البث المباشر

أسطورة الطنطل

الإثنين 1 يوليو 2019 - 15:21 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته كل المراحب بكم ونحن نلتقيكم من جديد عند محطة اخرى من محطات مسيرة الحكايا والقصص والأساطير على مر التاريخ حيث الغموض والأسرار والخفايا حيناً والدروس والعبر والمعاني حيناً آخر والتي تعكس رغبة أصيلة ودفينة في أعماق الأنسان في إستكشاف ما حوله من ظواهر يبدو عقله عاجزاً عن تفسيرها فيلجأ الى عالم الأساطير ليعبر عما في ذاته. تعالوا معنا اخوتنا أخواتنا لنسبر مجاهل حكاية اخرى من حكايات الشعوب في برنامجكم حكايا وخفايا.
مستمعينا الكرام الطنطل او الإحفيظ هو حسب ما تفيد الحكايات والروايات التي كان الناس ولايزالون يتناقلونها بين سكان الأهوار في جنوب العراق وايران وبعض دول الخليج الفارسي كائن أسطوري متحول يتلبس في أي شكل سواء كان انساناً أم حيواناً او حتى جماداً يخرج في الليل وكان العرب قديماً يخافونه ويقال إن هذا الأسم الطنطل او إحفيظ مأخوذ من الأساطير السومرية في العراق والجزيرة العربية بل قيل إنه مأخوذ من الأساطير اليونانية التي ورد فيها بإسم تانتلوس.
الطنطل أعزائي الأفاضل او إحفيظ حسب الأسطورة الشعبية العراقية هو كائن خرافي لاشكل ثابت له يخرج في بعض المناطق المظلمة ويتربص بالانسان لكي يزعجه ويتقلب امامه الى أشكال عدة فمرة يظهر بهيئة حمار ومرة اخرى كبقرة ويتحول حسب مزاجه متقمصاً أشكال اغلب الحيوانات التي يعرفها البشر في الأرض كما أنه يتحول أحياناً الى هيئة انسان فمرة يكون انساناً بعين واحدة او يكون بنصف رأس لكي يرعب الشخص الذي يظهر له سواء كان في بين مهجور او مسكون كما في الحكايات الشعبية. ولعل هذا الكائن الذي تعرفنا عليه من خلال أجدادنا وآباءنا وأمهاتنا أستخدم كأداة مخيفة للأطفال في ذلك الزمان لكي يخلدوا الى النوم ولعل ذلك كان أحد الأسباب التي دفعت الكبار الى إختراع هذا الكائن من مخيلتهم كأسلوب من أساليب التخلص من ضجة الأطفال وصخبهم وشقاوتهم وهي ظاهرة نلحظها في تراث الكثير من الأمم والشعوب وقد وظف أحياناً لبيان الغضب الذي ينزله الله تعالى ببعض الأمم التي تبتلى بالترف فتنسى نعم الله وتجحدها ويصيبها الطغيان كما أستغلت في حكايات اخرى في أغراض سياسية الغاية منها تحقيق بعض المآرب السياسية المؤقتة كما سنرى.
أعزاءنا يعتقد بعض الباحثين المهتمين بعلم الميتولوجيا او الأساطير أن جذور هذه الشخصية تعود الى أسطورة إحفيظ والتي تناقلتها الأجيال في جنوب العراق حيث تقول هذه الأسطورة في قديم الزمان كانت هناك مملكتان كبيرتان في جنوب وادي الرافدين هما مملكة العكر وأبي شذر وأخيهما إحفيظ وقد إزدهرت الحياة فيهما فبنوا المدن والمعابد المقوسة والمزخرفة وأحاطوها بالأسيجة حفاظاً عليها من الفيضان وإهتموا بزراعة بساتين النخيل والفاكهة حتى أصبحت جنة الله على الأرض. لكنهم تجبروا وكفروا وخرجوا عن طاعة الإلهة فغضب عليهم وقلب مدنهم بزلزال وأغرقهم بالطوفان وأصبحت هذه المدن الآن ركاماً أثرياً ثم أنزل الطناطل والجن لتحرسها.
