البث المباشر

إحياء الشعائر الحسينية في سيرة أئمة العترة(عليهم السلام)

الأحد 2 يونيو 2019 - 10:01 بتوقيت طهران

السلام عليكم إخوة الإيمان والولاء
معكم في لقاء آخر من هذا البرنامج نخصصه لأحد المنطلقات الأساسية التي يستند إليها المؤمنون في إقامة الشعائر الحسينية ومجالس العزاء والبكاء...
إنه منطلق الإقتداء بأئمة الهدى _عليهم السلام_ الذين تشهد سيرتهم باقتدائهم بجدهم المصطفى _صلى الله عليه وآله_ في إقامة العزاء الحسيني، وقد عرضنا للسيرة المحمدية في هذا المجال في حلقة سابقة ونتناول في هذا اللقاء نماذج من سيرة أئمة العترة الطاهرة مع توضيحات لمعنى ما قالوه _عليهم السلام_: الجزع مكروه الا على الحسين _عليه السلام_.
روى الحافظ السروي الحلبي في كتاب المناقب عن مولانا الإمام الصادق جعفر بن محمد _عليهما السلام_ أنه قال: بكى علي بن الحسين عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف أن تكون من الهالكين، قال _عليه السلام_: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة.
وجاء في رواية أخرى أن مولى الإمام زين العابدين _عليه السلام_ قال له: أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال _عليه السلام_: إن يعقوب النبي _عليه السلام_ كان له إثنا عشر إبنا فغيب الله واحدا منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه وأحدودب ظهره من الغم وكان ابنه حيا في دار الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر رجلا من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني، وقيل أنه عليه السلام بكى حتى خيف على عينيه حتى قيل له إنك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا.
مستمعينا الأفاضل، ورد في أحاديث أئمة أهل البيت النبوي – عليهم السلام – أن الجزع مكروه على مصاب الامام الحسين _عليه السلام_ كما ورد في الحديث الشريف المروي عن مولانا الإمام الصادق _عليه السلام_، فما معنى ذلك وما الحكمة فيه؟
عن هذا السؤال يجيبنا مشكورا ضيفنا الكريم فضيلة (السيد جعفر فضل الله الاستاذ في الحوزة العلمية في بيروت) نستمع معا...
السيد جعفر فضل الله: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين وعلى اصحابه المنتجبين وعلى جميع الانبياء والمرسلين
عظم الله اجورنا واجوركم بمصاب ابي عبد الله الحسين ورزقنا الله الشهادة في سبيل الاسلام وفي سبيل الله وعلى طريق ذات الشوكة.
في الواقع انه لااشكال ان البكاء على الامام الحسين ينبع عن العاطفة الانسانية الصادقة والانسان كلما تميز بروح ايمانية ونفس شفافة اكثر كلما كان اكثر التصاقاً بكل مايثير هذه النفس ولاسيما عندما تتصل المسئلة بمصيبة الامام الحسين عليه السلام ريحانه رسول الله صلى الله عليه واله، روحه، قطعة من كبده الذي ينطلق ليؤدي حق الرسالة بين يدي الله عزوجل ليبذل حتى الارواح والمهج، روحه وروح اصحابه واهل بيته في سبيل ان تبقى راية الاسلام خفاقة عالية ويصطدم بكل هذه الوحشية وبكل هذه الهمجية، بكل هذا الحقد الاعمى وهذا الجهل المطبق، يصطدم به للايجد لحواره الا الاسنة والا الرماح. في الواقع نحن نفهم ان البكاء هو حالة عاطفية انسانية رسالية تنطلق من مدى الشعور بالانتماء الى هذه المدرسة التي مثل الامام الحسين عليه السلام احد اهم رموزها في مسيرة الاسلام بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، بعد ابيه واخيه الحسن. في الواقع اذا وقفنا عند مفهوم الجزع كما هو بحسب دلالاته اللغوية لانستطيع ان نفهم ان الجزع المطلوب هو مايعنيه هذا المفهوم من فقدان التوازن لأن الانسان يحتاج في الحزن الرسالي وفي البكاء على مصيبة ابي عبد الله يحتاج الى هذا التوازن الرسالي في خط الرسالة، في خط الحق، في خط العدل، في خط القضية ووعي القضية لذلك لانستطيع ان نفهم من هذا المصطلح سوى انه الاندماج بالحالة العاطفية مع الامام الحسين مما يؤدي الى ان لايقتصر الانسان في تلمسه لهذه القضية على قراءة احداث تاريخية مجردة بل ان يعيش عمق الرسالة التي عاشها الامام الحسين، يحاول ان يستكشف عمق العلاقة التي ربطت الحسين عليه السلام بالله عزوجل في هذا العشق المنقطع النظير الذي عبر عنه الشاعر:

تركت الخلق طراً في هواك

وايتمت العيال لكي اراك

فلو قطعتني بالحب ارباً

لما مال الفؤاد الى سواك

او ان ينطلق ليحتضن كل هذه الجراحات وكل هذا القتل ليقول "هون كلما نزل بي انه بعين الله، ان لم يكن بك غضب علي فلا ابالي"ومما الى ذلك مما نعيش فيه، هذه الصورة الايمانية الروحية الرائعة التي يعيطنا فيها الدرس لحركة بناء علاقتنا بالله عزوجل وكذلك عندما نعيش ثباته على الحق وقوله بالعدل وموقفه الرافض للظلم والطغيان والرافض لمسيرة الانحراف في امة جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نحتاج ان نعيش هذا الاندماج العاطفي لأن الانسان اذا انفتح قلبه على الرسالة من خلال العاطفة الانسانية النبيلة المتوازنة فأنه ينفتح عقله على الرسالة كلها، على كل قيمها، على كل مفاهيمها، على كل خطوطها الحركية في الحياة.
كانت هذه اعزائنا المستمعي إجابة فضيلة (السيد جعفر فضل الله الاستاذ في الحوزة العلمية في بيروت) على سؤالنا بشأن معنى أحاديث العترة المحمدية المصرحة بأن الجزع مكروه إلا على الإمام الحسين عليه السلام: فشكرا له وشكرا لكم على طيب متابعتكم للحلقة السادسة من برنامج (الشعائرالحسينية منطلقات وبركات)…موضوع الحلقة سيرة أهل البيت النبوي عليهم السلام في إقامة الشعائر الحسينية وقد نقلنا نماذج من رواياتهم من سيرة إمامنا السجاد عليه السلام وروى الشيخ الطوسي في كتاب مصباح المتهجد عن عبد الله بن سنان قال: دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام – في يوم عاشوراء فلقيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت يا ابن رسول الله مم بكاؤك لا أبكى الله عينيك؟! فقال لي: أوفي غفلة أنت؟ أما علمت ان الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم فقلت: يا سيدي فما قولك في صومه فقال لي صمه من غير تبييت و أفطره من غير تشميت ولا تجعله يوم صوم كامل وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فانه في مثل ذلك الوقت من اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله _صلى الله عليه وآله_ وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون رجلا صريعا في مواليهم يعز على رسول الله _صلى‌الله عليه واله وسلم_ مصرعهم ولو كان في الدنيا يومئذ حيا لكان _صلى الله عليه واله وسلم_ هو المعزى بهم… قال وبكى أبو عبد الله _عليه السلام_ حتى اخضلت لحيته بدموعه.
وروي في كتاب كامل الزيارات بسنده عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد الله الصادق _عليه السلام_ فقال يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أوتي إلى أبيهم وإليهم، يا أبا بصير إن فاطمة لتبكيه، ثم قال: أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة قال ابو بصير فبكيت حين قالها فما قدرت على النطق من البكاء وقال الإمام الكاظم عليه السلام: كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام منه فاذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام.
مستمعينا الأكارم، يتضح مما تقدم أن سيرة أئمة العترة المحمدية ناطقة بشدة اهتمامهم عمليا باظهار الحزن والبكاء على المصاب الحسيني وتنبيه المؤمنين عمليا لإقامة مجالس العزاء الحسيني، إقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله. وبهذا نختم الحلقة السادسة من برنامج (الشعائر الحسينية منطلقات وبركات) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، تقبل الله أعمالكم ودمتم بكل خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة