البث المباشر

طرد الآباء لأبناءهم من البيت

الإثنين 18 نوفمبر 2019 - 14:07 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 63

خبراء البرنامج: السيد راضي الحسيني الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتور هاشم الحسيني الأخصائي في علم النفس الإجتماعي من بيروت
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في حلقة اليوم من برنامج من الواقع. في حلقة اليوم أحبتي سنتحدث عن موضوع مهم وحسّاس جداً يتعلّق بعلاقة الآباء بالأبناء والتي ينتابها بعض الأحيان التوتر الشديد بسبب غلو الآباء في محاسبة او معاقبة أبناءهم حتى لو كان إرتكابهم للخطأ لايستوجب ذلك الحجم من العقوبة فنجد الأب أحياناً يطرد إبنه من البيت ولايسمح له بالعودة ظناً منه أن في ذلك درساً له وعبرة سوف يستفيد منها. إنه أحبائي موضوع طرد الآباء لأبناءهم من البيت الذي بكل تأكيد وكثيراً ما سمعنا قصصاً بهذا الخصوص يؤدي الى نتائج وخيمة يدفع ثمنها الأبناء عادة وبالتالي ينعكس بسلبياته ايضاً على كل أفراد الأسرة ولكي نسلط الضوء أكثر على موضوع حلقتنا نستضيف كلاً من السيد راضي الحسيني الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتور هاشم الحسيني الأخصائي في علم النفس الإجتماعي من بيروت فتابعونا مشكورين.
مستمعينا الأفاضل خالد رجل حاد الطباع عصبي المزاج خاصة تجاه أولاده في البيت، لايعرف أن يُسامح ولايعطي الفرصة لهم لكي يُبرروا ما إرتكبوه من أخطاء وإن كانت بسيطة، شديد في توجيه اللوم اليهم او فرض العقوبات عليهم لايُبالي بنتائجها النفسية اوالمعنوية ولوحصل أن تشاجر أبناءه فيما بينهم فهو لايلجأ الى حل المشكلة بأن يحاول مثلاً التقريب بينهم لإصلاح العلاقة وتمتينها إنما يكون الضرب له أول الحلول ومن ثم الصراخ والبوح بكلمات لاتكون لائقة أغلب الأحيان بهم ولكن خالد يُبرر تصرّفه هذا مع أبناءه بحرصه عليهم.
كان إبنه الأكبر علاء يعمل في إحدى الورش الصناعية لذلك فهو يعود متاخراً الى البيت بعض الأحيان واذا أراد أن يسأله أبوه عن سبب التأخير كان يسأله بلهجة شديدة وربما يصرخ في وجهه طالباً منه عدم تكرار ذلك اومُهدداً بمنعه من العمل اومنعه من الخروج من البيت ايضاً. سبب هذا التصرّف من الأب شعوراً سلبياً عند الأولاد فأحمد وناصر تلميذان في المدرسة وكانا يرغبان بعض الأحيان بقضاء بعض الوقت باللعب مع الأصدقاء وسيف طالب في مدرسة أخرى وكان ايضاً يتأخر بسبب مرافقته لأصدقاءه. أما علاء فلأنه كان فاشلاً في المدرسة فقد شاءت الظروف أن يعمل في الورشة، بطبيعة الحال كان كل هذا يُزعج الأب كثيراً فيلجأ الى أسلوبه المُعتاد بالصراخ والضرب والتهديد أحياناً بطردهم خارج البيت أحياناً أخرى.
في إحدى ليالي الشتاء الباردة كان الإخوة سيف وأحمد وناصر قد عادوا مبكرين الى البيت ذلك لأنهم طلاب مدرسة ولايوجد ما يشغلهم عن العودة إلا علاء ولما عاد الأب من عمله وجد أولاده الثلاثة فقط في البيت فسألهم: أين أخوكم؟
أجاب سيف: لم يعد اخي بعد من عمله.
قال الأب: وكم الساعة الآن؟
قال سيف: الساعة الآن ياأبي أوشكت على العاشرة.
إنزعج الأب كثيراً وبدأت ملامح الغضب ترتسم على وجهه. فتّش في جيوبه ولم يجد علبة السجائر وهنا قال لإبنه: إنهض وإذهب الى العطار وإشتري لي علبة سجائر بسرعة، هيا إنهض!
نهض سيف بسرعة وهو خائف لأنه يعرف طباع أبيه جيداً خاصة اذا لم تكن هناك سجائر بحوزته. وفعلاً خرج سيف من البيت ليشتري لأبيه السجائر وفي تلك الليلة الباردة لكنه عاد بعد عناء طويل وقال: آسف يا أبي فلقد كانت كل محلات العطارين مغلقة.
تمتم الأب مع نفسه ودخل الغرفة ولم تمض سوى دقائق حتى خرج من غرفته وقال مرة اخرى بلغة عنيفة جداً: إتصل بأخيك الآن وأطلب منه العودة فوراً وإلا لن أسمح له بالدخول الى البيت بعد ذلك!
وفعلاً إتصل سيف بأخيه علاء، مرت أكثر من ساعة لكن علاء لم يعد فإزداد غضب الأب ولم يبق عنده صبر أبداً فراح يُراقب الطريق من النافذة وفجأة شاهد إبنه عائداً مع بعض الأشخاص يتكلمون بصوت مرتفع وقهقهات بعضهم تملأ الشارع. إنتبه الأب جيداً وقال مع نفسه: لا ! فهذا علاء إبني يدخّن السجائر؟ قالها وقد تجمعت سُحب الغضب فوق رأسه فلم يتمالك نفسه ولما وصل إبنه صفعه على خده وصفعه صفعة اخرى. خرج على إثر ذلك الإخوة من البيت وراحوا يتوسلون بأبيهم أن يكف عن ضرب أخيهم علاء إلا أن ثورة الأب لم تهدأ ولم تخفت حتى قال له بكل غضب: أغرب عن وجهي لاأريد أن أشاهدك في البيت بعد الآن أبداً.
أعزائي المستمعين سبب طرد خالد لإبنه علاء من البيت حالة نفسية مُزرية لدى الأخوة الثلاثة، لم يتمكنوا من النوم جيداً في تلك الليلة وكلما حاولوا إقناع الأب بالعدول عن رأيه كان الرفض لغته ودون رجعة. عند الصباح الباكر خرج الأولاد كالعادة الى المدرسة وفي الطريق كانت المفاجأة التي أذهلتهم فقد شاهد أحمد وناصر بعض الناس مُجتمعين بشكل يُثير القلق، أخذهما الفضول وساقتهما أقدامهما للمشاهدة ولكنهما لما إقتربا إكتشفا أن أخاهما علاء مرمي على الأرض وحالته سيئة جداً والناس بإنتظار سيارة الإسعاف فلقد إعترض علاء لإعتداء من قبل بعض الأشرار بعدما سلبوه ما يمتلك وهربوا وهكذا نال الأبن عقوبة قد أصدر حكمها الأب في لحظة غضب لم يُدرك أبداً عواقبها ولم يُقدّر مخاطرها.
أعزائي المستمعين مازلنا معكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران وبرنامج من الواقع. بعد أن إستمعنا الى قصة الأب خالد وعرفنا كم أنه إنسان لم يمتلك إلا المبالغة في إتخاذ القرار خاصة في طريق معاقبته لإبنه وما سببه له من مشاكل صحية ونفسية نتوجه الى السيد راضي الحسيني الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة لسؤاله عن المُقصّر الحقيقي في هذه القصة؟ فهل هو الأبن ام الأب؟ واذا كان الأبن مُقصّراً كيف يجب ان تكون العقوبة له ليتعظ؟ فهل عقوبة طرد الأبناء من البيت هي طريقة صحيحة وماذا جاء بالشرع الإسلامي بهذا الخصوص؟ لنستمع معاً
الحسيني: بسم الله الرحمن الرحيم والجمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
الإسلام أكد على حسن التعامل من قبل الأبناء إتجاه الوالدين لذلك الآيات القرآنية الشريفة أكدت كثيراً على هذا المعنى وبلغ الحال أنه نتصوّر من الآيات القرآنية أنه لايحق للأبناء أن يوجهون كلمة التأفف او إبداء حالة الضجر تجاه الأوامر التي تصدر من الآباء تجاه الأبناء مبالغة في إحترام الوالدين لما لهما من دور كبير في الشأن التربوي والشأن السلوكي ولكن في مقابل هذا تؤكد روايات أخرى على أن الأساليب التربوية ينبغي أن تتماشى مع الظرف الزماني ومع التحوّل الزماني وبطريقة تدريجية بحيث لايشعر هذا الإبن، هذا الفتى بتحميل هذه الأطر الأخلاقية عليه لذلك الإمام امير المؤمنين سلام الله عليه يقول: "لاتحصروا اولادكم على أخلاقكم فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم". اذن الظرف الزماني له مدخلية في نوعية الأخلاق ودرجة الأخلاق، ربما نكتفي من الإبن ببعض الواجبات وترك المُحرمات دون الخوض في تفاصيل هذه الواجبات والأمور المُستحبة الأخرى. نترك هذا الأمر للظرف الزماني المستقبلي، نترك ذلك للتأثير الخارجي من قبل الأصدقاء، من قبل المعلمين، من قبل الآخرين حتى تتم حالة التلاحم مابين الآباء والأبناء ولكن في بعض الأحيان تصبح حالة من التشنّج في العلاقة بين الآباء والأبناء مما يُحقق حالة من العقوق من قبل الأبناء تجاه الآباء وتُزدى الكثير من التوجيهات والنصائح من قبل الآباء بإتجاه الأبناء ولايجدون هناك أذن صاغية، ربما يضطر الأب في مقابل هذا من أجل أن يوقف هذه الحالة من التدهور في العلاقة بينهم وبين أبناءهم فيضطر الى طردهم، عملية الطرد عملية في الواقع غير مقبولة وغير مُجدية وغير نافعة وليست مسئلة تربوية. لابد للأب أن يبذل قصارى جهده في مجال إعادة هؤلاء الأبناء الى جادة الهدى والصواب، طبعاً هو كان قد قصّر في بداية نشوء هؤلاء الأبناء في تربيتهم، في توجيههم، في مراقبة سلوكهم بالنتيجة هو يحصد هذا التقصير ولكن اذا وصلت الأمور الى طريق مسدود لامجال للأب أن يقوم بضرب الأبناء او طردهم من البيت. معنى ذلك أننا عرّضنا هذا الفتى، هذا الشاب الى طريق مسدود والى امر مجهول ولاندري ماذا سيحدث فيه، ربما سيتحوّل الى إنسان مُجرم فتّاك لذلك عليه أن يتحمّل جهد الإمكان. وعملية الطرد عملية غير شرعية ورعاية الآباء للأبناء ينبغي أن تستمر الى أن يقف هذا الفتى، هذا الشاب على قدميه بحيث يستطيع أن يؤمّن حياته بشكل طبيعي وبما يتناسب مع شأنه لذلك يجهد الأب جهد إمكانه من اجل تحقيق عملية الإنفاق والإنفاق هنا وتجب شرعاً من اجل أن يحقق هذه المعاني الخيرة للأبناء.
بعد ان إستمعنا أيها الأعزاء الى السيد راضي الحسيني نتوجه الآن الى الدكتور هاشم الحسيني الأخصائي في علم النفس الإجتماعي من بيروت لسؤاله عن دور سلوكيات الأب في دفع علائم الى قضاء اوقات متأخرة خارج البيت او لجوءه الى التدخين وكيف على الأب توجيه إبنه وهل يصح طرده من البيت وتعريضه للأذى والمخاطر وماهي الحلول والنصائح التي يمكن أن نوجهها الى الأب في هذه الحالة؟ فلنستمع معاً
الحسيني: ثمة تناقضات تقع ضمن العائلة بين الأهل والأولاد بإعتبار أن الأهل هم الذين يوجهون والأولاد هم الذين يتلقون التوجيه ومن خلال ما يرغب كل فريق منهما اذا صح التعبير تتولّد مشاكل وتناقضات بحيث أن إرادة الأهل تختلف عن إرادة الأبناء لاسيما اذا أصبح هؤلاء في سن المراهقة او سن يستدعي أن يكون للولد رأي خاص او موقف خاص، هذا التناقض يقع بين الأهل والأبناء وأعني بالأهل الأب والأم بشكل عام ولكن بما أن الأب هو رأس العائلة فهو الذي يكون في مواجهة الأبناء ولديه الكثير من الأفكار وغالباً ما تكون أفكار الأب أفكاراً محافظة وفقاً لما نشأ عليه ورسخ في ذهنه من أساليب تربوية، لعل بعض الآباء يلجأوا الى أن يتخذوا مواقف صارمة بالنسبة لحرية أبناءهم. دائماً يضعون الولد في موضع الإتهام ويؤنبونه لأقل سبب من الأسباب فيريدون أن يكون هذا الولد على صورتهو وعلى مثالهم وفي بعض الأحيان يكون الأب متجنياً على الأبناء فبعض الآباء الذين يعانون من مشاكل مادية فهم يعملون على لوم الأبناء ولو عن غير حق وأحياناً يلومونهم على حق فالولد الذي يكون بعيداً عن العائلة والذي يريد أن يلتحق بأترابه دائماً وأن يغيب طويلاً عن البيت هذا يشعر بأنه غير مطمئن لوجود جو عائلي يحتضنه ويجتذبه، يريد أن يهرب لأن الأب كما يُقال ظالم ومُتشدد في تصرفاته تجاه هذا الإبن، ماذا يفعل هذا الإبن؟ يذهب الى خارج البيت، يُطيل المكوث خارج البيت ويُقبل على أصحابه الذين يُدخنون او يُقبلون على أشياء غير مقبولة او لاتتلائم مع سنه لاسيما مسئلة التدخين، التدخين آفة يميل اليها المراهقون بإعتبار أنها نوع إثبات رجولتهم، المُدخّن هو الشخص الذي اصبح راشداً وبإمكانه أن يتصرّف كما يتصرّف أبوه وغالباً ما يكون المُدخن من اهل مُدخنين فهو يريد أن يتصرّف كما يتصرّف أبوه او حتى أمه في بعض الأحيان. مسئلة الحوار والإقناع وليست فقط على المستوى اللفظي بل ايضاً على المستوى الفعلي، على مستوى التعامل ينبغي على الأب كما على الأم أن يُحسنا التصرّف حتى يجتذبان هذا الولد ويجدان له جواً ملائماً يتقبله ويتفاعل معه بحيث أنه يأتي الى البيت ويطيب له أن يأتي الى البيت بدل أن ينظر الى بيته وكأنه نوع من انواع السجن.
في ختام حلقة اليوم نشكر اعزائنا ضيفي الحلقة الكريمين السيد راضي الحسيني الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتور هاشم الحسيني الأخصائي في علم النفس الإجتماعي من بيروت على حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن المتابعة على امل أن نلتقيكم مرة اخرى في حلقة قادمة من برنامج من الواقع والذي قدمناه لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامي في ايران، دمتم في رعاية الله وحفظه.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة