البث المباشر

لماذا تكلم القرآن بأسلوب الظاهر والباطن؟

السبت 1 مايو 2021 - 14:06 بتوقيت طهران
لماذا تكلم القرآن بأسلوب الظاهر والباطن؟

للقرآن ظاهر وباطن: يقول الله تعالى في كلامه المجيد: ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا﴾ ([1]). ظاهر هذه الآية الكريمة أنها تنهى عن عبادة الأصنام كما جاء في قوله تعالى ﴿فاجتنبوا الرجس من الأوثان﴾ ([2]).

ولكن بعد التأمل والتحليل يظهر أن العلة في المنع من عبادة الأصنام أنها خضوع لغير الله تعالى.

وهذا لا يختص بعبادة الأصنام بل عبَّرَ عزَّ شأنه عن إطاعة الشيطان أيضا بالعبادة حيث قال: ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان﴾([3]).

ومن جهة أخرى يتبين أنه لا فرق في الطاعة الممقوتة بين أن تكون للغير أو للإنسان نفسه، فإن إطاعة شهوات النفس أيضا عبادة من دون الله تعالى كما يشير اليه في قوله: ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه﴾([4]).

وبتحليل أدق نرى أنه لا بد من عدم التوجه إلى غير الله جل وعلا، لأن التوجه إلى غيره معناه الاعتراف باستقلاله والخضوع له، وهذا هو العبادة والطاعة بعينها، يقول تعالى: ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس﴾ إلى قوله ﴿أولئك هم الغافلون﴾([5]).

عند التدبر في هذه الآيات الكريمة نرى بالنظرة البدائية في قوله ﴿ولا تشركوا به شيئا﴾ أنه تعالى ينهي عن عبادة الأصنام وعندما نتوسع بعض التوسع نرى النهي عن عبادة غير الله من دون أذنه.

ولو توسعنا أكثر من هذا لنرى النهي عن عبادة الانسان نفسه باتباع شهواتها، أما لو ذهبنا إلى توسع أكثر فنرى النهي عن الغفلة عن الله والتوجه إلى غيره.

ان هذا التدرج - ونعني به ظهور معنى بدائي من الآية ثم ظهور معنى أوسع وهكذا - جار في كل من الآيات الكريمة بلا استثناء.

وبالتأمل في هذا الموضوع يظهر معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في كتب الحديث والتفسير من قوله: (إن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن)([6]).

وعلى هذا للقرآن ظاهر وباطن أو ظهر وبطن، وكلا المعنيين يرادان من الآيات الكريمة، الا أنهما واقعا في الطول لا في العرض، فإن إرادة الظاهر لا تنفي إرادة الباطن وإرادة الباطن لا تزاحم إرادة الظاهر.
 
لماذا تكلم القرآن بأسلوب الظاهر والباطن:

1- الإنسان في حياته البدائية القصيرة الدنيوية يشبه الحبات([7]) الذي يعلو الماء، إذ ركز أوتاد خباء وجوده في مياه بحر المادية وكل ما يقوم به من المساعي والجهود أعطيت أزمتها بيد ذلك البحر المادي الهائج.

اشتغلت حواسه الظاهرية والباطنية بالمادة، وأفكاره انما تتبع معلوماته الحسية.

فإن الأكل والشرب والجلوس والقيام والتكلم والاستماع والذهاب والإياب والحركة والسكون وكل ما يقوم به الإنسان من الأعمال والأفعال وضعت أسسها على المادة ولا يفكر إلا فيها.

وما نراه في بعض الأحيان من الآثار المعنوية - كالحب والعداء وعلو الهمة ورفعة المقام وأمثالها - إنما يدركها بعض الأفهام لأنها تجسم مصاديق مادية، فإن الانسان يقيس حلاوة الغلب بحلاوة السكر وجاذبية الصداقة بجاذبية المغناطيس وبعلو الهمة بعلو مكان ما أو علو نجوم السماء وعظم المقام ورفعته بعظم الجبل وما أشبه هذه الأشياء.

ومع هذا تختلف الأفهام في إدراك المعنويات التي هي أوسع نطاقا من الماديات، فإن بعض الأفهام في غاية الانحطاط في درك المعنويات، وبعضها تدرك إدراكا قليلا، وهكذا تندرج إلى أن تصل بعض الأفهام بسهولة إلى درك أوسع المعنويات غير المادية.

وعلى كل حال فكلما تتقدم الأفهام نحو ادراك المعنويات تقل تعلقها بالمظاهر المادية المغرية، وكلما قل تعلقها بالمادة زادت في إدراكها، ومعنى هذا أن كل انسان بطبيعته الانسانية فيه الاستعداد الذاتي لهذا الادراك، ولو لم يشبه بالشوائب العرضية لأمكن تربيته وتقدمه.

 2- نستنتج مما سبق أنه لا يمكن حمل ما يدركه الذي هو في المرتبة العليا من الفهم والعقل على الذي هو في المرتبة السفلى ولو حاولنا هذا الحمل لكانت نتيجته عكسية، وخاصة في المعنويات التي هي أهم من المحسوسات المادية، فإنها لو ألقيت كما هي على العامة لأعطت نتيجة تناقض النتيجة الصحيحة المتوخاة.

ولا بأس أن تمثل ها هنا بالمذهب الوثني. فلو تأمل الباحث في قسم اوبانيشاد من كتاب ويدا الكتاب البوذي المقدس، لو تأمل الباحث فيه وقارن بين أقواله مقارنة صحيحة ليرى أنه يهدف إلى التوحيد الخالص.

ولكنه مع الأسف يستعرض هدفا بلا ستار وعلى مستوى أفكار العامة، فكانت النتيجة أن اتجه ضعفاء العقول من الهنود إلى عبادة أوثان شتى.

إذا لا يمكن رفع الستار بصورة مكشوفة عن الأسرار الغيبية وما يتعلق بما وراء الطبيعة والمادة للماديين ومن لم يذعن بالحقائق.

 3- بالرغم مما نجده في الأديان من حرمان العامة من كثير من المزايا الدينية، كحرمان المرأة في البرهمية واليهودية والمسيحية وحرمان غير رجال الدين من ثقافة الكتاب المقدس في الوثنية والمسيحية.. بالرغم من كل ذلك فإن أبواب الدين الاسلامي لم تغلق في وجه أحد، فإن المزايا الدينية فيه للجميع وليست ملكا لفئة خاصة، فلا فرق بين العامة والخاصة والرجل والمرأة والأبيض والأسود، كلهم مساوون في نظر الاسلام وليس لأحد ميزة على أحد.

قال تعالى: ﴿إني لا أضيع عمل عامل منكم ومن ذكر أو أنثى بعضكم من بعض﴾([8]). وقال عز من قائل: ﴿يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾([9]).

القرآن في الإسلام، السيد محمد حسين الطباطبائي

---- 

([1]) سورة النساء: 36.
([2]) سورة الحج: 30.
([3]) سورة يس: 60.
([4]) سورة الجاثية: 23.
([5]) سورة الأعراف: 179.
([6]) الصافي المقدمة الثانية، وسفينة البحار بطن.
([7]) الحباب بفتح الحاء: الفقاقيع التي تعلو الماء.
([8]) سورة آل عمران: 195.
([9]) سورة الحجرات: 13.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة