ولقد أثار هذا التصعيد الامريكي ردود فعل غاضبة في العراق باعتبار أن الحشد الشعبي قوة رسمية تعمل تحت إمرة رئيس الوزراء وأن الحشد المُضحي الأكبر في العراق في مواجهة الإرهاب الداعشي، بعض القوى في الحشد الشعبي مثل عصائب اهل الحق وحركة النجباء اعتبرت هذه العملية استفزازية كما تحركت قوات الحشد الشعبي باتجاه المنطقة الخضراء للضغط من اجل اطلاق سراح هؤلاء المجاهدين. وفي سياق متصل، علّق رئيس ائتلاف دولة القانون في العراق، "نوري المالكي"، يوم الجمعة على اعتقال عدد من عناصر الحشد الشعبي، بالعاصمة بغداد.
وقال "المالكي"، عبر تغريدة على منصة تويتر، إن "الحشد الشعبي قائد النصر وعنوان لقوة الشعب والدولة وعلينا احترامه وحفظ هيبته ولا يجوز الاعتداء عليه او الانتقاص منه". واشار الى أن "الدولة دولتنا، وقوات مكافحة الاٍرهاب ابناؤنا الذين نعتز بجهادهم وبسالتهم ولا يجوز الانتقاص منه ومن كل قوة وطنية للدولة". ودعا "الجميع الى ضبط النفس، والحرص على حل المشاكل بنفس وطني مسؤول بعيد عن الأحقاد والتدخلات الخارجية". وحذر "جميع اخواننا المقاتلين والحكومة من الذين يريدون الإيقاع بين شركاء الهم والوطن". ورداً على عملية مداهمة مقر الكتائب، قال القيادي في عصائب أهل الحق "جواد الطليباوي"، في تغريدة على تويتر: "رجال المقاومة ورجال الحشد الشعبي رجال العراق الغيارى ولن نقبل بالتجاوز عليهم .لا تلعب بالنار". كما حذر الإعلام الحربي لحركة النجباء في حسابه على تليغرام من "المساس بالإخوة المجاهدين، ونخاطب من نفذ الواجب الخبيث: "لا تكونوا أداة لتنفيذ مخطط الاحتلال الأمريكي.. كنا وما زلنا مقاومة".
وفي هذه الأثناء، فإن النقطة التي لا يجب تجاهلها، هي خطة أمريكا للفصل والتمييز بين القوات العسكرية العراقية. وهذا يعني أن أمريكا تسعى إلى وضع قوات الحشد الشعبي، التي تضم أكثر من 40 مجموعة وفصيلاً، في جانب واحد، والقوات العسكرية العراقية بما في ذلك الشرطة والجيش العراقي وقوات مكافحة الإرهاب في الجانب الآخر. يذكر أن هذه الجهود الأمريكية المبذولة لإضفاء الطابع المؤسسي على هذه المواجهات بين الطرفين كانت واضحة في السنوات الأخيرة، وحتى أن قادة البيت الأبيض فرضوا حزم من العقوبات على قادة الحشد الشعبي لتنفيذ هذا السيناريو. وفي ضوء ذلك، أصبح بمقدورنا طرح هذا السؤال القائل، ما هي أهداف واشنطن في التخطيط لمثل هذا السيناريو، وهل سوف يتمكّن قادة البيت الابيض من تحقيق ذلك السيناريو الخبيث في العراق؟
أهداف أمريكا من زرع الفتنة والتفرقة في صفوف الجيش العراقي
عند تحليل وتقييم الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لخلق انقسامات بين قوات الحشد الشعبي العراقية وقوات الجيش العراقي، يمكننا أن نذكر عدة أسباب مهمة، أهمها:
1) كانت قوات الحشد الشعبي العراقية في الماضي، وكذلك في الوضع الحالي، أهم قوة في مكافحة الإرهاب في العراق. وخلال ذروة تفشي وانتشار عناصر "داعش" الإرهابية في العديد من المدن والمحافظات العراقية، كانت قوات الحشد الشعبي هي القوة الوحيدة التي تمكنت من احباط مؤامرة أمريكا لتدمير البلاد وقد قدمت قوات الحشد الشعبي للحكومة العراقية خلال السنوات الماضية الكثير من الخدمات التي لا تعد ولا تحصى. وأيضا، خلال مؤامرة أمريكا لتقسيم العراق ودعم البيت الأبيض للاستفتاء على استقلال الأكراد في شمال العراق، مرة أخرى كانت قوات الحشد الشعبي العراقية هي القوة الوحيدة التي تمكنت من القضاء على خطة تقسيم البلاد المشؤومة. وأيضا، في الأشهر الأخيرة، تمكنت قوات الحشد الشعبي من افشال مؤامرة واشنطن وشركائها الإقليميين لإحياء تنظيم "داعش" الإرهابي في عدة جبهات داخل الأراضي العراقية. بشكل عام، لقد استنتج الأمريكيون أنّ أيّ محاولة من جانبهم لزعزعة استقرار العراق سوف تحبطها قوات الحشد الشعبي العراقية. لذلك، فلقد سعى قادة البيت الأبيض خلال الفترة الماضية إلى إضعاف قوات الحشد الشعبي من خلال تقديمها كمنافس للقوات العسكرية العراقية، وذلك من أجل خلق أرضية مناسبة وبشكل تدريجي لحل تلك القوات الشعبية.
