك أن ما يقوله عصام لم يكن نابعاً من حرصه على المحل بل كان يريد شراء البضاعة لأنها تعود لأحد أصدقاءه في السوق ليس إلا.
نعم أعزائي الكرام لما عاد حسين الى البيت وجد أمه في حالة صحية متردية. إضطرب بادي الأمر قليلاً لكن إضطرابه زاد أكثر بعد أن عرف من اخته أن الطبيب قد أوصى بإجراء العلمية الجراحية لأمهما بسرعة لكي لايتفاقم المرض. وبعد حديث طويل مع أخته ومشاورات مع امه تم الإتفاق على مقابلة الطبيب الأخصائي عند الصباح لإجراء العملية الجراحية وفي هذه الحالة كان على حسين أن يأخذ قسطاً من أرباحه المودعة في المحل ويعطيها للطبيب لكنه فوجئ أن شريكه عصام قد تصرف بكامل ماهو مودع في المحل من النقود لأجل شراء تلك البضاعة ما أغضب حسيناً كثيراً.
فقال لعصام وبعد عودته من السوق بكل عصبية: كان الأجدر بك أن تتصل بي على الأقل قبل أن تتصرف لوحدك برأس مال المحل. هل تعرف أنني بحاجة ماسة جداً الى النقود لمعالجة امي؟ هل تعلم أن علاج امي في المستشفى كم يكلف اليوم؟
لم يصبر عصام لتوجيه حسين التهم له فردّ هو الآخر بكلام لايليق بهما وبالمقابل ردّ حسين ايضاً ورد عصام على حسين حتى تطور الأمر وراح الإثنان يتشاجران شجاراً دفع بالآخرين لأن يتدخلوا لفضه ، ولكن دون جدوى لأن أعصاب حسين قد إنهارت وأعصاب عصام كذلك.
وهكذا اعزاءنا المستمعين وجب علينا بعد أن إستمعنا الى قصة اليوم أن نتوجه الى فضيلة الشيخ شاكر الشيبي الباحث الاسلامي من طهران لسؤاله عما جاء في القرآن الكريم من أحكام شرعية فيما يخص الشراكة وأصولها سواء بين طرفين او أكثر وماهو الحكم في حالة عصام وحسين؟ فلنستمع معاً
الشيبي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
الشركة عرفها الفقهاء بأنها إجتماع حقوق الملاك في الشيء الواحد على سبيل الشياع كما جاء في كتاب "جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام" وعند العلامة المحقق السيد اسماعيل المرعشي قدس سره تعرف الشركة بأنها إجتماع حقوق ذوي الحقوق في الشيء الواحد على سبيل الشياع وذلك ليشمل التعريف الشركة في القصاص وحد القذف والرهن والشفعة ونحوها. ثم أن الشركة قد تحصل بالعقد كما اذا تعاقد المتشاركان او المشاركون على تأسيس شركة تجارية او صناعية او زراعية او ثقافية ونحوها وقد تحصل بالقهر وغير العقد كما اذا توفى الوارث وورث لوراثه ملكاً مشاعاً او إختلطت حبوب كانت لأفراد لايمكن تمييزها بعد الإختلاط فأصبحت حقوقهم وإستحقاقهم في هذه الحبوب المختلطة مشاعاً بينهم وهم شراك قهراً. قال ايضاً الفقهاء المال المشترك قد يكون عيناً وقد يكون منفعة كالإجارة والحبس والسكنى والطرق العامة ونحوها وقد يكون حقاً كالخيار والشفعة والقصاص كما مر. وقالوا ايضاً تدل على جواز عقد الشركة ومشروعيته في الاسلام أنها من المعاملات العرفية الضرورية مضافاً الى الإجماع والنصوص من الآيات والروايات فمن الآيات قوله تعالى " فكلوا مما غنتم حلالاً طيباً" سورة الأنفال الآية ٦۹ دلت على إشتراك الغانمين في الغنيمة لجمعهم في الخطاب. ومنها قوله تعالى "فهم شركاء في الثلث" سورة النساء الآية ۱۲ لإلتزامها الشركة.
ومن الروايات ماروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام عن الرجل يشارك في السلعة، قال عليه السلام "إن ربح فله وإن وضع فعليه" كتاب الوسائل، كتاب الشركة الباب الأول، الحديث الأول وغيره من الأحاديث الأخرى التي لامجال لبيانها في هذا الوقت المحدد.
