نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا منى المحبين)، (يا انيس المريدين). 
هاتان العبارتان نعتزم ان نقف عندهما لسبب هو: انهما تتناولان ظاهرة ترتبط بالمحب وبالمريد لله تعالى، قبل ذلك نذكرك بعبارة سبق ان لاحظناها في لقاء ماض وهي عبارة (يا سرور العارفين). 
والسؤال اولاً: لماذا ورد طابع (السرور) في عبارة (يا سرور العارفين) بينما ورد طابع (الانيس) في عبارة (يا انيس المريدين)؟ 
بالنسبة الى العارف، فان المعرفة لديه تقترن بسروره، لان العارف يعرف مهمته في التعامل مع الله تعالى، ولذلك فانه (يسر) بهذا التعامل، لان السرور تعبير عن توفيق الشخصية الى (معرفة) الحق، وهو الله تعالى. الا ان السؤال هو: لماذا ارتبط (السرور)بشخصية العارف، بينما ارتبط (الانس) بشخصية المريد؟ 
قلنا ـ في لقاء سابق ـ ان (المريد) يتصاعد بدرجته الى الموقع الاعلى في التواصل مع الله تعالى، وهو مصطلح قد استحدثه اهل السلوك ليشير الى ما ذكرناه والمهم ان الفارق بين (العارف) وهو يكتشف الحقائق، وبين (المريد) وهو يتفاعل ويذوب ويفنى في التعامل مع الله تعالى، حينئذ فان (الانس) وليس السرور هو الاكثر لياقة به. لماذا؟ 
في تصورنا ان (الانس) هو: تحقيق الامتاع الشديد او الاشباع التام لحاجات الشخصية بحيث يحصل الانس بتوفر ذلك، اي: الالفة في اعلى مراحلها بالقياس الى الانس الحاصل لدى الاقل تفاعلاً مع الله تعالى. 
ان (آنس) لغوياً معناها: ان الشخص ألف وسكن قلبه وتسلى بذلك، بينما السرور هو حصول المتعة فحسب من هنا، فان (المريد)يجسد اعلى درجة التواصل مع الله تعالى: كما اشرنا. 
بقي ان نحدثك عن عبارة (يا منى المحبين)، فماذا تعني بالقياس الى العبارتين المذكورتين قبل قليل، وهما (يا سرور العارفين) و (يا انيس المريدين)؟ 
من الواضح ان (المحب) للشيء معناه: الرغبة اليه، وهي اقل درجة من صفة المريد، ولذلك فان الدعاء انتخب صياغة لغوية تتناسب مع هذا الموضوع، حيث قال (يا منى المحبين).
ان (المنى) هي: ان يتمنى الانسان الحصول على ما يرغب فيه، لذلك فهو لم يصل الى درجة (المريد) الذي فني في محبته لله تعالى، بل ظل يراوح في تطلعاته ويسعى الى تحصيل ما يطمح اليه، وقد لا يحصل له ذلك، لان (المنى) هي: تطلعات الى الشيء وليست حصولاً للشيء، والفارق بينهما كبير جداً. 
بعد ذلك نواجه عبارة (يا حبيب التوابين)، فماذا نستلهم منها؟ ان التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما هو حديث المعصومين (عليهم السلام)، واذا كان الامر كذلك، فحينئذ كم يظل التائب (محباً) لله تعالى، راغباً في غفران ذنوبه ومسحها، بل في جعلها املاً في تحويلها الى حسنات: بحسب ما ورد من النصوص الشرعية من ان الله تعالى يبدل السيئات ويحولها الى حسنات، وهذا هو منتهى الاشباع لحاجة التائب، ولذلك يخاطب او يتجه الى الله تعالى بمنتهى (الحب) اي: بالرغبة الى الله تعالى بحيث ينسحب عليه مصطلح (منى المحبين) بصفة ان (المحب) ـ كما المحنا ـ يتطلع الى تحقيق امانيه المتمثلة في غفران ذنوبه وستر عيوبه، انها تطلعات، ورجاء، وتوقعات، بأن يرحمنا تعالى برحمته التي لا حدود لها.

*******