تجنّب الإمام الحسن (عليه السلام) الدخول في حرب عسكرية مع ذاك العدوّ الذي كان من اللازم فضحه أولاً ومن ثم مكافحته. أوقف الحرب العسكرية ليبدأ حربه السياسيّة، حربه الثقافيّة، حربه الدعائية وحربه الإسلامية. وكانت النتيجة، بعد رحيل الإمام الحسن وبعد أن تابع الإمام الحسين عليه السلام طريق الإمام الحسن ذاته لمدة عشر سنوات أخرى، وصلت وضعية العالم الإسلامي إلى درجة أصبح بمقدور ابن النبي أن يستشهد بطريقة يبقى التاريخ يذكر هذه الشهادة حتى نهاية الدنيا، وتكون السبب في نشوء حركات مقاومة كبيرة وهذا ما حدث، وتحفظ (هذه الشهادة) الإسلام حياً كما حفظته سابقاً ؛ لقد كان الإمام الحسن الممهّد لعاشوراء واستمراريّة الإمامة لدى الشيعة.
فيما يخص عمل الإمام الحسن نحن أبداً لسنا بصدد أن نتكلم من موضع الدفاع لماذا قام سلام الله عليه بالصلح وما الذي أوجب هذا، لو لم يقم الإمام الحسن بالصلح لكان تضرر الإسلام أمراً حتمياً؛ وذلك لأن تلك الشخصية لم تكن مكشوفة بعد، لم يكن الناس يدركون الحقائق بعد، حيث سبّبت الدعايات والأموال ومختلف الممارسات السياسية سيطرة مناخ سيء يؤدي إلى عدم بقاء ذكر للإسلام في حال فقدان الإمام الحسن وأصحابه المقرّبين المعدودين أرواحهم. المقاومة الحكيمة، معرفة التكليف والثبات؛ كان هذا ما قام به الإمام الحسن. الإمام الحسن قام بواحدة من أكثر الخطوات شجاعة من أجل القيام بأداء هذا التكليف، لماذا؟ وذلك لأن البقية، بقية الأنبياء، نبي الإسلام، وأمير المؤمنين وبقية الأئمة كان الأعداء فقط من يقومون بطعنهم، لكن عمل الإمام الحسن كان على درجة من التعقيد والدقة جعلت أصحابه أيضاً يطعنونه، لم يكونوا يدرون وكانوا ينعتونه "يا مذل المؤمنين" ولكنه صبر.
الإمام الخامنئي 7/6/1985
بعد واقعة تركه الحرب، عمل الإمام الحسن على تشكيل الصفوف وتنظيمها، هذا العمل الذي لم يكن تمَّ حتى ذاك الوقت، ولم تكن هناك حاجة له، ولم يكن من الممكن القيام به، قام الإمام الحسن بإيجاد تنظيم عظيم للشيعة؛ وهو نفسه التنظيم الذي تشاهدون آثاره في زمان الإمام الحسين في الكوفة، المدينة، في اليمن، في خراسان وبقية المناطق البعيدة.
وبعد أحداث شهادة الإمام الحسين كان هذا التنظيم هو نفسه الذي أنشأ ثورة التوابين، ثورة المختار، والأحداث العديدة التي شهدها العالم الإسلامي والتي لم تدع خلفاء بني أمية يهنؤون أبداً. هذه التنظيمات كانت موجودة زمان الإمام الحسين؛ حيث أن الإمام الحسين حينما استشهد كان يعلم أن هناك تنظيمات باقية بعده، سوف تبقي الراية مرفوعة ولن تسمح لهذه القضية أن تُحرّف أو تبقى الحقيقة مخفية.
الإمام الخامنئي 25/5/1986