أيها الكرام هذه الأسطورة تشبه الى حد ما ملحمة جلجامش وقصة الطوفان قبل خمسة آلف سنة ويؤيد ذلك الرحالة البريطاني كافينيونك في كتابه العودة الى الأهوار حيث يقول إن هناك قصصاً كثيرة تروى عن الطناطل حول نيران المساء وتقول إنها تحرس كنزاً غامضاً في جزيرة اخفتها بالسحر عن عيون البشر ويقصد بذلك الكنز الذهبي الذي يحرسه طنطل إحفيظ في عمق الأهوار الوسطى. وتتخذ الطناطل أسماءها من أسماء الأماكن والمواقع التي تتواجد فيها ويشرف إحفيظ على عشرات الطناطل في الأهوار وله السيطرة التامة عليها. وقد تسبب هذه الطناطل بعض العاهات والعوق او الجنون او بعض التشوهات في الجسم عند إصطدامها مع البشر ولكن البعض منها تبني صداقات مع رعاة الجاموس بعد أن يقدموا لها خبزة رز مشوية بدون ملح لأنها حسب الأسطورة لاتحب الملح. وبالرغم من ضخامة هذه الكائنات وشجاعتها وقدرتها على المراوغة لكنها تخاف من الابرة والمخيط وأية آلة حديدية فينهزم الواحد منها عندما تشهر بوجهه فيختفي من غابات القصب والله اعلم.
أحباءنا الأفاضل يسجل لنا التاريخ حادثة فريدة من نوعها في هذا المجال في بغداد تم من خلالها توظيف أسطورة طنطل توظيفاً سياسياً كما أشرنا كانت الغاية منه تحقيق بعض المآرب السياسية. تفيد هذه الحكاية بأن أحد أحفاد هولاكو متمثلة بالسلطانة ساتي التي إنتشرة في زمانها حكايات الطنطل والسعلوة وما الى ذلك لإخافة اهالي بغداد ونشر الرعب بينهم وإجبارهم على البقاء في بيوتهم بعد المغيب والعشاء فمن يخرج بعد هذا الوقت يلاقي الطنطل ويفعل به مايشاء مما دفع عوائل بغداد الى المكوث في بيوتها والسمر فيما بينها.
لكن هذه الحالة لم تعجب رجال بغداد فخرجوا لملاقات طنطل وقتله إلا أنهم لم يجدوه وأشاعوا بين الناس أن لاوجود لمثل هذا الطنطل وبعد أن إستراح الناس من شر الطنطل لفترة وأخذوا يخرجون في الليل قامت شرطة السلطانة ساتي ببث دعاية تقول إن الطنطل لا يتخذ شكل البشر وإنما قد يكون قطة سوداء او كلباً أسود فعاد الناس الى خوفهم وأغلقوا أبوابهم واستمر الحال هكذا لفترة ليست بالقصيرة. ثم أن أحداً ممن يسمون بأشقيائية بغداد أي شريحة الشطار والبلطجية ضجر من هذا الوضع وقرر الخروج لملاقات الطنطل لوحده سواء كان ذلك الطنطل قطة سوداء او كلباً أسوداً، فراح يقتل الكلاب السود ويذبح القطط السود دون رأفة او رحمة فأطلق أهل بغداد عليه اسم أبو سودة تكريماً لشجاعته وجرأته ومقاتلته للطناطل وشاع اسم أبو سودة في بغداد كرمز للصمود والتحدي ومقاتلة الطناطل. وأخذت محلات بغداد من صوب الرصافة والكرخ تدعوه لتخليصهم من القطط والكلاب السود.
كان أبو سودة يستقبل إستقبال الأبطال في كل محلة يذهب اليها وتزغرد النساء وتقام له الولائم ويشاركوه في عملياته البطولية أشقيائية تلك المنطقة وبعض من رجالها. واستمر الحال هكذا حتى عاد الهدوء والطمأنينة النسبية الى بغداد.
أعزائي المستمعين لم تعجب هذه الحالة السلطانة والشرطة ففكروا بحيلة للتخلص من أبي سودة فذهب اليه بعض الشرطة وقالوا له إن السلطانة تريد أن تجزيك على ما فعلت في بغداد فتعال معنا. ذهب معهم أبو سودة وياليته لم يفعل حيث تكالب عليه أفراد الشرطة في منطقة ضيقة من أزقة بغداد وقطعوه إرباً ورموه قرب نهر دجلة ثم أشاعوا بين الناس أن أبا سودة كان بطلاً شجاعاً حيث إعترضهم شيخ الطناطل وهم في طريقهم الى السلطانة وكان كلب أسود كبير الحجم مخيفاً فقاتله أبو سودة قتال الأبطال تمكن من لوزته ثم من كبده ومزق أحشاءه ومات بطلاً وهو يقاتل. وبكت بغداد كثيراً على أبي سودة وروت عنه الكثير من الروايات الأسطورية.
إخوتنا اخواتنا المستمعين والمستمعات أعاذنا الله من شر الانس والجن إن شاء الله وحتى نلتقيكم عند حكاية اخرى من حكايات برنامج حكايا وخفايا الذي يأتيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران نترككم في رعاية الباري عزوجل شكراً لحسن متابعتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة