بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ لك الحمد حمد الشاكرين، والصلوة والسلام على نبينا الخاتم المصطفى محمّد وآله الطاهرين، السلام عليكم انتم المستمعون الكرام وأهلاً بكم جميعاً في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة، حيث وفقنا فيه بعونه تعالى في تفسير خمس سور من القرآن الكريم، هي الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والنسّاء، والمائدة. والآن إعتباراً من هذه الحلقة نبدأ بمشيئة الله وفضله جلّ وعلا تفسير سورة الأنعام.
سورة الأنعام، ترتيبها السادس بين سور الذكر الحكيم وتقع ضمن الجزء السابع منه، وهي: مائة وخمس وستون آية مكيّة. رسالة السورة أساساً محاربة الشرك والدعوة إلى التوحيد. معظم آياتها في بيان خرافات المشركين والوثنيين ورد عقائدهم الباطله، وكذلك في بيان الحلال من لحوم الحيوانات وحرامها تفنيداً لعقائد المشركين وأباطيلهم الذين حرموا على أنفسهم أكل لحم حيوانات وركوبها.
تعود تسمية السورة بالأنعام لأحكام بينها الله تعالى بخصوص البهائم والأنعام. روى أبو صالح عن إبن عبّاس قال من قرأ سورة الأنعام في كلّ ليلة كان من الآمنين يوم القيامة ولم ير الناربعينه أبدا.
والآن حضرات المستمعين الكرام نستهل السورة بالإستماع لقوله تعالى: الحمد لله الذي خلق السّموات والأرض وجعل الظلمات والنّور ثمّ الذين كفروا بربّهم يعدلون.
بدأ الله تعالى هذه السورة بالحمد لنفسه إعلاماً بأن جلّ جلاله المستحق لجميع المحامد لأن أصول النعم وفروعها منه تعالى ولأنّ له الصفات العلى لخلقه السماوات والارض، أي: إخترعهما وابدعهما بما إشتملا عليه من عجائب الصنعة وبدائع الحكمة. وقد ذكرنا من معنى الحمد لله وتفسيره في سورة الفاتحة.(وجعل الظلمات والنور) يعني الليل والنهار، وقيل الجنة والنار. وإنما قدّم ذكر الظلمات لأنه تعالى شأنه خلق الظلمة قبل النور وكذلك خلق السماوات قبل الأرض ثم عجب سبحانه واستغرب ممّن جعل له شريكاً مع ما يرى من الآيات الدالة على وحدانيّته قائلاً (ثم الذين كفروا)، أي: جحدوا الحق (بربهم يعدلون) ، أي: يعادلون ويسوون بالله جل وعلا غيره. ودخول ثمّ في قوله: ثم الذين كفروا دليلٌ على معنى لطيف هو أنه سبحانه أنكر على الكفار العدل به وعجب المؤمنين من ذلك.
الآية تدحض عقيدة الماديين التي تنكر مبدأ الإله في الخلق وكذلك عقيدة القائلين بتثنية الإله مثل الزراتشتيين الذين يرون مبدأين للنور والظلمة، وعقيدة المشركين بالله الواحد الأحد.
اللافت في القرآن كل- ورود كلمة النور مفردة دائماً وأبداً وكلمة الظلمة بصورة الجمع- ذلك أن درب الحق نور- وما درب الحق الا درب واحد لا غير- اما درب الباطل وهو الظلمة- متعدد ومتنوع في آن- وبعبارة ادق- أن النور- هو رمز الوحدة. والظلمة رمز التفرق والتشتت.
ما نفهمه من هذه الآية، هو:
- الله، هو خالق الأشياء والممهّد لمسيرتها التكاملية وبيده وحده حيوة الكائنات كلّها ومماتها، فهو المحيي وهو المميت.
- الشرك، ضرب من الكفر- فالشرك بالله يعني انكار قدرته سبحانه وتعالى في التفرد بادارة الكون.
والآن، ننصت وإياكم لهذه التلاوة العطرة من الآية الثانية من سورة الأنعام:
هو الذي خلقكم من طين ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمّى عنده ثمّ أنتم تمترون
المراد بقوله (هو الذي خلقكم من طين) هو أبو البشر النبيّ آدم على نبينا وعليه أفضل الصلوة والسلام. والمعنى، أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي أنشأ أباكم أيها الناس من طين وأنتم من ذريّته. (ثم قضى أجلاً)، أي: جدّد لعمر الإنسان وقدّر وكتب أجلاً، والقضاء يعني الحكم، والأمر، والخلق، والإتمام والإكمال . (وأجل مسمّى عنده)، أي: من الممات إلى البعث لا يعلم ميقاته إلا الله عليهذا في قوله تعالى (ثم قضى أجلاً واجلٌ مسمى عنده) يكون الأجل اولاً من مولد الإنسان إلى مماته وثانياً كما مر من الممات إلى بعثه. واجل مسمى عنده، يعني الآخرة. لانه أجل دائم ممدود لا آخر له. وإنما قال مسمى عنده لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ في السماء وهو الموضع الذي لا يملك فيه الحكم على الخلق سواه جل وّعلا. وقوله (ثمّ أنتم تمترون) خطابٌ للكفار الذين شكوا في البعث والنشور واحتجاج عليهم بأنه سبحانه خلقهم ونقلهم من حال إلى حال وقضى عليهم الموت وهم يرونه ويقرون بأنه لا محيص منه ثم بعد هذا يشكون ويكذبون بالبعث ومن قدر على إبتداء الخلق فلا ينبغي أن يشك في أنه يصح منه إعادتهم وبعثهم.
تدلّنا الآية رقم اثنين من سورة الأنعام على:
- أنّ للإنسان أجلاً محدّداً محصوراً بين الولادة والموت. وهو عمر الإنسان الذي يتوقف مداه على ظروفه الحياتية. مثله في ذلك، مثل السراج الذي يظلّ وقداً ما لم ينته زيته، أو ما لم يتعرض لمهب الريح.
عليهذا –تشير الروايات الإسلاميّة- للزوم رعاية امور التغذية السليمة والصحة التي تطيل عمر إلانسان، وإلى أعمال لإطالة العمر او الحد منه... فالاعمال التي تطيل بعمر الإنسان، منها: صلة الرحم وزيارة الأقرباء.
من هذه الآية، ندرك:
- اننا لم نولد بارادتنا لنموت بارادتنا.. إذ لا دور لنا في بدء الحياة وانهائها... إذاً أنى لنا نشكّ بالمبدأ والمعاد؟
- هناك نظام ثابت وقوي في الحياة، الذي على ضوئه يتحدد عمر الكائنات والأحياء كلّها وان الله هو الخالق لهذا النظام والعالم الذي نعيش فيه.
ننصت لهذه الآية المباركة التي تحمل الرقم ثلاثة في سورة الأنعام:
وهو الله في السّموات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون
تقول الآية: إن إلهاً واحداً لا غير يحكم في السماء والأرض وأنّ خلق الأشياء كلّها بيد واحد فحسب على خلاف من يعتقدون خطأ بوجود رب وإله واحد لكل شيء، ويعتقدون بالآلهة.
الآية تشير كذلك لمدى سعة علم الله بظواهر الإنسان وخفاياه وما يقوم به من أعمال ولا تخفى عليه خافية. (ويعلم ما تكسبون) أي: ان الله يعلم نياتكم واحوالكم واعمالكم ويكون الخطاب في الآية لبني آدم.
تدلنا الآية، على:
- علينا مراقبة ما نقوم به إن كنا نؤمن بعلم الله فهذا الايمان يردعنا عن ارتكاب المعاصي والفواحش ويحثنا في الوقت نفسه على القيام بالصالح من الأعمال.
- يختلف من وجهة نظرنا نحن أمر السموات والارض وأمر الظاهر والباطن وما هو مكشوف وما هو مستور- أما عند الله فلا.
وبهذا مستمعينا الافاضل نختتم هذا الحلقة من برنامج نهج الحياة. نشكركم على حسن المتابعة. والى لقاء قادم نستودعكم الله والسلام عليكم.