واذا أراد رجلان أن يشتركا كما في حال الأخوين عصام وحسين وأخرج كل منهما مالاً مثل مال صاحبه ثم خلطا ذلك على أن يبيعا ويشتريا فما كان في ذلك من فضل أي ربح كان بينهما وما كان من وضيعة أي خسارة كان عليهما بالسواء. ويجب على الشركاء او الشريكين هنا العمل بما إشترطوه ولايجوز التخلف عن الشرط.
"والمؤمنون على شروطهم كما يجب الوفاء بعقودهم وعهودهم" ومن ينكل عن الشروط يكون مسؤولاً أمام الشرع المقدس في هذا النكول والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد أن إستمعنا الى فضيلة الشيخ شاكر الشيبي الباحث الاسلامي من طهران نتوجه الآن للكتور هاشم الحسيني الأستاذ في علم النفس الاجتماعي من بيروت لسؤاله عن التداعيات الاجتماعية التي خلفها عدم التفاهم وعدم الإنسجام مابين عصام وحسين. وماهو رأي القانون المدني وكل ماهو متعارف عليه في البدأ بأي مشروع شراكة؟ فلنستمع اليه
الحسيني: في الواقع حينما يقوم إثنان او اكثر شركاء في عمل ما لابد أن يتفقوا جميعاً على أن هذا العمل يحقق هدفاً يعود بالفائدة عليهم جميعاً. في مثل هذه الحالة هناك شريكان، هذان الشريكان أحدهما قد تولى الشراكة والإضطلاع بالأعمال المتعلقة بها والثاني لم يتعاطى بهذه الشراكة إلا أنه شريك قانوني وقد أولى شريكه الآخر ثقته المطلقة حيث أن هذا الشريك يدير الأعمال ويحتفظ طبعاً بشريكه وبصاحبه بما له من حقوق ذلك لأنه لايريد أن يتصرف شخصياً في هذا العمل وفي نفس الوقت هو يثق بشريكه وبالتالي أولاه الثقة المطلقة فتبين بالنتيجة اذا صح قول هذا الذي يقول أنه لم يتلقى أي فائدة من العمل قد أخل الشريك الآخر بعهوده ولم يكن أهلاً للثقة التي اولاه إياها. طبعاً هذه مسئلة تحدث مشكلة شخصية كبيرة ويترتب عليها تداعيات إجتماعية ونفسية لأنها خلاف امر ما ولابد للقانون أن يحله وفي نفس الوقت يتحول هذا الخلاف الى خلاف شخصي بحيث أن من يشعر أن الآخر قد إستولى على حقوقه او على نصيبه من هذه الحقوق سيشعر إتجاهه بالحقد والكراهية بما يؤدي احياناً الى امور لاتحمد عقباها فهذه مسئلة شائكة جداً وحلها يجب أن يكون على مراحل وفقاً لما هما عليه من مراحل قطعاها معاً يعني في البداية مثلاً لابد أن يتفاهما وجهاً لوجه وأن يقابلا كل منهما الآخر ويشرح له ويسمع وجهة نظر الآخر، اذا لم يستطيعا الوصول الى حل ما بالتفاهم المباشر سيلجئان مثلاً في خطوة ثانية الى الأصدقاء او الوسطاء الذين يعرفون كثيراً عن هذا الأمر وقد يمكن أن يؤثروا في عملية إيجاد حل لهذه القضية الشائكة. أما اذا لم يستطيعوا الأصدقاء أنفسهم والذين قد أحاطوا بالقضية من قبل أن يساعدوا فهنا يتحول النزاع الى نزاع شرعي وقانوني ولابد للمسئلة القانونية وأن يلجأ الشخص الى تحصيل حقه بنفسه كما يقال بمعنى أن يواجه الشخص الآخر ويأخذ منه الحق ولابد في المرحلة الأخيرة من القضية اللجوء الى الشريعة او القانون وهما المرجعان الأخيران اللذان يبتان بهذه العملية. إلا أن ذلك ولو بعد أن يعطي القانون والشريعة رأيهما في الموضوع ويحكمان الأمر من الناحية الشرعية والقانونية لابد أن يترك الأمر رسوبيات عند هذين الشخصين وبالتالي يحتاجان فيما بعد الى إعادة بناء علاقتهما من جديد لأن هذه العلاقة تكون قد تصدعت نتيجة فقدان الثقة بينهما.
في ختام حلقة اليوم نشكر لكم أعزائي الكرام حسن الإستماع الى برنامج من الواقع كما نشكر لضيفينا الكريمين حسن الإهتمام والمشاركة معنا، على امل أن نلتقيكم في حلقات اخرى من البرنامج، الى اللقاء.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة