البث المباشر

من المميزات المغيبة للثقافة الاسلامية

الأحد 3 فبراير 2019 - 12:09 بتوقيت طهران

الحلقة 228

لقاء اليوم يحكي عن قضية معاصرة هي موضع اهتمام من اتجاهات جمة. انها قضية الثقافة، والثقافة انما تعني رؤية في السلوك الذي يحدد طرائق العيش التي تحدد شخصية الامة وتميزها عن غيرها في العقائد والقيم والمباديء والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب. من هنا كان لكل امة ثقافتها المتميزة التي تحدد شخصيتها ومن هنا اختلفت الثقافة الاسلامية عن الحضارات الغربية كافة فالثقافة الاسلامية اسلامية المصدر تستمد كيانها من الاسلام والقرآن واللغه العربية بالدرجة الاولى لكن الثقافة الغربية تأخذ مصادرها من الفكر اليوناني والقانون الروماني واللغة اللاتينية وتفسيرات المسيحية التي وصلتها.
تمتاز الثقافة الاسلامية بأنها ثقافة محررة فقد كانت وما تزال وسيلة لتحرير الامم والشعوب من الخرافات والوثنيات والعصبيات والمظالم، وطريقاً الى ايقاظ الوعي والوجدان وتحرير العقل والنفس، وقد استقامت على كلمة الله الحق بالتوحيد واستمدت من القرآن الكريم قيمها الاساسية، عبادات ومعاملات واخلاقاً ونظام مجتمع ومنهج حياة جامعة بين العقل والقلب والروح والجسم والدين والعلم والدنيا والاخرة. والثقافة الاسلامية تختلف عن الثقافات الغربية التي قامت على اساس الفصل بين اللاهوت والحياة وعزل القضايا الروحية عن القضايا الجسدية، وتقوم على الانشطارية في عالم الفكر والانقسامية في عالم الحياة، وتمتاز الثقافة الاسلامية بأنها لا تضحي بالخلقي من اجل الجمالي كما تصنع الثقافة الغربية بل انها تقدم الخلفية على الجمالية وتوازن بين الروح والمادي وتتسم بالضبط للرغبات الحسية وبالانسجام بين معطيات العقل ومعطيات العقيدة. والثقافة الاسلامية ليست شرقية ولا غربية وليست مركبة من الثقافتين ولكنها ثقافة مستقلة لها ذاتيها الخاصة التي استمدت وجودها من القرآن والاسلام وقامت على اساس التكامل بين القيم.
اجل، ان الثقافة الاسلامية تقوم على مفهوم الحرية والحرية هي التحرر من الوثنية وعبودية الانسان والنظر في الكون وصولاً الى الملاحظة والتجريب والتكامل بما يحقق الشمول والاحاطة والشعور بكرامة الانسان والاخوة العالمية، ووحدة الجنس البشري والاحساس بالزمن، وفي حين تمزق الثقافة الغربية عوامل الصراع بين الروح والمادة وتعصف بها نوبات القلق والضياع، تتسم الثقافة الاسلامية بسكينة النفس وسلامة العقل وامن الوجدان. وبهذا تختلف مع الثقافات الغربية التي تناقصها نموها المعنوي وتزايدت قواها المادية فأدى ذلك الى اضطراب موازين الانسان.
وقد وازنت الثقافة الاسلامية بين جوانب العقل وجوانب الوجدان ورفضت اعلاء المعتزلة للعقل واعلاء الوجدان وحدة وحافظت على المفهوم المتكامل الجامع وحرصت على ارتباطها بالمصدر الاول اي القرآن الكريم والسنة على مدى مراحلها. وليست كذلك الثقافة الغربية التي اعلت شأن العقل وتجاهلت الجوانب الاخرى من المعرفة وانفصلت في عصرها الحديث عن العصور السابقة لها خاصة بعد ان انفصلت الثقافات الغربية عن اللغة اللاتينية الام وقامت اللهجات القومية كلغات خاصة.