2 - ومن جهة أخرى، توصل الأمريكيون إلى استنتاج خلال السنوات القليلة الماضية بأنه ليس لديهم مستقبل في عراق ما بعد القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي، وأن الشعب العراقي سوف يجبرهم قريباً على الخروج من المعادلات السياسية المتعلقة ببلدهم. وفي مثل هذه البيئة، حاولت واشنطن خلق أزمة ونشر الطائفية بين التيارات السياسية والعسكرية العراقية، من أجل الحفاظ على وجودها في العراق. وفي هذه الأثناء، أدركوا جيدا وبوضوح أن قوات الحشد الشعبي هي أهم المعارضين لاستمرار وجود القوات الأمريكية في البلاد. ونتيجة لذلك، حاول الخبراء الأمريكيون خلال الفترة الماضية عزل وإضعاف قوات الحشد الشعبي باعتبارها منافسهم الرئيس في العراق.
3. والسبب الآخر لقيام أمريكا بإحداث انقسامات بين القوات العسكرية العراقية، يتمثّل في محاولة لتضعيف قدرات الجيش العراقي. من الواضح أنه كلما كان الجيش العراقي أكثر تماسكاً وقوة، زاد الاستقرار السياسي والاجتماعي في العراق، وبالتالي سوف تزداد الحاجة إلى خروج القوات الأمريكية من الأراضي العراقية. وفي مثل هذه البيئة، يبدو أن واشنطن بذلت الكثير من الجهود لاستخدام العديد من السياسات الخبيثة لإضعاف الجيش العراقي، حيث يمكن القول إن خلق انقسامات بين قوات الحشد الشعبي والقوات العسكرية الاخرى التابعة للجيش العراقي هو الخيار الأكثر سهولة بالنسبة لأمريكا.
وبناء على ذلك، فإن يمكن القول هنا أن الهدف الرئيس لواشنطن هو سلب الشرعية من قوات الحشد الشعبي العراقية وبذل الكثير من الجهود لإجبار البرلمان والحكومة العراقية حّل هذه القوات العراقية. لكن جهود واشنطن جاءت في وقت تركز فيه الإرادة العامة للفصائل السياسية والمواطنين العراقيين على الحماية الكاملة لقوات الحشد الشعبي العراقية وفي نظر الرأي العام العراقي، ليست قوات الحشد الشعبي قوات غير قانونية فحسب، بل هي أيضًا قوات وطنية دافعت عن وحدة أراضي البلاد وأمنها خلال حربها ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.
بالإضافة إلى ذلك، وبموجب قرار البرلمان العراقي الذي صدر في عام 2016، تم الاعتراف بقوات الحشد الشعبي العراقية كجزء من هيكل الجيش العراقي، وتخضع أنشطته لإشراف رئيس الوزراء كقائد عام للجيش العراقي. وعلى الرغم من أن قوات الحشد الشعبي اتخذت إلى حد ما موقفاً مستقلاً في قتالها ضد أعداء الشعب العراقي، إلا أنها كانت دائما خاضعة للقانون والأوامر العسكرية العليا التي كانت تقوم بتحديد سياستها الرئيسية على المستوى الاستراتيجي. بشكل عام، تُظهر النتائج أن قوات الحشد الشعبي العراقية هي قوة قانونية وجزء من الجيش العراقي، وأن جهود الولايات المتحدة لحظر هذه القوات وحلّها ليس لها آفاق إيجابية وسوف تبوء بالفشل في نهاية المطاف.