لابد ان احدهم افترى الاكاذيب عليك, لان الكلام حول ان يقوم خليفة المسلمين يزيد بتجهيز جيش لقتل الامام الحسين بن علي غير معقول! فالخليفة من الصالحين, والصالحون لا يقومون بقتل أبناء الانبياء”!
نص كلام الصديق نبيل بن يزيد أحد مثقفي المغرب في رسالة بعثها الي قبل ايام, وهي تدلل على حجم التضليل التاريخي الذي يعيشه الآخر, مع اننا في زمن المعلومات, فبضغطة زر يمكنه تصفح اي كتاب تأريخي معتبر, لكن المناهج الدراسية والاعلام الحكومي الموجه, والتقديس للإرث المشوه, والكسل عن محاولة البحث عن الحقيقة, كلها جعلت جزءا من الامة تغيب عنه حقائق الامس وتنعكس على سلوكه اليومي, فأفكاره مبنية على قواعد كاذبة.
عند محاولة الرد على رسالة الكاتب المغربي يجب أولا أن نجيب على تساؤل يعاد كل عام, وهو: ما فائدة التذكير بحدث حصل قبل أكثر من الف عام؟
يمكن الاجابة عن هذا التساؤل بشقين:
الاول: دستور المسلمين هو القرآن, نتعلم منه ونتمسك بمنهجه, والقرآن الكريم نجده يكثر من سرد وقائع تاريخية حدثت قبل الاسلام بمئات او آلاف الاعوام, لتوضيح جانب الحق وجانب الباطل, مع التذكير على اهمية السعي في طريق الحق كما سار السابقون, لذلك يجب أن نتأسى بالقرآن ونذكر بالحوادث الكبيرة في تاريخ الامة, وأخذ العبرة, وموالاة أهل الحق والبراءة من أهل الباطل.
فمن يعترض على إعادة فتح ملف كربلاء هو يعترض على منهج القرآن في سرد الاحداث التاريخية.
ثانيا: كل الامم تفتخر بقادتها وتحتفل سنويا بذكراهم, وتعيد للذاكرة مواقفهم وبطولاتهم وتنبه على باطل من ناصبهم العداء, انظر الى اوروبا والى شرق آسيا والى امريكا, هذا ديدن الشعوب, وليس هنالك شبهة ارتكاب ذنب او معصية, فعندما نذكر معركة كربلاء هل اننا نعصي الله عز وجل لان فتح ملف أخطاء السلطة الاموية من المحرمات؟ نعم البعض يفكر بهذه الطريقة الساذجة التي قامت السلطات المتجبرة بتلقين شعوبها على ذلك.
فمن يعترض علينا في موضوع ذكرى كربلاء عليه اولا ان يعترض على كل الانسانية ويرفض ان تعيد ذكرى الاحداث التاريخية.
منهاج دراسية تلقن الانحراف عن الحق
أتذكر جيدا كيف حاول نظام صدام ترسيخ مفاهيم وتأريخ مشوه عن الاسلام, بهدف طمس حقائق وإبراز دور السلطة على مر الزمان, فكان يرفع من ذكر الحكام امثال معاوية ويزيد والسفاح وهارون العباسي وباقي سلسلة بني امية وسلسلة العباسيين, مع انهم طغاة ظلمة استباحوا دماء الامة في سبيل شهواتهم والسيطرة على الحكم, فالطاغية يجب ان يدافع عن الطغاة فهم من جنس واحد, ومن غير المعقول أن تجد صدام بكل انحرافه وإجرامه يدافع عن الامام الحسين (ع) لانهما ضدان, والضدان لا يجتمعان.
لذلك كانت المناهج التعليمية تصب في تلقين نظرية الرضا بالحاكم مهما كان ظالما واعتباره منصب من قبل الله, ويجب الثناء والافتخار ببني أمية وبني العباس لانهم وسعوا الرقعة الجغرافية لدولة الاسلام, وانهم فعلوا وفعلوا…
وهكذا تمت تربية الاجيال في العراق وفي باقي البلدان العربية, منهج واحد في التعليم لكل الطغاة, لذلك لم اتعجب من رسالة الكاتب المغربي لي, بل هي تمثل واقع شعب وأمة, هكذا هو نمط تفكير الكثير من ابناء الامة التي تم تلقينها تاريخا مشوها.
والأغرب نجدهم ينادون في تحكيم العقل وأهمية النقد, لكن عندما يصلون لتاريخ الاسلام يتوقف العقل فها هي منطقة التاريخ المقدس الذي يحرم البحث فيه وفي رجالاته, فتجد البروفيسور والباحث والكاتب والمفكر كلهم يرفضون البحث في التاريخ, لانهم يدركون جيدا صعوبة كشف سبب التناقضات التي ترتكز في كل تاريخهم, فكيف يجب متابعة الرسول (ص), وكيف يتهمونه بالهجر ويمتنعون عن تلبية ندائه في مسيرة جيش زيد, ولماذا اختفى ابطال الاسلام في زمن الرسول من تقلد اي منصب بعد رحيل الرسول (ص)؟ ولماذا دخل كبار اليهود الاسلام في زمن الخليفة الاول والثاني؟ واين اختفى المنافقون بعد رحيل الرسول (ص) وكان القرآن يكثر من ذكرهم والتحذير من خطرهم؟
هذه المنطقة من التاريخ عند البعض مقدسة بكل ما تحمله من تناقضات, لكن لو يعاد فتح ملفاتها لتم فهم ما تبعها, لذا تجدهم على مر التاريخ يحرمون إعادة النظر فيها.
أهمية اعادة فتح ملف معركة عاشوراء
اولا: يمثل إعادة فتح ملف عاشوراء سنويا هو نوع من الثورة على كل الطغاة, فهم حاولوا عبر مر الزمن إسكات صوت الحسين (ع) حتى وصل الامر بالمتوكل والذي يسمى في كتب التاريخ العربية بمحي السنة, قام هذا الطاغية بحرث ارض قبر الحسين وفتح الماء عليها كي ينسى ذكر الحسين, وحاول الطغاة منع الناس من زيارته, ونتذكر جيدا قيام صدام باعتقال الآلاف بتهمة زيارة الحسين! بل حكم بإعدام الالاف بنفس التهمة.
ثانيا: محاولة لتصحيح التاريخ, وإعادة العقل ليكون حكما في كل التناقضات المسكوت عنها, ودعوة لإثارة روح النقد في الارث العجيب, والذي يعتبر البعض جميعه مقدسا لا يجب الاقتراب منه وفتحه, فعندما نعيد سرد احداث عاشوراء نفضح كذب السابقين والمتمسكين بنهج الحكومات والمؤسسات الدينية الخاضعة للحكومات, حيث يعتبرون الامام الحسين خطرا كبيرا يهددها في كل عصر.
ثالثا: ان اعادة فتح الملف هو مهمة لكل مسلم لإيصال رسالة الامام الحسين لكل الاجيال, في اعادة إحياء قيم النخوة والرجولة والدفاع عن الدين والشرف والمبدأ حتى لو استشهد, ورفض الذل والدعوة للعيش الكريم, وتثبيت ركيزة مهمة في العيش وهي الصدق وحفظ الأمانة ورفض النفاق والخيانة بكل انواعها, فمن يريد ان يكون حسينيا يجب ان تكون كل هذه الصفات فيه.
فلا خير بالخائن ولا خير بالكاذب ولا خير بالمنافق, وما اكثرهم في حاضرنا وتجدهم يدعون حب الحسين وهم سبب انتكاسة الامة في واقعنا.
رابعا: ان اعادة صوت الحسين هو واجب علينا جميعا, فهو صرخة بوجه حكام الحاضر واحزاب السلطة المستبدة, وتلك الطبقة السياسية العفنة الغارقة في الفجور, والتي انتهجت منهج الامويين والعباسيين في الحكم, نعم هي تدعي حب الحسين, لكن افعالها جميعا تصرخ انها اموية وعباسية للعظم, الحب ليس مجرد كلام بل افعال, لذلك اليوم تعيش الامة تحت حكم الامويين والعباسيين, ونحتاج للحسين في واقعنا كي تنهض الامة وترفض الذل والظلم, وتقوم كما قام الامام الحسين لترسيخ العدل في حياتنا.
خامسا: ان اعادة صوت الحسين في حاضرنا مهم جدا لترسيخ قيم الحسين في المجتمع, لتربية جيل صالح نحتاج ان تكون مناهج التربية, اساسه رفض الذل وطلب العدل, هذه القيمتين لو تمت في كيان كل طالب علم لتغير شكل الحاضر, لذلك تجد منا دعوة السنوية ليكون الحسين هو معلم الامة, بدل نظريات الغرب ومنهاج الطغاة.
وهنالك مضامين كثيرة أخرى حول أهمية فتح ملف عاشوراء.
لذلك نجد اهمية كبرى لإعادة صوت الحسين في كل عصر, والدعوة للتمثل بصفات الحسين, ورفض كل ما رفضه الحسين, فمن المعيب ان تكون منافقا او خائنا او كاذبا او ذليلا وتدعي أنك حسيني, وعند حصول الارتباط بين الانسان والامام الحسين عندها نربي جيلا على القيم الاخلاقية الرفيعة, ولو تمت في حياة الامة لأصبح مجتمعنا الاكثر رقيا في العالم.
واخيرا نقول: ان الحسيني الحقيقي بالأفعال وليس فقط بالأقوال.
أسعد عبد الله عبد علي - شفقنا