السلام عليكم إخوة الإيمان، كثرت في النصوص الدينية التحذيرات من تضييع العمر فيما لايبقى للإنسان خيره ونفعه. ومن الأساليب المهمة للحيلولة دون ضياع العمر فيما لاطائل منه محاسبة النفس بأستمرار على أعمالها، وهذا ما يبينه لنا الفقيه الإمامي العارف الشيخ الزاهد التقي زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني علم علماء الإمامية في القرن الهجري العاشر. وقد جاء كلامه بهذا الشأن في الوصية الموسومة بالوصية النافعة التي ورثها لإجيال المسلمين جزاه الله عنهم خير الجزاء. قال شيخنا الشهيد الثاني في كلام عن محاسبة النفس لكي لاتضيع العمر فيما لاينفع: "وأما محاسبتها بعده يعني بعد العمل، فليكن في آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها كما يفعل التاجر في الدنيا مع الشريك في آخر كل يوم أو شهر أو سنة خوفا ( من) أن يفوته منها ما لو فاته لكانت الخيرة في فواته، ولو حصل بخير لايبقى إلا أياما قليلة. وكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلق به خطر الشقاة أو السعادة أبد الآباد؟! قال تعالى: (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد). وهي إشارة إلى المحاسبة على ما مضى من الأعمال. وقال صلى الله عليه وآله: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)، وجاءه صلى الله عليه وآله رجل فقال: يارسول الله أوصني. فقال صلى الله عليه وآله (أمستوص أنت؟)، قال: نعم. قال صلى الله عليه وآله: (إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن كان رشدا فامضه، وإن كان غيّاً فانته عنه)". أيها الاخوة والأخوات وبعد أن يبين الشيخ الشهيد الثاني أهمية محاسبة النفس بعد العمل يبين نموذجاً لكيفية هذه المحاسبة فيقول: "لما كانت محاسبة الشريك عبارة عن النظر في رأس المال أو في الربح أو الخسران ليتبين له الزيادة من النقصان، فكذلك رأس مال العبد في دينه الفرائض وربحه النوافل والفضائل، وخسرانه المعاصي، وموسم هذه التجارة جملة النهار، ومعاملة نفسه الأمارة بالسوء، فليحاسبها على الفرائض أولا، فإن أدتها على وجهها شكر الله تعالى على ذلك ورغبها في مثلها، وإن فوتتها طالبها بالقضاء، وإن أدتها ناقصة كلفها الجبران بالنوافل، وإن ارتكبت معصية عاقبها وعذبها ليستوفي منها ما يتدارك به كما يصنع التاجر بشريكه، وكما أنه يفتش في حساب الدنيا عن الدرهم والقيراط حتى لايغبن في شئ منها، فأولى أن يتقي غبن النفس ومكرها، فإنها خداعة مكارة فليطالبها أولا بتصحيح الجواب عن جميع ما يتكلم به طول نهاره، وليكلف نفسه في الخلوة ما يتولاه غيره بها في صعيد القيامة على رؤوس الأشهاد ويفضحه بينهم، وكما يكره أن يظهر عيبه لأصحابه وجيرانه فيترك النقص لأجلهم فأولى أن يفعل ما يظهر عليه في مشهد تجتمع فيه الأنبياء والأشقياء والأتباع من الأولين والآخرين فضلا عن الجيران والمعارف من أهل البلد وغيرهم، وهكذا يفعل في تفقد حركاته وسكناته بل جميع العمر في جميع الأعضاء الظاهرة والباطنة ". أعزاءنا المستمعين ونبقى مع الفقيه الإمامي العارف الشهيد الثاني وهو يصور لنا في نموذج حي أهمية هذه المحاسبة للحيلولة دون تضييع العمر، قال قدس سره في تتمة هذه الوصية: "وقد نقل عن بعض الأكابر وكان محاسبا لنفسه فحسب يوما وإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي واحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلتي! ألقى الملك بواحد وعشرين ألف ذنب، كيف وفي كل يوم ذنوب، ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت، فسمعوا قائلا يقول: يالها ركضة إلى الفردوس. فهكذا ينبغي المحاسبة على الأنفاس وعلى عمل القلب والجوارح في كل ساعة، ومن تساهل في حفظ المعاصي فالملكان يحفظان عليه: (أحصاه الله ونسوه) ". تقبل الله منكم اعزاءنا مستمعي إذاعة طهران حسن الإصغاء لهذه الحلقة من برنامج (من فيض أهل المعرفة). شكراً لكم ودمتم في كل خير.