نص الحديث
قال النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم): من لم يحكم بما انزل الله، كان كمن شهد شهادة زور.
دلالة الحديث
هذا النص من النصوص الشرعية الملفتة للنظر من حيث الصورة التي رسمها (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنسبة الي من لم يحكم بما انزل الله تعالي، هنا، ينبغي ان ندرك بان عدم الحكم بما انزل الله تعالي ينسحب علي الجميع، اي: علي القضية الفردية بين شخصين او علي القضية المرتبطة بالقضاء الرسمي.
والمهم هو، اولاً: معرفة حكم الله تعالي ولزوم العمل به.
ثانياً: ملاحظة الصلة بين عدم الحكم بما انزل الله تعالي وبين شهادة الزور.
بلاغة الحديث
بالنسبة الي ضرورة الالتزام بأحكام الله تعالي فهو امر لا تشكيك فيه، ولكن النكتة التي ينبغي لفت الانتباه لها هي: الصورة الفنية أو الصورة التشبيهية التي قد قدّمها النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حيث الصلة بين شهادة الزور وبين عدم الحكم بما انزل الله تعالي.
الجواب: من البيّن ان شهادة الزور، هي: ان تقدم حكما علي شيء هو لم يكن من مبادئ الله تعالي: كمن شهد زوراً علي احد الاشخاص بأنه سارق مثلاً، فهنا مادام الرجل المتّهم بريئاً: حينئد فإن اتهامه بالسرقة لا واقعية له، بمعني انه حكم بما لا حقيقة له في احكام الله تعالي، لأن الله تعالي ينهانا عن الافتراء والبهتان والكذب وفي ضوء هذه الحقيقة نجد ان التشبيه بين شهادة الزور وبين الحكم بما لم ينزله الله تعالي يتمثل في ان كليهما مما لا حقيقة له في احكام الله تعالي. كيف ذلك؟
لا ترديد في ان كلا الشخصين يشتركان في الزور والكذب والافتراء والبهتان، فالحاكم السياسي مثلاً عندما لا يعمل بأحكام الله تعالي، وكذلك الحاكم الشرعي او القاضي عندما يحكم علي المتهم بما لا حقيقة له في الشرع، كما لو حكم علي متهم بالسرقة وهو يعلم انه غير سارق، ولكنه لأغراض شخصية حكم بهذه الصورة.
هنا، لا يختلف شاهد الزور عن الحاكم بالزور، اي ان كليهما حكم بما لم ينزل الله تعالي، الحاكم لغرض شخصي والشاهد لغرض شخصي ايضاً: كما لو كان المتهم عدواً له مثلاً، اذن: التشبيه بين الحاكم والشاهد، يظل من العمق والطرافة بمكان، كما لاحظنا.