ترى هل ثمة مزايا اخرى للثقافة الاسلامية الاصيلة؟ اجل، امتازت هذه الثقافة ايضاً بالقدرة على التكيف مع مختلف العصور والبيئات دون ان تفقد خصائصها الاصيلة وسماتها الثابتة وبهذا استطاعت الثبات في وجه تقلبات الزمن وتغيرات البيئة اما الثقافات الغربية فقد انتقلت من مفهوم المسيحية الى الفلسفة المثالية ثم الى الفلسفة المادية دون ارتباط بالاصل الاول، ثم هي تواجه اليوم صراع العلم والادب من ناحية وصراع الجماعية والفردية من ناحية اخرى على ان ابرز ما يميز الثقافة الاسلامية‌هو طابعها الاخلاقي الذي لا ينفك عنها، وتقوم هذه الروح الاخلاقية البارزة على اساس الارادة الفردية التي قررها الاسلام ومنح بها الانسان حرية الاختيار وهي اساس المسؤولية والجزاء. وقد قام هذا في الاسلام على الاعتراف بأن الانسان خلق طاهراً متقبلاً الخير والشر وان رسالة السماء انما جاءت لتوجيهه الى الخير وتحصينه من مهاوي الشر، الانسان في الاسلام مكلف وصاحب رسالة ومسؤولية وارادته الحرة هي مصدر مسؤوليته الفردية والتزامة الخلقي.
ان الثقافة الاسلامية لها مقومات اساسية فكرية وروحية اهمها العقيدة الاسلامية والتاريخ واللغة والتراث ووحدة العقلية والمزاج، ولقد تأكد انه لا يمكن لاي ثقافة من الثقافات ان تنمو الا اذا كانت ذات صلة بدين من الاديان ذلك ان الدين هو الذي يكسب الحياة الاجتماعية‌معناها ويمدها بالاطار الذي تصوغ فيه اتجاهاتها وامالها ويحمي الجماهير البشرية من اليأس والملل.
واهم ماتتسم به الثقافة الاسلامية وحدة العقلية والمزاج النفسي ويرجع هذا الى اصالة الدين في هذه التربة التي نزلت بها الاديان وجاء بها الانبياء وما يزال اثرهم قائماً في اصول الفكر والثقافة، فقد صاغ التوحيد هذه الامة‌ منذ اجيال بعيدة وكون لها عقليتها ومزاجها بما عرف فيه من التوازن بين النفس والجسم والتكامل بين الروح والمادة وهو تشكيل عام كامل ملتزم عميق الجذور يمتاز بأحاطته واتساع افقه وتعدد ابعاده. وحيث ان الثقافة الاسلامية ثقافة متميزة عن ثقافات الشرق والغرب فأن معالمها وخصائصها مما لا يقع تحت حصر، ويمكن ان نستوعب ابرز خطوطها في نقاط رئيسية هي التوحيد، التكامل، الاخلاقية، استقلال السمات، التوازن بين الروحي والمادي، الترابط بين الماضي والحاضر، الجمع بين الدنيا والاخرة، الحرية المنضبطة، القدرة على التطور، القدرة على التصحيح، الطابع الانساني، مفهوم التقدم ومفهوم الوسطية.
وقد عاشت الثقافة الاسلامية حياتها في النمو والحركة من خلال مصادرها ومقوماتها ومن خلال الانفتاح على الثقافات الاخرى مع المحافظة على الاصول الثابتة، وواجهت هذه الثقافة العديد من التحديات خلال تاريخها الطويل وهي تحديات المذاهب الفلسفية والاديان والدعوات المختلفة التي كان يسخر بها العالم ابان الاسلام من بوذية ومحسوسية ووثنية وهيلينية وهندية، هذه المذاهب والاتجاهات حاولت اثارة الشبهات وتحريف القيم الاساسية، وقد واجه المفكرون المسلمون هذه الشبهات والمحاولات وسيطروا عليها، واليوم تواجه الثقافة الاسلامية تحدياً اشد خطراً يتمثل في النظريات والدعوات التي تستهدف نفس الغرض عن طريق الغزو الفكري الاستعماري لتغيير مناهج التربية والتعليم والثقافة وبازالة منطلقات الشريعة الاسلامية في مجال السياسة والاجتماع والاقتصاد وفرض الانظمة الغربية، ومن اخطر هذه التحديات محاولة انتزاع الثقافة من جذورها وفصلها عن ماضيها والادعاء بأن الثقافة انسانية وعامة وعالمية فلا معنى اذن لوجود ثقافة اسلامية مستقلة.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة