البث المباشر

اسرار المعارف والحكمة الالهية عند أهل البيت (عليهم السلام) حوار مع الشيخ حسان سويدان حول الفرق بين علوم أهل البيت (عليه السلام) عن غيرهم من الصحابة والتابعين

الأربعاء 17 إبريل 2019 - 11:09 بتوقيت طهران

الحلقة 59

لا نزال مع الزيارة المعروفة للائمة عليهم السلام، وهي ما يطلق عليها اسم (الجامعة الكبيرة)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، وانتهينا من ذلك الى مقطع بدأ بقوله(ع) وهو الامام علي الهادي(ع) (اشهد انكم الأئمة الراشدون) الى ان يقول: (اصطفاكم بعلمه) ثم يصل الى الفقرات الآتية (حفظة لسره، وخزنة لعلمه، ومستودعاً لحكمته) ... هذه الفقرات الثلاث نحدثك عنها الان بخاصة انها تنطوي على اسرار بلاغية يحسن بنا ملاحظتها ...
العبارة الاولى ـ كما تلاحظ ـ قد استخدمت كلمة "الحفظة" واستخدمت كلمة "السر" فقالت عن الائمة عليهم السلام بانهم (حفظة السر) .. والسؤال هو: ما هي الاسرار الكامنة وراء هذا الاستخدام للعبارة المذكورة؟
ثم ما كان يمكن مثلاً ان تقول العبارة (حفظة لعلم الله تعالى) بدلاً من (حفظة لسر الله تعالى) ... ثم اما كان يمكن مثلاً ان تقول العبارة (خزنة لسر الله تعالى) بدلاً من عبارة حفظة لسر الله تعالى)؟ ... ان امثلة هذه الاسئلة تفسر لنا معنى البلاغة الصادرة عن الامام(ع) في صياغته لهذه الزيارة؟
اذن لنتحدث عن النكات الدلالية في العبارة المذكورة (حفظة لسر الله تعالى)...
ان (الحفظة) تعني: من يحتفظ بمعرفة خاصة منحها الله تعالى لشخصيات مستثناة من حيث كونها اهلاً لان تحفظ المعرفة المتقدمة، بحيث لا تعلن عنها من جانب الا في حالة ما اذا تطلب سياق خاص لذلك، وبحيث لا تفرط بها بقدر ما تحرص على نشرها وفق ما اراد الله تعالى بذلك، وبحيث خص الله تعالى الائمة عليهم السلام بها دون سواهم لعدم قدرة الاخرين على التمثل لها واستيعابها، ولذلك اطلق عليها مصطلح "السر" لان السر ببساطة هو: ما لا ظهور له، أي: بعكس الاظهار فيكون المعنى ان المعرفة قد خص الله تعالى بها شخصيات قد اصطفاهم لحفظ السر الذي يتمثله ويهضمه ويستوعبه نفر خاص دون سواهم ...
وننتقل الى العبارة الثانية وهي: "خزنة لعلمه تعالى" والسؤال الجديد هو: ما هو الفارق بين الحافظ للسر وبين الخازن للعلم؟
الاجابة تتضح تماماً اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان العلم هو اعم من السر، حيث يشمل العلن والسر ولذلك فان "معرفة" بنحو عام يمنحها الله تعالى لمن اصطفاهم بحيث يختزنونها في اذهانهم وقلوبهم على نحو من يخزن الحاجات او السلع او الدراهم مثلاً في خزانة بيده مفاتيحها، ولا يستطيع سواه الحصول عليها او الاستيلاء عليها او توزيعها، وهنا قد يثار سؤال عن الفرق بين ما لدى الائمة (عليهم السلام) من العلم النبوي وعما حصل عليه معاصرو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن روى عنه، وهذا ما يجيبنا عنه ضيف البرنامج سماحة الشيخ حسان سويدان في اللقاء الهاتفي التالي:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم سماحة الشيخ حسان سويدان ورحمة الله وبركاته؟
الشيخ حسان سويدان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: من الاسئلة التي تثار فيما يرتبط بعلم أهل البيت عليهم السلام في قضية انهم حملة السنة النبوية وعلومهم من جدهم رسول الله(ص) فما الفرق بين ما لديهم من علوم وبين ما لدى باقي الرواة عن رسول الله(ص) سواءاً من الصحابة او من التابعين الرواة عن الصحابة وغيرهم تفضل؟
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين يمكن في مقام الجواب عن هذا السؤال ان نتحدث على مستويين وعلى صعيدين الصعيد الاول هو الحديث عن اختصاصهم العادي بعلم الشريعة المقدسة وبالعلوم الدينية والاسلامية من رسول الله(ص) فمن نافلة القول ان نقول بان السلسلة الطاهرة المقدسة القائمة على العلم والعمل الصالح لهم(ع) واضحة الاتصال وواضحة المنشأ والمنتهى ايضاً فان احداً لا يخالف في ان علياً امير المؤمنين(ع) هو اعلم الصحابة بسنة النبي الاعظم(ص) وبكتاب الله سبحانه وتعالى.
المحاور: سماحة الشيخ لو قلنا انهم من هذه الزاوية رواة ولكن ليسوا كباقي الرواة تصح العبارة؟
الشيخ حسان سويدان: يعني نستطيع ان نقول بانهم هم ليسوا فقط رواة هم رواة الا انهم ليسوا رواة فقط لان الراوي قد يخطأ وقد يصيب قد لا يفهم المراد بشكل دقيق بينما اجمع الصحابة بان هذه قضية واضحة من الطبقة الاولى على ان علياً امير المؤمنين(ع) كان اعلم الناس اعلم الصحابة بكتاب الله وبسنة رسول الله(ص) وهو الذي قال رسول الله(ص) في حقه في الحديث المتفق بين المسلمين والمتواتر نقله «انا مدينة العلم وعليٌ بابها، عليٌ مع القرآن والقرآن مع علي، عليٌ مع الحق والحق مع علي»، هذا يفيد ان علياً عليه السلام في علمه وعمله هو دائماً مع الحق والحق معه ودائماً مع القرآن والقرآن معه، هذا ما يعبر عنه بعض الفقهاء الكبار كالسيد البروجردي(رض) بان المرجعية العلمية لعلي عليه السلام ولأهل البيت عليهم السلام كانت واضحة حتى عند اولئك القوم الذين اخذوا منهم السلطان السياسي بحيث ان التأريخ والمنقولات المتواترة تحدثك بانه حتى اولئك الخلفاء الاوائل لطالما رجعوا الى امير المؤمنين(ع) في مختلف الامور التي كانت تجهدهم معرفتها ولكن ان يتوصلوا الى الصواب والحق فيها حتى قال الخليفة الثاني لو لا علياً لهلك عمر وقالها مراراً ورويت في الصحاح والمسانيد اما بقية الائمة فاتصالهم بالامام علي عليه السلام واخذهم العلم عنه بشكل مباشر هو امر واضح لا يحتاج الى مزيد من البيان، لا يأخذني الوقت مع هذا الصعيد الاول وليس هو هذا اهم ما عندهم(ع)، الصعيد الثاني القدرة الغيبية غير العادية الموجودة في شخصياتهم(ع) اشرنا في حلقات سابقة الا ان معهم روح القدس تسددهم ونشير هنا الى ان روايات عديدة عن النبي الاعظم(ص) وعنهم(ع) اشارت بوضوح الى ان عندهم علم الكتاب كله وانه لا يعزب عن علمهم فيما يرتبط بتفسير كتاب الله وتأويل كتاب الله والذي هو تبيان لكل شيء لا يعزب عن علمهم شيئاً من ذلك، وهذا ما تجلى كما اشرت اليكم بروايات مروية من طرق العترة الطاهرة من طرق اهل البيت عليهم السلام بشكل نستطيع ان نقول متواتر مع الناس ومن طرق العامة ايضاً يوجد الكثير من هذا الا ان التركيز في الروايات الواردة عن العامة في الغالب في حق امير المؤمنين(ع).
المحاور: يعني باعتبار عبارة لا تعلمونهم خاصة بأئمة العترة عموماً؟
الشيخ حسان سويدان: بلا شك ولا ريب الموجود في رواياتهم بعضه اشارة الى الائمة جميعاً الا ان المعظم الذي يعترف به الخصم بالطرف الاخر موجود في الغالب باصح الاسانيد بحق امير المؤمنين(ع) ومع عدم القول بالفصل بينه وبين ائمة اهل البيت عليهم السلام يسقط المطلوب.
المحاور: سماحة الشيخ حسان سويدان شكراً جزيلاً.

*******

نتابع احباءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان وننتقل الى العبارة الثالثة من فقرة هذه الحلقة من الزيارة الجامعة وهي وصف أئمة الهدى (عليهم السلام) بانهم (مستودع لحكمته)، وهي تعني شيئاً آخر غير العلم مطلقاً وغير السر، بل معرفة تختلف عن السر والعلم بعامة، بل معرفة تتمثل في ضروب خاصة من السلوك الفكري والنفسي، حيث تشير النصوص التفسيرية الى جملة معان لكلمة "الحكمة" مثل "العقل" و"العلم" و"العمل به" والاصابة في الامور وعدم السؤال عما لا فائدة فيه ...الخ، أي الاستواء الفكري والنفسي بكل ما تعنيه كلمة الاستواء او السوية من دلالة دقيقة.
من هنا يتجانس مفهوم الوديعة او الاستيداع او المستودع على كلمة الحكمة، حيث استخدم النص عبارة (مستودعاً لحكمة الله تعالى) ... بصفة ان الايداع هو شيء خاص لشخصية خاصة لا يشاركها احد في المال الذي استودعته الشخصية المذكورة، وهذا ما ينسحب على الائمة عليهم السلام من حيث انه تعالى اودع حِكَمهُ لديهم دون سواهم لانهم اهلٌ لذلك الاستيداع، فكانوا في تصرفاتهم حكماء لا اعوجاج لديهم كما كانوا في ذلك، تعبيراً عما استودعه تعالى لديهم ...
اذن امكننا ـ ولو عابراً ـ ان نتبين بعض النكات الكامنة وراء العبارات التي تخلع سمة الحكمة على الائمة عليهم السلام وسائر السمات التي لاحظناها، والأهم من ذلك هو ان نتوسل بالله تعالى وبرسوله(ص) وبالائمة عليهم السلام ان يوفقنا الى الطاعة، انه ولي التوفيق.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

ذات صلة

المزيد
جميع الحقوق محفوظة