البث المباشر

قصة الراهب

الثلاثاء 5 فبراير 2019 - 10:53 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- مع الصادقين: الحلقة 52

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء وخاتم المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين الهداة المهديين.
في الخبر وفي التاريخ ان الامام موسى بن جعفر الكاظم(ع) دخل بعض قرى الشام متنكراً فوقع ان مر على غار فيه راهب يعظ في كل سنة يوماً، فلما راه ذلك الراهب دخله من الامام الكاظم هيبة، فقال: يا هذا انت غريب؟ فقال الامام الكاظم: نعم فقال له ذلك الراهب: منا او علينا؟ فقال الامام: لست منكم قال: انت من الامة المرحومة اي المسلمين؟ قال: نعم فقال ذلك الراهب سائلاً: أفمن علمائهم ام انت من جهالهم؟ قال الامام الكاظم: لست من جهالهم. فقال وهو يطرح بعض الاسئلة العويصة على الامام قال: كيف طوبى اصلها في دار عيسى وعندكم في دار محمد واغصانها في كل دار؟ فقال الامام: الشمس قد وصل ضوءها الى كل مكان وكل موضع وهي في السماء اجابه بهذا الجواب الرائع واللطيف، فقال ذلك الراهب: في الجنة لا ينفذ طعامها وان اكلوا منه ولا ينقص منه شئ كيف هذا؟ فقال الامام(ع): السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شئ السراج الشمع المشتعل او هذه الاسرجة التي تضيء بالزيت وبالنار. قال: وفي الجنة ظل ممدود، كيف يكون الظل الممدود؟ فقال الامام: الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلها ظل ممدود لان الظل يكون الى حد، الظل يكون في المكان الذي لا يكون فيه شمس ولهذا لا يمكن الظل ممدوداً. ولكن الامام اجابه بجواب رائع قال: الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلها ظل ممدود، اعطاه نموذجاً من الظل الممدود في الجنة قوله تعالى: "الم تر الى ربك كيف مدّ الظلّ" استند الى الآية القرآنية. 
قال ذلك الراهب وهو يسأل الامام(ع): ما يؤكل ويشرب في الجنة لا يكون بولا ولا غائطاً، كيف يكون هذا؟ لانه لابد ان يكون للاكل والشرب زوائد، الشئ الذي يأكله الانسان او يشربه زوائد تخرج كفضلات فكيف لا يكون في الجنة الامر هكذا، يعني كيف لا يكون للطعام والشراب فضلات اين تذهب هذه الفضلات كيف لا يكون؟ الامام اجابه بقوله: الجنين في بطن امه مع انه يمتص من دم والدته ويطعم بشكل ما مع ذلك لا يكون له فضلات. قال: اهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما ارادوا بلا امر وسأل كيف يكون هذا بلا امر؟
فاجابه الامام: اذا احتاج الانسان الى شئ عرفت اعضاءه ذلك ويفعلون بمراده من غير ان يصدر امراً بأعضاءه، يعني انت اذا اشتهيت ان تأخذ هذا الكتاب يدك تمتد الى ذلك الكتاب ولا يصدر بلسانك امر الى يدك ان تأتي بذلك الكتاب انما الامر هنا يرجع الى الارادة والمشيئة والارتباط القائم بين الارادة البشرية والمأمور.
قال ذلك الراهب: مفاتيح الجنة اي ايّ شئء يفتح الجنة ذهب او فضة مفاتيح الجنة من ذهب او فضة؟ فقال الامام(ع): مفتاح الجنة لسان العبد "لا اله الا الله ". قال ذلك الراهب: صدقت واسلم، واسلم من معه من النصارى الذين اتوا ليسمعوا موعظته. 
هذه القصة التاريخية وهذه الرواية الرائعة تنطوي على عدة نقاط اعتقادية واخلاقية ودروس للحياة النقطة الاولى فهو ان الراهب عندما شاهد الامام موسى بن جعفر مع ان الامام لم يكن في زيه العادي بل جاء متنكراً اي لابساً لباساً غير لباسه وبشكله لا يعرف مع ذلك عندما راه الراهب دخله من الامام هيبة هذه الهيبة ليست هيبة السلاطين والجبابرة انما هو جلال النبوة جلال الامامة، اما انه جلال النبوة لان الامام الكاظم(ع) ابن رسول الله(ص) انه لم يكن نبياً ابداً ولا نبي بعد رسول الله انما هو ابن رسول الله وهذه الهيبة هيبة الامامة. ان الامام الكاظم كان اماماً من قبل الله تعالى وهو من الاثنى عشر خليفة والامام الذين اشار الى عددهم والى اسماءهم رسول الله كما في كتب الفريقين مع الاختلاف قليلاً في ان بعض هذه الكتب تذكر العدد فقط وبعض الكتب تذكر العدد وتذكر الاشخاص بأسماءهم، اي تقول: ان رسول الله اسماهم وذكرهم باسماءهم وهم علي والحسن والحسين والسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والحسن العسكري والامام المهدي ولد وابن الامام الحسن العسكري. 
النقطة الثانية والدرس الاخلاقي الثاني الذي نستفيده من هذه القصة هو تواضع الامام الكاظم حينما يسأله ذلك الرجل، أفمن علماءهم انت ام من جهالهم؟ في هذا التواضع عظيم اتصف به الامام الكاظم التواضع هذا ينبغي ان يتصف به كل عالم، الامام لم يقل انا من علماءهم، قال لست من جهالهم لم يثبت لنفسه العلم انما نفى عن نفسه الجهل وهذا شدة في التواضع ولو اغمضنا الطرف والنظر عن هذا الاستنباط من جواب الامام يمكن ان نقول ان هذا في الحقيقة اسلوب رائع في اقناع الطرف الآخر الذي انت تخاطبه وتتحدث معه انت لو من البداية اتخذت لنفسك موقفاً خاصاُ وقلت انا من العلماء لعله هو يجادلك ولم يقبل كلامك لكنك اذا لم تكشف عن علمك انما اظهرت نفسك بمظهر الانسان العادي ثم قدمت اجوبتك العلمية الرائعة اقتنع ذلك الرجل وكبرت في عينه وفي نفسه وهذا فعله الامام الكاظم مع ذلك الرجل. 
على كل حال يكون هذا الدرس اخلاقياً وقد يكون شيئاً او اسلوباً في كيفية الاقناع يبقى شئ آخر وهو ان الامام(ع) لم يردع ذلك الرجل حينما طرح عليه هذه الاسئلة لم يقل ما هذه الاسئلة، لم يقل هذه اسئلة لا تنفع، انما اجابه الامام(ع) باجوبة قريبة الى فطرته الى عقله مقبولة لديه ومعقولة ولهذا حينما سمع هذه الاجوبة من الامام وهذه الاجوبة كانت بعضها مستندة الى ايات القرآن واكثرها مستندة الى العقل والفطرة وذلك الرجل قبل لها وتطامن لعلم الامام الكاظم وتواضع له بل واسلم حينما رأى هذا العلم الكثير وهذه الثقافة الواسعة من شخص لم يتظاهر بانه من العلماء ولم يتظاهر انه من الفقيهين ولا انه من كبار العلماء ابداً. 
ثم هناك نقطة واحده وهي ان الامام(ع) حينما سأله ذلك الراهب هل انت منا او علينا؟ لم يقل الامام انا عليكم لم يبدي خصومه وهذا درس اخلاقي عظيم ينفعها حينما نتعامل مع اصحاب الاديان الاخرى، في الواقع ان الاسلام دين يحترم بقية الاديان وان كان يرى نفسه ناسخاً لبقية الاديان لان الاسلام دين كامل جامع شامل وفيه حسنات الاديان الاخرى وهناك المزيد من الامور والبرامج في الاسلام بحيث تلك الاديان لا تملك تلك البرامج، فالاسلام دين ناسخ لجميع الاديان والناس والبشرية في هذا العصر مكلفون بانتهاج الاسلام دون غيره، الشريعة الاسلامية هي الشريعة الكاملة الشاملة الجامعة التي ينبغي لجميع البشر اتباعها دون غيرها ولكن مع ذلك الامام لم يبدي خصومه لذلك المسيحي عندما قال لست منكم، لم يقل انا عليكم.
طبعاً نحن لا نعادي المسيح والمسيحية، المسيحيين والنصارى انما لا نعتبرهم الذين والشريعة التي ينبغي ان يؤخذ بالاسلام فنعتبرهم على نهج غير نهج الاسلام ولعلنا يجب ان نحذر منهم احياناً ومن مواقفهم واعمالهم فقد يكون هناك شئ من الموقف السلبي تجاههم لكن الامام حتى ينتهي في حواره هذا الى نتيجة طيبة وايجابية ويظهر ادب الاسلام مع بقية الاديان، قال لست منكم ولم يقل انا عليكم. هذه القصة انتهت باسلام ذلك الراهب واسلام جماعته الذين جاءوا لسماع موعظته، فما اروع موقف اهل البيت واساليبهم. 
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا انتهاج منهجهم والسير وراءهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة