البث المباشر

من عطاءات الفكر الاسلامي لحضارة الغرب

السبت 2 فبراير 2019 - 15:24 بتوقيت طهران

الحلقة 224

وفي هذه الجولة ان شاء الله نتعرف على قضايا معاصرة تهم الانسان في حياته وفي تفكيره وتطلعاته لكن الشيء المهم ان نتتبع هذه القضايا في مسيرها التاريخي حتى نصل الى جذورها، ولاشك ان الوقوف على الجذور والاصول يجعلنا نفهم بيسر واقع القضية وسماتها واهدافها وحتى مستقبلها فالى اين تكون سياحتنا في لقاء اليوم؟
انتقل نتاج الفكر الاسلامي الى اوروبا واستقر في الاندلس حوالي ثمانمئة عام فكانت منار الغرب كله وكانت جامعاتها موئل المثقفين مختلف البلدان الاوربية وهذه البلدان كانت قد سقطت في ظلمات القرون الوسطى منذ عام ٤۰۰ للميلاد وظلت سادرة في ظلامها حتى اوائل القرن الخامس عشر، بعد ان قطعت اكثر من الف سنة، كانت اضواء الحضارة الاسلامية خلالها قد غمرت الافاق، كان المسلمون قد وصلوا الى شواطيء اوروبا في اوائل القرن الثامن الميلادي اي بعد اربعمئة سنة تقريباً من سقوط روما ومنذ ذلك الوقت وحتى سقوط غرناطة في اواخر القرن الرابع عشر الميلادي كان وجود الحضارة الاسلامية في اوروبا وجوداً مشهوداً مؤثراً تركز في الاندلس وجنوب فرنسا وايطاليا. وكان انهاء هذا الوجود على النحو الذي تجمع عليه كتب التاريخ الاسلامي والغربي جميعاً هو اشبه بمؤامرة ضخمة ‌حاصرت العلم والجامعات والنتاج الاسلامي كله ثم اخرجت المسلمين من هناك الى شاطيء افريقيا تحت شعار اوروبا للاوروبيين.
خلال الفترة الخصبة التي استمرت من سنة ۷۲۲ الميلادية الى سقوط غرناطة عام ۱٤۹۲ تحول الى اوروبا كل نتاج العلم الاسلامي داخل اطار فكره الجامع وهي فترة تربو على ۷۷۰ سنة كاملة، ومن هذا النتاج وادواته ومصادره قامت النهضة الغربية الحديثة التي عرف بأسم الريمسامز والتي تمثلت في مصادر كثيرة ابرزها اولئك العلماء الذين تعلموا في جامعات الاندلس ثم انتشروا في جامعات فرنسا وانجلترا وايطاليا فكانوا نواة النهضة الاوروبية الحديثة وتناولوا الخيط من نقطة توقف المسلمين وساروا به حتى بلغوا بالعلم والحضارة المبلغ الذي نراه اليوم.
لكن النهضة الاوروبية لم تتخذ الفكر الاسلامي مصدراً لها وان كان قد فتح لها الافاق الى المدنية وكان اول ما اعطاها الفكر الاسلامي مفهوم الارادة الانسانية الحرة، هذا المفهوم الذي حطم مفهوم العزلة عن الدنيا والعكوف في الاديرة، ثم اعطاه حرية فهم النص المقدس والاتصال بالله تعالى دون توسط القساوسة، وهذا ما دعا اليه لورثر وكانتن. ثم كان المنهج التجريبي الذي وصل الى نقطة اساسية هي معرفة اسلوب الوصول الى كشف قوانين الطبيعة بالاضافة الى ذلك التراث الضخم في عالم الفلك والبحر والطب والصناعة الذي عاشت عليه اوروبا بعد ذلك ثلاثة قرون كاملة حتى استطاعت ان تقيم به النهضة الصناعية المدنية.
ان الاسلام لم تتقبله اوروبا منهجاً للحياة لكنها اخذت منه الاسلوب العلمي في حين ان هذا الدينا طلق العقل الانساني من قيوده التي كبلته بها الوثنية غير ان اوروبا صاغت فكرها الجديد من اصول قديمة قوامها الفلسفة اليونانية والقانون الروماني وطابع المسيحية في تفسيراتها التي لم تكن تمثل الدين الذي انزل على بني الله عيسى (عليه السلام)، وكان من نتيجة ذلك ان العلم لم يتخذ موضعه الصحيح الذي رسمه له الاسلام او الدين بشكل عام، فكان ان تقدمت اوروبا في مجال العلم التجريبي وانحرفت في مجال الفكر الفلسفي والاجتماعي والسياسي على النحو الذي اسلمها من الفلسفة المثالية الى الفلسفة المادية التي يعيش الان الغرب فيها حياته كلها، وكان لذلك اثره في اتجاه العلم ونتاجاته وخططه في المجتمع والحضارة وتلك هي ازمة العلم والحضارة في الغرب.
والعلم في الغرب حينما بدأ يقدم اكتشافاته وقع الصدام بينه وبين رجال الكنيسة فقد كانت الكتب القديمة قد وضعت مقررات على الطبيعة والارض والزمان اختلفت مع ما حاول العلم ان يثبتها فكيف كانت نتيجة هذا الصراع؟ لقد انتهى الصراع بموقف عداء مع رجال الدين بل ومع الدين نفسه، وفي هذه المراحل استعلى العلم بكشوفه وحاول ان يشق الطريق بعيداً عن الدين وظهرت مفاهيم مختلفة منها الدين البشري والالحاد والخصومة بين الدين والعلم، غير ان العلم الذي اصابه الغرور الشديد حين اعلا مفاهيم المادة والعقل وانكر الجوانب الاخرى في الحياة الانسانية كالروحية والغيب والوحي والدين انما يكون قد شق طريقاً صعباً يتمثل واضحاً في كتابات ارنس رنلت واربست سبنسل وغيرهم من الفلاسفة لا العلماء، اجل ان هؤلاء‌قد حاولوا تفسير الحياة تفسيراً مادياً صرفاً وبلغ الايمان بالعلم درجة كبرى حتى وصفه ارنست في كتابه مستقبل العلم بأنه سينقذ الانسانية وان العصر الذي يسود فيه العقل وتصل فيه الانسانية‌الى الكمال آتي بلا ريب، من هنا ظهر مفهوم ان العلم هو كل شيء ولا شيء غيره وانه هو الذي ينظم المعرفة على اختلاف انواعها. ومن ثم نشأت نظرية قيام المجتمع على اساس المحسوس والمعقول وحدهما وانكار ما سوى ذلك من دين وغيب ووحي ورسالات السماء، والواقع ان العلم قد اكتشف بعد ان قطع اشواطاً طويلة انه غير قادر على الاجابة عن كثير من الاسئلة المهمة والحياتية ومن ثم فقد تقرر بصورة عامة ان العلم لا يفسر الاشياء ولا يعللها ولكنه يصفها ويقررها اي ان مهمة‌العلم قاصرة على وصف الظواهر وتقريرها وبهذا خفف العلم من غلواء النظرة الاولى التي كانت في اذهان الاوائل وهي تفسير الوجود بحيث يصبح العلم هو المنهج الوحيد للمعرفة سواء في مجال العلوم الطبيعية والرياضية او مجال العلوم الانسانية، وقد تخلى العلم عن الاجابة عن لماذا بعد ان تبين عبث هذه المحاولات وعقم نتائجها وهكذا ترك العلم للفلسفة مهمة البحث عن العلل النهائية للوجود بعد ان عجز في هذا المضمار ولم يسفر بحثه عن شيء. وكانت تلك خطوة هامة في تصدع هيمنة العلم الذي اضفوا عليه في الغرب صفة الهية مطلقة ومعبوداً متبعاً في كل ما يقول، وسنواصل ان شاء الله متابعة تاريخ العلم المادي الذي بدأ يقضي على سلطانه بنفسه.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة