البث المباشر

شرح فقرة: "والجهل والمقت..." (۹)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 14:48 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 59 من شرح أدعية النبي (ص)

 

بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم والْحَمْدُ لِلَّهِ الذي رزقنا محبة من جعل حبه ورضاه في محبتهم وموالاتهم ومقته وسخطه في معاداتهم، صفوته من الخلائق اجمعين نبيه المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم اعزاءنا المستمعين ورحمة الله وبركاته، اطيب تحية نحييكم بها ونحن نلتقيكم بتوفيق الله في حلقة اليوم من هذا البرنامج نستكمل فيها -بعون الله- التعرف الى الامور التي تستجلب المقت الالهي وهو العامل الرابع عشر من العوامل التي تحرم الانسان من الحياة الطيبة الكريمة وترديه في مهاوي الشقاء، والتي يعلمنا حبيبنا الهادي المختار (صلى الله عليه وآله الاطهار) ان نستعيذ بالله منها ونطلب منه ان يصرفها عنها ونحن نجتهد في التطهر منها، وقد ذكرها (صلى الله عليه وآله) في المقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف الذي نحن بصدد شرحه في هذه الحلقات حيث قال:

(اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

ايها الاكارم، اضافة الى ما هدتنا اليه النصوص الشريفة في الحلقات الماضية فان من الامور التي تستجلب المقت الالهي هو ان يدفع الحسد الانسان الى ان يضع نفسه في موضعه فيعجب بها، وهذا ما تهدينا اليه الرواية التالية التي رواها الشيخ الكليني في كتاب الكافي بسند صحيح عن مولانا الامام الصادق (عليه السلام) انه قال لأصحابه: (اتَّقُواْ اللّهَ ولا يحسد بعضكم بعضاً، فان عيسى بن مريم (عليهما السلام) كان من شرائعه السيح في البلاد، فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من اصحابه قصير وكان كثير اللزوم لعيسى (عليه السلام) فلما انتهى عيسى الى البحر قال: بِسْمِ اللَّهِ بصحة يقين منه، فمشى على ظهر الماء. فقال الرجل القصير حين نظر الى عيسى (عليه السلام) جازه: بسم الله بصحة يقين منه، فمشى على الماء ولحق بعيسى (عليه السلام).

فدخله العجب بنفسه فقال: هذا عيسى روح الله يمشي على الماء وأنا امشي على الماء فما فضله علي؟

قال الصادق (عليه السلام): فرمس في الماء - أي غط- فاستغاث بعيسى فتناوله (عليه السلام) فاخرجه، ثم قال له: ما قلت يا قصير؟

قال: قلت: هذا روح الله يمشي على الماء وأنا امشي على الماء، فدخلني من ذلك العجب، فقال له عيسى: لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فيه فمقتك الله فتب الى الله عزوجل.

قال الصادق (عليه السلام): فتاب الرجل وعاد الى مرتبته التي وضعه الله فيها، فَاتَّقُواْ اللّهَ ولا يحسدن بعضكم بعضاً.

ايها الاخوة والاخوات، بملاحظة أن الامام الصادق (عليه السلام) أورد هذه الحكاية وهو يحذر من الحسد في بدايتها وفي نهايتها نفهم ان الحسد لأولياء الله على ما آتاهم الله من فضله هو السبب الاساس الذي يدفع الانسان لان يجعل نفسه نظيراً لهم أو نداً لهم فيستوجب المقت الالهي، وهذا هو أهم الاسباب التي توقع الانسان في مستنقع معاداة أولياء الله عزوجل وهو ارث ابليس الذي حسد آدم فاستكبر وتمرد على أمر الله بالسجود له، ومما لا شك فيه أن معاداة أولياء الله (عليهم السلام) من اخطر الامور التي تستجلب المقت الالهي، جاء في كتاب (الملاحم والفتن) للسيد ابن طاووس (رضوان الله عليه) أن مولانا الحسن المجتبى (صلوات الله عليه) لما بلغه ان عمروبن العاص ينتقص امير المؤمنين علي (عليه السلام) على منبر مصر عندما ولاه عليها معاوية، كتب اليه كتاباً جاء في بعض فقراته: (اما بعد، فقد بلغني انك تقوم على منبر مصر على عتو آل فرعون - أي تكبرهم- وزينة آل قارون وسيماء ابي جهل تنتقص علياً، ولعمري لقد أوترت غير قوسك ورميت غير غرضك ... فكنت كالباحث عن المدية لحتفه يابن جزار قريس ليس لك سهمٌ في أبيات سؤددها ولا عائذ بافنية مجدها ... ونفسك الدنيئة التي آثرت الباطل على الحق وقنعت بالشبع والدني من الحطام الفاني، لقد مقتك الله فابشر بسخطه واليم عذابه وجزاء ما كسبت يداك وما الله بظلام للعبيد).

أيها الأكارم، ونجد في أدعية مولانا الامام زين العابدين (عليه السلام) نصاً جامعاً في بيان اخطر الامور التي تستجلب المقت الالهي يجمعها عامل الظلم والقسوة القلبية ومعاداة اولياء الله وتحريف السنة المحمدية، قال (صلوات الله عليه) في بعض فقرات دعاء اليوم الثالث عشر من شهر رمضان الذي رواه السيد ابن طاووس في كتاب الاقبال: (اللهم ان الظلمة جحدوا آياتك وكفروا بكتابك ... ورغبوا عن ملة خليلك وبدلوا ما جاء به رسولك وشرعوا غير دينك ... وتعاونوا على اطفاء نورك وصدوا عن سبيلك وكفروا نعماءك وشاقوا ولاة امرك ووالوا اعداءك وعادوا اولياءك وعرفوا ثم انكروا نعمتك ولم يذكروا آلاءك وامنوا مكرك وقست قلوبهم عن ذكرك واجترؤا على معصيتك ولم يخافوا مقتك ونسوا نقمتك ولم يحذروا باسك واغتروا بنعمتك اللهم فانتقم منهم ... واشف صدور المؤمنين).

نسأل الله عزوجل ان يجنبنا كل عمل يستتبع غضبه وسخطه صغيراً كان او كبيراً بحرمة مودة وموالاة ابواب رحمته للعالمين محمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين) اللهم امين وبهذا ننهي ايها الاطائب حلقه اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) استمعتم لها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران نشكر لكم طيب المتابعة ودمتم سالمين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة