هناك رأيان مختلفان حول هذا التطور الجديد على جبهة جنوب لبنان التي عادت تتصدر العناوين الرئيسية مجددا:
الأول: عبر عنه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء جولته في الجبهة الشمالية بصحبة حشد من ضباطه الكبار، عندما قال أنه يرجح احتمالات تحرك إسرائيلي داخل لبنان نفسه كرد على ما وصفه "بانتهاكات حزب الله للسيادة (الإسرائيلية)".
الثاني: تأكيد يؤاف غالانت ، وزير الإسكان، وعضو مجلس الوزراء (الإسرائيلي) المصغر، والجنرال في الاحتياط، أن حكومته تعطي الأولوية لتوجيه ضربة قاسية ومؤلمة لقطاع غزة في الوقت المناسب ووفقا للأهداف التي سيتم تحديدها.
أكثر ما يثير غيظ الإسرائيليين هو التزام “حزب الله” وقيادته الصمت المطبق تجاه هذه الحركة “الاستعراضية” الإسرائيلية على الحدود اللبنانية الجنوبية، فحتى كتابة هذه السطور لم يصدر أي رد من السيد حسن نصر الله أو المتحدثين باسمه، والرد الوحيد جاء من قبل حليفه السيد نبيه بري، رئيس البرلمان، الذي تحدى الإسرائيليين تقديم أي دليل عن وجود هذه الأنفاق.
لا نعتقد أن بنيامين نتنياهو الذي لا يوجد في تاريخه السياسي أنه خاض حربا واحدة رئيسية وانتصر فيها، لأنه يتصف بالجبن والجعجعة الفارغة، حسب خصومه، ولا يملك أي خلفية عسكرية قيادية مثل معظم رؤساء الوزراء الاخرين، لا نعتقد أنه يجرؤ على فتح جبهة الشمال وإشعال فتيل الحرب مع “حزب الله” لسببين رئيسيين:
الأول: أن قدرة الردع الهائلة التي يملكها "حزب الله" ما زالت قوية وفتاكة، والأكثر من ذلك أنها تنمو وتتطور وعصبها الرئيسي 150 ألف صاروخ.
الثاني: الكمية الضخمة لهذه الصواريخ وعجز القبب الحديدية الإسرائيلية في التصدي لها، والقدرة التدميرية الدقيقة لها، التي تؤهلها على ضرب أهداف نوعية في العمق الإسرائيلي.
"حزب الله" يراقب هذا المهرجان الاستعراضي الإسرائيلي بالصوت والصورة، من خلال قدرات رصد تصويرية عالية، يجري بثها عبر أذرعته الإعلامية الضاربة، مثل قناة "المنار"، وتثير التعليقات الساخرة لدى أنصاره ومحبيه تجاه هذه المسرحية الهزيلة الفاشلة والسيئة الإخراج والتنفيذ.
كل ما ادعى المتحدثون الإسرائيليون كشفه حتى الان هو نفق بطول 200 متر فقط، من بينها 40 مترا من الجانب الاخر من الحدود، أي الفلسطيني المحتل، وإذا نظرنا إلى إمكانيات الحزب الهائلة في هندسة الأنفاق، ورأيناها في متحف "مليتا" الذي يوثق الخسائر العسكرية الإسرائيلية عام 2006، فإن هذا النفق يمكن أن يحفره "مهندسو" الحزب في يوم أو يومين على الأكثر.
النقطة الأهم وسط ركام هذه الأنفاق المزعومة التي جرى تدميرها، أن "حزب الله" لم يكن يخطط فقط لتحقيق الردع في مواجهة أي عدوان إسرائيلي من خلال ترسانته الصاروخية "المرعبة" وإنما كان يضع خططا استراتيجية للهجوم وتحريرها أراض في الجليل، أي شن حرب برية أيضا.
من المفارقة أن نتنياهو الذي تخترق طائراته الأجواء اللبنانية بصفة يومية في مهمات استطلاعية استعراضية، يتباكى على انتهاك سيادة "أراضيه" بسبب حفر نفق طوله أربعين مترا فقط تحتها.. إنها كوميديا لا تضحك أحدا، بل تكشف درجة الارتباك الإسرائيلية العالية جدا.
إدارة الرئيس ترامب التي أعطت الضوء الأخضر لنتنياهو للإقدام على هذه العملية تعتقد أنها تصب في مصلحة استراتيجيتها في تصعيد الضغوط على إيران، ولكن النتائج جاءت عكسية تماما، وتبين حتى الان على الأقل أن الأكثر تضررا من هذه العملية "درع الشمال" هي (إسرائيل)، خاصة بعد أن تبين أن درعها هذا مليء بالثقوب.
عبد الباري عطوان - رأي اليوم