البث المباشر

المفضّل بن عمر الجعفي (رضوان الله عليه)

الأربعاء 23 يونيو 2021 - 14:53 بتوقيت طهران
المفضّل بن عمر الجعفي (رضوان الله عليه)

وُلد المفضّل بن عمر الجعفي في أواخر القرن الأول الهجري، بمدينة الكوفة.

مكانته العلمية:
كان المفضل بن عمر من الرجال البارزين ومن التلامذة المميزين عند الإمام الصادق والإمام الباقر والإمام الرضا (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، واستناداً لبعض الروايات فإنه أدرك الإمام الجواد (عليه السلام) أيضاً.
لقد روى المفضّل كثيراً من الروايات عن الإمام جعفر الصادق والإمام موسى الكاظم (عليهما السلام)، ويعتبر من الرواة الموثقين الكبار، وكانت له منزلة عظيمة عندهما (عليهما السلام)، كما كان ينوب عنهما في استلام الحقوق الشرعية وصرفها في مواردها.
وجاء في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال لمفضّل بن عمر: (لو رأيت نزاعاً محتدماً بين اثنين من شيعتنا حول قضية مالية فاصرف عليها من مالنا الذى عندك وافصم النزاع بينهما).
مكانته عند الإمام (عليه السلام):
جاء في رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) يقول فيها: (إن مفضّل هو أنيسي وصاحبي وأنا أشعر بالراحة عنده).
وروي أنه زار الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في أحد الأيام وقد سُرَّ الإمام برؤيته، وظهرت البسمة على شفتيه المباركتين، ثم قال: (يا مفضّل، أقسم بالله أني أحبك، وأحب من يحبك، يا مفضّل، لو أن جميع أصحابي كانوا يعلمون ما تعلم، لما اختلف اثنان منهم).
فأجاب المفضّل: يا ابن رسول الله، إني أظنك قد جعلتني في درجة هي أعلى مما أستحقه!!، فرد الإمام (عليه السلام) قائلاً: (بل جعلتك في مرتبة قد خصك الله بها).
مؤلفاته:
۱) (توحيد المفضل): وهو كتاب فيه ما أملاه عليه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وفيه بحوث توحيدية وكانت شهرته بهذا الكتاب.
۲) (الوصية): وهو كتاب فيه مجموعة من الأخبار جمعها عن الإمام الصادق (عليه السلام) في شؤون المسلمين وحياتهم، وطلباتهم، وأحداث المستقبل، وأسرار العالم السفلي والعلوي.
۳) (اليوم والليلة): وهو كتاب يذكر فيه ما رواه عن الأئمة (عليهم السلام) بخصوص النوافل والأدعية.
٤) (علل الشرائع): وهو كتاب يشرح الأحكام الشرعية ، والفوائد والمنافع المترتبة عليها.
٥) (الأهليلجية): وهو كتاب يذكر فيه ما أملاه عليه الإمام الصادق (عليه السلام) في الرد على الكفار الملاحدة.
وفاته:
توفي المفضّل بن عمر (رضوان الله عليه) بعد أن ناهز عمره الشريف ثمانين عاماً، ولما نعي المفضّل عند الإمام الرضا (عليه السلام) قال: لقد نال االمفضل الرَوحَ والراحة.

مما أملاه عليه الأمام الصادق «عليه السلام»

أملى الإمام الصادق (عليه السلام) على أحد أصحابه، وهو المفضّل بن عمر، حيث قال (عليه السلام): يَا مُفضّل، أوَّلُ العِبَرِ والدَّلالةِ عَلى الباري جَلَّ قُدسُه تهيئةُ هذا العالم، وتأليفُ أجْزائِهِ ونظمُهَا على ما هي عليه. فإنَّك إذا تأمَّلت العالَم بِفِكرِكَ وخبرته بِعَقْلِك، وجدتَهُ كالبيت المبنيّ، المُعَدُّ فيه جميع مَا يَحتاجُ إليهِ عِبادُه.
فالسَّمَاء مَرفوعَةٌ كالسَّقفِ، والأرضُ مَمْدودَةٌ كالبِسَاط، والنُّجُوم مُضيئَة كالمَصَابِيح، والجواهر مَخزونَة كالذخائِر، وكُل شَيءٍ فيهِ لشأنِهِ مُعَدٌّ. والإنْسَانُ كالمَالِك ذَلكَ البَيت، والمخوّل جَميع مَا فِيه، وضُروب النَّباتِ مُهيَّأة لِمَآرِبِهِ، وصنوف الحيوان مَصرُوفَة في مَصَالِحِه ومَنَافِعِه. ففي هَذا دَلالَة واضِحَة عَلى أنَّ العَالِمَ مَخلوقٌ بتَقديرٍ، وحِكْمَة، ونظام، ومُلاءَمَة، وأنَّ الخَالِق لَهُ واحِدٌ، وهو الذي ألَّفَهُ ونظَّمَهُ بَعضاً إلى بَعضٍ. جَلَّ قُدْسُهُ وتعالى جده وَكَرَم وجْهِهِ، ولا إلَهَ غَيرَه تَعَالى عَمَّا يَقولُ الجَاحِدونَ، وجَلَّ وعَظُمَ عَمَّا ينتَحِلُهُ المُلحِدُونَ.
نَبْدأ يَا مُفضّل بِذِكْرِ خَلْقِ الإنْسَانِ فاعتَبِرْ بِه، فأوَّل ذَلِكَ مَا يُدبّرُ بِهِ الجَنين في الرَّحِمِ، وهو مَحْجوبٌ في ظُلُمَاتٍ ثَلاث: ظُلْمَةُ البَطْنِ، وظُلْمَةُ الرَّحِمِ، وظُلْمَةِ المَشِيمَةِ، حَيثُ لا حِيلَةَ عِندَهُ في طَلَبِ غِذاءٍ، وَلا دَفْعِ أذىً، ولا استِجْلابِ مَنْفعَةٍ، ولا دَفعِ مَضَرَّةٍ، فإنَّه يَجري إليهِ مِن دَمِ الحَيضِ مَا يغذوه المَاءُ والنَّبَاتُ، فَلا يزالُ ذَلِكَ غِذاؤُه.
حتَّى إذا كَملَ خَلقُهُ، واسْتَحْكَمَ بَدَنُهُ، وقَويَ أدِيمُهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الهَوَاءِ، وبَصَرُهُ على مُلاقَاةِ الضِّيَاءِ، هَاجَ الطَّلقُ بأمِّهِ، فأزْعَجَهُ أشَدَّ إِزْعَاجٍ وأعْنَفَهُ، حَتَّى يُولَدَ. فَإذا وُلِدَ صُرِفَ ذَلِك الدَّمِ الَّذي كَانَ يَغذُوهُ مِن دَمِ أمِّه إلى ثَدْيِهَا، وانقَلَبَ الطَّعمُ واللَّونُ إلى ضَرْبٍ آخَر مِنَ الغِذَاءِ، وهوَ أشَدُّ مُوافَقَةً لِلمَولُودِ مِن الدَّمِ، فَيُوَافِيهِ في وَقتِ حَاجَتِهِ إِلَيه. فَحينَ يُولَدُ قد تَلَمَّظَ، وحَرَّكَ شَفَتَيهِ طَلَباً للرِّضَاعِ، فَهو يَجِدُ ثَدي أمِّهِ كالأداوَتَينِ المُعلَّقَتَينِ لِحَاجَتِه، فَلا يَزَالُ يَتَغذَّى باللَّبَنِ، مَا دَام رَطِبُ البَدَنِ رَقِيقُ الأمْعَاءِ، لَيِّنُ الأعْضَاءِ.
حتَّى إِذَا تَحرَّكَ واحتاجَ إلى غِذاءٍ فِيهِ صَلابَة لِيشتَدَّ ويقْوَى بَدَنُه، طَلَعَتْ لَهُ الطَّوَاحِنُ مِن الأسْنَانِ والأضْرَاسِ، لِيَمضغَ بها الطَّعَام، فَيَلينَ عَلَيه، ويسهل لَهُ إِسَاغَتَهُ. فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتى يُدركَ، فإِذا أدْرَكَ وَكانَ ذَكَراً طَلَع الشَّعرُ فِي وَجْهِهِ، فَكَان ذَلكَ علامَةَ الذَّكَر، وعِزَّ الرَّجلِ، الَّذي يَخرُجُ بِهِ مِن جدَّةِ الصِّبَا، وَشبهِ النِّسَاءِ، وإنْ كَانَتْ أُنثىً يَبْقَى وَجْهُهَا نَقيّاً مِنَ الشَّعْرِ، لِتَبقَى لَهَا البَهْجَة والنَّضَارَة الَّتي تُحَرِّك الرَّجُل لِمَا فِيهِ دَوام النَّسْلِ وَبَقاؤهُ.
اِعتَبِرْ يَا مُفضَّل فِيما يُدبرُ بِهِ الإِنسان فِي هَذِهِ الأحوالِ المُختَلِفَةِ، هَلْ تَرى مثلهُ يُمكِنُ أنْ يَكونَ بالإهْمَالِ؟ أفَرَأيْتَ لَو لَمْ يَجْرِ إِليهِ ذلكَ الدَّم وَهوَ في الرَّحِمِ ألَمْ يَكُنْ سَيَذْوِي وَيَجفُّ كَمَا يَجفُّ النَّباتُ إذَا فَقَدَ المَاءُ، وَلو لَمْ يُزعِجْه المَخَاضُ عِندَ استِحْكَامِهِ ألَمْ يَكُنْ سَيَبقَى في الرَّحِمِ كالمَؤودِ فِي الأرْضِ؟
وَلو لَمْ يُوافِقْهُ اللَّبَنُ مَع ولادَتِهِ ألَمْ يَكُنْ سَيمُوتُ جُوعاً، أوْ يَغْتَذى بِغداءٍ لا يُلائِمُهُ، وَلا يَصْلُحُ عَلَيهِ بَدَنُهُ؟ وَلو لَم تَطْلَعْ لَهُ الأسنَانُ فِي وَقْتِهَا ألم يَكُنْ سَيَمْتَنِعُ عَليهِ مَضْغ الطَّعَامِ وَإِسَاغَتِهِ، أوْ يُقيمُهُ عَلَى الرِّضَاعِ فَلا يَشتَدُّ بَدَنُه، وَلا يَصْلُحُ لِعَمَلٍ؟، ثُمَّ كَانَ يشغلُ أمَّهُ بِنَفسِهِ عَنْ تَربِيَةِ غَيرِهِ مِنَ الأوْلادِ.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة