لعبت خطابات الأمين للعام لحزب الله السيد حسن نصر الله، خلال حرب تموز عام 2006 دوراً إعلامياً رئيسياً في هذه الحرب، وكان لها تأثيرها النفسي الحاسم على المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي على معنويات قوات الاحتلال، وقد أظهرت هذه الخطابات كل معاني الجرأة والقدرة على إدارة الحرب في شخصية السيد نصر الله.
كما كان للمقابلات الإعلامية التي أجراها الأثر البالغ في رفع معنويات اللبنانيين، وتمتين التماسك داخل بيئة المقاومة وتعزيز إرادة المواجهة لدى المقاومين في ميدان القتال.
هذا الأمر يطرح تساؤلات حول أهمية الدور الإعلامي الذي يلعبه السيد نصر الله ولا سيما في هذه المرحلة التي تشهد ضغوطاً كبيرة على المقاومة ونهجها في الداخل والخارج، وحول مدى إمكانية المراكمة على هذا الدور من أجل مأسسة العمل الإعلامي والاستفادة من هذه التجربة من أجل خلق مدرسة إعلامية مقاوِمة قادرة على تحقيق الإنجازات.
في حرب تموز كشفت المقاومة عن أسلحة وتكتيكات نوعية غيرت مسار الحرب، إلا أن سلاحاً إعلامياً ونفسياً فتّاكاً، شكل لوحده رافعة مهمة للانتصار.. إنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
اليوم باتت كواليس تلك اللقاءات خلال الحرب، توازي مضمونها. فإجراء مقابلة داخل بناء في قلب الضاحية وسط القصف المتواصل، وكل أخطار الحرب الأخرى، ثبتت أهمية السيد في سلاح الحرب النفسية.
في مساقات تدريس الخطابات الأميركية، يمر الرؤساء الأميركيون على هذه المساقات، التي يتعلمون من خلالها مفاهيم مثل: كيف تبتلع خوفك؟ وكيف تطرح أفكارك؟ لكن النتيجة في كل الأحوال كانت رئيس مضطرب مثل الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغين، أو رئيس هزل مثل الرئيس الحالي دونالد ترامب، أو متلعثم مثل الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش.
أما مع شخصية كالسيد نصر الله فالحالة على نقيض تماماً، والاختلاف ينبع من أنه عندما يأتي الرئيس الأميركي ليدرس هذه المساقات، يدخل فيها كمؤدي ومنفذ غير منسجم وغير متفاعل وغير ملتحم مع الفكرة، في حين أن السيد نصر الله هو ابن الفكرة وابن البرنامج والمقاومة والتفاصيل الصغيرة والاستراتيجيات الكبيرة، وبالتالي هو منغمس بكل التفاصيل. ولا يوجد مسافة بين التكوين النفسي للسيد والفكرة التي يطرحها لذلك هو قادر على التعبير عنها.
كما أن للسيد عقل هندسي، حيث نرى في أغلب خطاباته أنه يعدد نقاطاً، ثم يطرح شبكة العلاقات بين هذه النقاط. هذا عقل هندسي قادر على إيصال المعلومة للجمهور بشكل سلس وموضح.
في حرب تموز، ظهرت شخصية كريزماتية للسيد، ففي اليوم الرابع من الحرب،كتبت الصحيفة الإسرائيلية "يديعوت أحرنوت" على صفحتها الأولى أن "ما يحدث في الجبهة غير ما تقوله الرواية العسكرية الإسرائيلية"، رغم أنه قبل ذلك كان هناك إذعان للرواية الإسرائيلية.
"الاسرائيليون يصدقون السيد أكثر مما يصدقون مسؤوليهم"، هي عبارة قالها المستوطنون بأنفسهم، لم تكن شعاراً عربياً أو لرفع معنويات، بل هو اعتراف تجسد في اليوم السادس والسابع والثامن من حرب تموز، واضطر المستوطنون وخاصة في "كريات شمونة" للاعتراف بهذه الحقيقية.
في خطابه الأول خلال الحرب، في 14 تموز/يوليو، حرص السيد أن يكون خطابه تمهيدياً، فيه تحدي وتثبيت لأن الصدمة كبيرة، ولأن الاحتلال أراد حرباً مفتوحة، فقام السيد بتثبيت نقطة أساسية في خطابه قائلاً "إذا أردتموها حرباً مفتوحة.. نحن ذاهبون للحرب المفتوحة.. إلى حيفا، وصدقوني إلى ما بعد حيفا"، هذه الجملة تكررت في جميع الوسائل الإسرائيلية خلال ساعة واحدة، وتسببت بهزة في الأوساط الإسرائيلية.
واليوم، وبعد 14 عاماً على الحرب، جملة "ما بعد بعد حيفا" وجملة "انظروا إليها تحترق" في إشارة إلى البارجة الإسرائيلية "ساعر" التي أستهدفها المقاومون، لا تزالان تترددان على لسان الأجيال، ويستحضرونها على مواقع التواصل الاجتماعي.
الميدان السيكلوجي اليوم لا يقل أهمية عن الميدان العسكري، وفي أي خطاب، يسعى المخاطب إلى أن يصل إلى الناس، ثم أن يؤثر بهم، ثم أن يقنعهم، ثم أن يحافظ على حالة معينة من الولاء.
الإنجاز الذي حققه السيد نصر الله، يتجسد بأنه استطاع أن يشن حرباً نفسية طاحنة ضد ماكينة تدفع ملايين الدولارات، سواء الأميركية أو الإسرائيلية، وعادة ما تعتمد الحروب الإعلامية النفسية على ضخ الشائعات والأخبار الملفقة، إلا أن السيد استطاع أن ينتصر بهذه الحرب النفسية دون أن يقدم الأكاذيب، وهذه سابقة أن يُستخدم فن الدعاية بالشكل المتميز وبتقديم حقائق صرفة دون تضليل، ولهذا تداعيات كلام السيد لاتزال موجودة.
وعلى صعيد آخر، وفي مهرجان الانتصار، قال السيد نصر الله إن هذا الانتصار لكل لبنان ولكل طوائفه ومؤسساته وتياراته، فكان مهرجان الانتصار هو الوعاء الزماني والمكاني الذي احتوى الجميع.
المسيرة الإعلامية عندما يتحدث السيد نصرالله للتيارات السياسية الأخرى في لبنان، تشبه المسيرة السياسية لحزب الله. التيار السياسي لحزب الله والخطاب الإعلامي للسيد نصر الله سارا على نفس السكة، من خلال احتواء باقي التيارات على أرضية أن "مشروع المقاومة لا يمكن المساس به وهو بكل الأحوال انتصار لكل لبنان".