البث المباشر

أزمة التحجيم في المذهب المادي الغربي

الأحد 3 فبراير 2019 - 12:05 بتوقيت طهران

الحلقة 226

المذهب المادي الذي ظهر في الغرب هو احد افرازات الحياة الغربية فيما حمله تاريخها من تناقضات ومن تحديات، وهذا المذهب الذي يرى ان كل ما في الوجود انما هو مكون من مادة ولا شيء غير المادة، هذا المذهب يناقض حقائق الفطرة الانسانية ويناقض العقل السليم المعافى ويناقض حقائق الدين، وتتلخص اعتقاد النظرية المادية بأنه لا وجود لغير المادة وان قوام العالم عنصر واحد هو المادة، وترى السيطرة كاملة للقوانين المادية في الطبيعة والعالم كما تنكر الغائية والهدفية في حركة الحياة واخيراً تنكر الغيب اي تنكر عالم ماوراء الطبيعة او ما سمي بالميتا فيزيقا.
في اللقاء السابق تعرفنا على اصول النظرية المادية وظروف استحداثها مركزين على الغرور العلمي الذي اصاب اوربا بعد عصر النهضة وعلى الموقف الكنيسي المتشدد حيال تفسير ظواهر الطبيعة اعتماداً على اراء رجال الدين الكنيسي في الغرب والعزوف عن الحياة البشرية الواقعية، مما جعل ردة الفعل عنيفة حادثة اجترحت انكار المعنويات والغيب وابتدعت الايمان بالعلم المادي والتجربة دون الايمان بالمعاني الانسانية المستكنة في اعماق الانسان.
واسوء من هذا ان بعضهم حاول ان يستعير هذه النظرية الغربية ليطبقها على الحياة الاسلامية في الشرق متجاهلاً انه يستعير بذلك قالباً هو نتاج بيئة بعينها لا يمكن ان تطبق في بيئة اخرى غريبة.
اما ما يتصل بالهدفية او الغائية في الوجود فأنه لا سبيل ابداً الى انكار الحقيقة الاساسية التي تقرر ان للكون غاية مقصودة هي خير خالص، وليس هناك ما يؤكد ان شيئاً في هذا الكون يجري بطريقة عشوائية وانما يجري كل شيء فيه وفق تقدير دقيق محكم بل مذهل في دقته واحكامه، وليس من حادث يحدث فيه دون غرض يخدمه سواء كان خفياً او ظاهراً وكل ما في عالم الانسان وكل ما في الكون بأسره انما يتحرك وفق تقدير محسوب لا يحيد عنه، وكل حدث يجري بقضاء وقدر لا يرد ولا يقهر الغائية تعني الحكمة التي ارتآها وقدرها خالق الكون سبحانه وتعالى واجرى حوادث الكون بمقتضاها، فقد اوجد الانسان لغاية وركب الكون لغاية وليس ثمة من سبيل عن طريق العلم او العقل او الفطرة لقبول ما يقوله الماديون من ان الكون جاء عن طريق المصادفة وانه لا هدف له ذلك ان العلم التجريبي والنظرة المادية لا تستطيعان مهما اوتيا من قوة ان يقولا مثل هذا القول اذ هما محدودان بحدود المادة المحسوسة، ولقد تأكد تماماً ان العلم التجريبي ليس من شأنه ولا في طاقته ان يفسر الاهداف والكيفيات بل هو قاصر على ملاحظة الظواهر ومحاولة فهمها، انه ربما استطاع ان يجيب عن كيف ولكنه يعجز ان يجيب عن لماذا؟ والاجابة عن لماذا سواء في خلق الكون او خلق الانسان انما تقتضي الاعتقاد بوجود قوة خارج هذا الكون خالقة ومدبرة هي التي رسمت ومازالت ترسم وتخطط مصير الكون والانسان لحظة بلحظة.
اما القول بسيطرة القوانين الطبيعية واضطرادها واستمرارها فهو قول قاصر، لان هذه القوانين كما هو بين ليست من صنع نفسها وليست مصادفة ولو كانت كذلك لما جاءت بمثل هذه الدقة وبمثل هذا الاستمرار العجيب لكن من صنع الخالق القادر المدبر وصاحب هذه القوانين وخالقها قادر على خرقها وتعطيلها متى شاء، فلا سبيل الى القول بجبرية استمرار القوانين على نحو مطلق، ومعنى هذا هو فساد القول بالحتمية ذلك ان الماديين يعتقدون بأن التطور يجري على طباق قانون الانتخاب الطبيعي الذي يسعى دائماً الى بقاء الاصلح وفق ضرورات محيطية ومعاشية وليس لها غاية سابقة وضعف قبل خلق الكون والانسان. ولا ريب ان النظرة الايمانية للطبيعة تكشف عن قوانين مذهلة توحي بأن وضعها في هذه الصورة كان لغاية حكيمة، من ذلك ان الماء هو السائل الوحيد في العالم الذي تكبر كتلته عندما تتجمد اي تقل كثافته بالتجمد ولهذه المزية الفريدة اهمية عظيمة في هذا العالم، فلو ان الماء تزداد كثافته عند انجماده لرسبت الثلوج في قاع الانهار والمحيطات وبقيت هناك بعيدة عن اشعة الشمس فلا تذوب وفي هذه الحالة تنقص كمية الماء سنة بعد سنة حين تجمد وتنتقص كمية ما في الارض من مياه ولكن كتل الجليد تظل طافية على سطوح الانهار والمحيطات فلا يتجمد ما تحتها من مياه، كما ان طبقة الثلج التي تنشأ فوق الانهار والبحار تحمي حيوانات تلك المياه من البرد ولولاها لماتت من شدة البرد او صعب عليها ان تعيش، كذلك فأن الماء لو لم يكن مذيباً لكثير من المواد الغذائية في التربة لما استطاع النبات ان ينمو على وجه الارض، فهل يمكن القول بأن صفات الماء هذه قد حدثت بالمصادفة ام انها وضعت لغاية‌ مقصودة وحكمة كبرى؟
ثمة قضية اخرى مهمة اثارتها النظرية، حين زعمت ان الموت هو نهاية الحياة وهذا المفهوم هو اخطر المفاهيم في التربية والاخلاق وابعدها اثراً في افساد الحياة واخلاءها من الغايات العالية الرشيدة وحسن التصرف، وهي تشجع المرأة على التكالب من اجل الاستمتاع بالحياة الدنيا فضلاً عن التنصل من الواجبات والمسؤوليات فلا وجود حينئذ للامانة والاخلاص والرحمة، وهذا شأنه ان يقضي تماماً على مسؤولية الانسان في الحياة وينسي التزامه فيها، اما المسلم فأنه يؤمن بأن هناك بعثاً وحساباً ومسؤولية وجزاء للعمل الدنيوي كله، ذلك ان الانسان مستخلف في الارض وعليه التزام وفي عنقه امانة وله ارادة حرة هي مصدر مسؤوليته وجزاءه وانه مطالب ان يعمل على اشاعة الحياة الايمانية وانهاض المجتمع العادل الرحيم بكل ما يمكنه من قوة وارادة وفي حدود عمله وقدره.
ان الموت في الرؤية الايمانية انما هو انتقال وعبور الى عالم آخر دائم لا يزول بل هو ولادة جديده في عالم جديد اتي بلا ريب، وذلك هو الفارق العظيم بين الاعتقاد الايماني والاعتقاد المادي في هذا السبيل.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة